محمد مقبل... فتى كسر الاحتلال فكه واعتقله

07 ديسمبر 2020
مقيد اليدين والقدمين في المستشفى قبل نقله إلى السجن (العربي الجديد)
+ الخط -

كان الفتى الفلسطيني محمد منير مقبل (16 عاماً)، من مخيم العروب، شمال الخليل، جنوب الضفة الغربية، متوجهاً صباح الأحد الماضي، إلى مدرسته الثانوية في المخيم، ولم يكن يدري أنّ ذهابه الاعتيادي إلى المدرسة سينتهي عندما سيهاجمه ثلاثة جنود إسرائيليين بوحشية، ويكسرون فكه السفلي، بل اعتقلوه من بعدها ولم يتركوه.
رنّ جرس المدرسة حينها، منذراً ببدء الحصة الأولى، لم يأتِ محمد، وبقي مقعده الدراسي خالياً حتى الآن، ليبقى شاهداً على حرمان الفلسطينيين من التعليم، كانتهاكٍ صارخٍ لأحد أهم حقوق الإنسان، لا سيما حقوق الأطفال، وهي عادة الاحتلال في انتهاكاته لحقوق الشعب الفلسطيني.

في مستشفى "هداسا عين كارم" الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة، خضع محمد مقبل لعملية جراحية استغرقت أربع ساعات، اضطر الأطباء فيها إلى زرع البلاتين في فكه السفلي، وعندما انتهت العملية بقي محمد مكبلاً بالسرير، ومنعت عائلته من زيارته، والأشد إجحافاً كان نقله إلى السجن بعد عشرين ساعة فقط من إجراء العملية الجراحية. يقول والد الطفل الأسير، منير مقبل، لـ"العربي الجديد": "خمسة أيام أمضيتها في المستشفى بالقرب من محمد، من دون رؤيته. منعني جنود الاحتلال الذين يحتجزون محمد في غرفة المستشفى، من الاقتراب منه أو الحديث معه، وبالكاد تمكنت من التقاط بضع صور له بعد العملية. ساعة وأربعون دقيقة فقط منحها لي الجنود، لرؤية ابني قبيل إدخاله إلى غرفة العمليات وبعد إجراء الجراحة، أما معاملتهم لي كأب لطفل جريح فقد كانت صعبة جداً".

الصورة
أصفاد محم مقبل

نُقل محمد مقبل إلى سجن مجدو الإسرائيلي بعد إجراء العملية، وهذا هو الانتهاك الإجرائي الصارخ الذي يتبعه الاحتلال مع الأسرى المرضى والجرحى صغاراً وكباراً، بنقلهم إلى السجون قبل شفائهم بالكامل، أو حتى اكتمال تلقيهم الخدمات الطبية والصحية في المستشفيات. يقول والد الفتى مقبل: "الآن، يحتاج محمد إلى التغذية عبر الوريد أو التغذية بالطعام المهروس من خلال الحقنة، وإلى العناية الطبية. لقد تألم بشدة نتيجة الاعتداء عليه الذي ارتكبه جنود الاحتلال، وأحدهم يُعتقد أنّه ضابط في استخبارات الاحتلال، يُعرف في منطقتنا بوحشيته". يتابع الوالد: "من الظلم الذي تعرض له ابني محمد أنّ المستشفى قرر إجراء العملية الجراحية له، بعد إصابته بأربعة كسور في الفك السفلي، في اليوم التالي لاعتقاله، لكنّ سلطات الاحتلال رفضت ذلك، وبسبب هذا التعنت، أجريت العملية الخميس الماضي، أي بعد أربعة أيام من الإصابة".

الصورة
أصفاد محمد مقبل

لم يعتقل جنود الاحتلال الطفل محمد مقبل فقط، بل أربعة تلاميذ آخرين قرب مدرستهم الثانوية في مخيم العروب، بعد اقتحام المخيم في ساعة مبكرة من الصباح. وليست هي المرة الأولى التي يفعلها الاحتلال مع تلاميذ المخيم، وهو الذي يقيم نقطة عسكرية على مدخل المخيم ومدخل مدرسة زراعية وكلية، ويقمع كل مسيرة طلابية غاضبة ضد سياسات القتل الممنهجة، وأبرزها جريمة قتل الشاب عمر البدوي، قبل عام.
يتهم الاحتلال محمد بإلقاء الحجارة باتجاه جنوده، لكن والده يؤكد أنّه خرج إلى المدرسة كأيّ يوم آخر، وقد تناولوا جميعاً طعام الفطور في المنزل، وهم بالإضافة إلى محمد ووالديه، ابنتان وثلاثة أبناء، لكنّ الأب الذي يعمل سكرتيراً في المدرسة نفسها التي يتعلم فيها محمد، سبقه إلى الدوام. يقول منير مقبل: "لا أتفقد ابني محمد عادة إذا ما وصل إلى المدرسة أم لا، وبحكم عملي يجب أن أتواجد في المدرسة قبل التلاميذ. ظننت أنّ محمد في صفه، لكنّي فوجئت عند حدود الساعة الثامنة والنصف باتصال من أهالي المخيم، يخبرونني فيه بأنّ جنود الاحتلال قد اعتقلوه".

لا ينسى الآباء أطفالهم الأسرى، لكنّهم يحاولون بالعمل تخفيف مشاعر الألم التي تُسببها تجربة اعتقالهم وغيابهم عن المنزل، لكن في حالة الطفل محمد مقبل، لن يستطيع والده منير، الذي يعمل في المدرسة نفسها، تناسيه، ولن تتمكن كذلك والدته أمان، أن تشعر بمعنى اسمها أثناء توجهها إلى عملها في المدرسة، بصفة معلمة، فيما ابنها التلميذ غائب عن مقعده الدراسي والمنزل معاً.

المساهمون