محكمة أميركية ترغم شركات الأدوية المنتجة للمواد الأفيونية على دفع تسوية مالية ضخمة لقبائل السكان الأصليين
عاد ملف المواد الأفيونية إلى الصدارة مجدداً في المجتمع الأميركي، بعد موجة من القضايا التي رُفعت في خريف العام الماضي، نتيجة انتشار هذه المواد في المجتمعات، إلاّ أنّ اتجاه التركيز على هذا الملف، كان مختلفاً في الفترة الأخيرة، حيث تناولت العديد من الصحف حكم المحكمة الاتحادية في ولاية أوهايو، الذي أقرّ بضرورة تسديد كبرى شركات الأدوية، ومن أبرزها شركة جونسون آند جونسون، وكبار موزّعي الأدوية، تسوية مالية تصل إلى نحو 590 مليون دولار، إلى قبائل السكان الأصليين بأميركا.
وبحسب ما ذكرت الصحف الأميركية، تعود تفاصيل القضية إلى خريف العام 2021، بعد تقدم عدد من القبائل الأميركية بشكاوى حول تأثير المواد الأفيونية التي تنتجها شركات الأدوية، على المجتمعات القبلية، بحيث أدمن العديد من أفرادها المواد الأفيونية.
وبحسب ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فقد وافقت المئات من القبائل الأميركية الأصلية التي عانت من معدلات إدمان ووفيات عالية، على تسوية مبدئية بقيمة 590 مليون دولار مع شركة جونسون آند جونسون، وثلاثة من أكبر موزّعي الأدوية في البلاد.
من المرجح أن يتم صرف هذه الأموال لإنشاء مراكز لمعالجة الإدمان من المواد الأفيونية، وهو ما ذكره ستيفن سكيكوس، أحد كبار محامي القبائل، الذي أوضح أن المبالغ المالية، قد تساعد في معالجة هذه الآفة، لمساعدة المجتمعات القبلية.
تفاصيل القضية
بحسب ما ذكرته وسائل الإعلام الأميركية، فإنّ المحكمة قضت بإلزام مجموعة من الشركّات وموزّعي الأدوية، منها شركة McKesson و AmerisourceBergen و Cardinal Health بدفع نحو 440 مليون دولار على مدى سبع سنوات إلى القبائل الأميركية. وكانت هذه المجموعة من الشركات، قد أبرمت مع قبيلة "شيروكي" في سبتمبر/أيلول الماضي اتفاقاً، يتم بموجبه دفع 75 مليون دولار، إلاّ أنّ قرار المحكمة ألزم هذه الشركات بدفع 440 مليون دولار إضافية، لجميع القبائل.
وكذلك، طلبت المحكمة من شركة "جونسون آند جونسون" الأميركية دفع مبلغ 150 مليون دولار على مدى عامين لجميع القبائل، منها 18 مليون دولار مخصّصة لقبائل الشيروكي، التي تضرّرت بشدة.
وتعدّ قبائل الشيركوي، من الشعوب الأصلية التي عاشت في القرن الثامن عشر في جنوب شرق الغابات في الولايات المتحدة، أي في ما يعرف الآن بجنوب غرب كارولاينا الشمالية، وجنوب شرق تينيسي، وأطراف غرب كارولاينا الجنوبية وشمال جورجيا.
من جهتها، عقّبت شركة جونسون آند جونسون على حكم المحكمة في بيان نشرته، أكدت فيه أنّ إجراءات الشركة المتعلقة بتسويق وترويج الأدوية الأفيونية الموصوفة كانت مناسبة، وتمّت بموافقة القوانين الفيدرالية الأميركية، ولا يمكن اعتبار التسوية التي وافقت عليها الشركة، إقراراً بالمسؤولية أو اعترافاً بقيام الشركة بأيّ مخالفة.
مجتمعات قبلية
تعيش في الولايات المتحدة نحو 574 قبيلة، تشكّل نحو 2.1 في المائة من مجموع السكّان. وهم يتمركزون في عدد من الولايات، من أبرزها ألاسكا، كاليفورنيا، نيفادا، تكساس وواشنطن، بحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني الخاص بـ "المؤتمر الوطني للمجالس التشريعية للولايات" والذي تمّ تأسيسه عام 1975 وهي رابطة تضم مسؤولين عموميين ومكونة من مشرّعي الولايات .
ووفق المؤتمر الوطني للمجالس التشريعية، فإنّ كل قبيلة معترف بها فيدرالياً، مؤهلة للحصول على التمويل والخدمات.
بحسب ما تناولته وسائل الإعلام الأميركية، فإنّ العديد من الدعاوى التي رُفعت سابقاً، جاءت بعد الكشف عن التأثيرات السيئة لعقار Oxycontin- وهو مسكّن للألم يسبّب إدماناً شديداً.
وكانت القبائل الأصلية الأميركية، أكثر عرضة لتأثيرات المواد الأفيونية، إذ كشفت دراسة في العام 2016 أنّ معدل الوفيات المرتبطة بالمواد الأفيونية في مقاطعة Oglala Lakota في ساوث داكوتا، موطن قبيلة Oglala Lakota، وصل إلى نحو 21 شخصاً من أصل 100 ألف نسمة. ووفقاً لإحدى الدراسات، كانت النساء في المجتمعات القبلية، خاصة الحوامل، عرضة للخطر 8.7 مرات أكثر، من النساء الحوامل من المجموعات الديموغرافية الأخرى، بسبب الاعتماد على المواد الأفيونية في علاجهن.
انتصار قانوني
وصف لويد ميللر، أحد المحامين الذين يمثلون القبائل في القضية لصحيفة "ذي هيل" الأميركية، التسوية المالية قائلاً، بأنّ القبائل الأميركية تمكّنت من الحصول على جزء من حقوقها، نظراً للآثار السيئة التي أحدثتها أزمة المواد الأفيونية في مجتمعاتهم.
ووجد أنّ التقاضي، قد يكون عبئاً ساحقاً على كلا الجانبين وقد يستمرّ لعدة سنوات، ويؤدي إلى نتائج غير مؤكدة، ولكن في الوقت نفسه، كانت ستستمر الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية والإدمان داخل المجتمعات الأميركية لو لم يتم إصدار هذه القرار القضائي، لذا فإنّ هذه التسوية بحسب رأيه، قد توفّر مساراً عملياً للمضي قدماً في معالجة الإدمان.
لا يقف الانتصار القانوني للمجتمعات القبلية على التسوية المالية التي قد تتقاضاها وحسب، بل أيضاً يعدّ قرار المحكمة، بأنه اعتراف بالقبائل ككيان فيدرالي يمكنه رفع الدعاوى في المحاكم الفيدرالية وليس فقط في محاكم الولايات، ومن شأن الاعتراف بالقبائل على أنها كيان فيدرالي، الحق بالاستفادة من التسوية المالية.
بحسب قرار المحكمة، تنصّ التسوية المالية، على إنفاق الأموال للقبائل التي رفعت الدعاوى، و للقبائل الأخرى التي لم تشارك في رفع الدعوى (وفق صحيفة "ذي هيل"، رفعت نحو 440 قبيلة الدعاوى من أصل 574 قبيلة) والتي سيكون لها الحق بالمشاركة في التسوية المالية، وهو ما وصفه دبليو رون ألين، رئيس قبيلة جيمستاون سكلام في ولاية واشنطن، بالسابقة القانونية، على اعتبار أنّ قضايا مشابهة رُفعت في تسعينيات القرن الماضي، بشأن صفقات صناعة التبغ، لكن مجموعات الأميركيين الأصليين استُبعدت منها، ومُنعوا حتى من رفع الدعاوى أو الاستفادة من التسويات المالية.
في قضية Big Tobacco الشهيرة في المجتمع الأميركي، منعت المحكمة القبائل من رفع دعوى، على الرغم من أنّ المحكمة استخدمت تأثير التدخين على القبائل كنماذج وأدلّة قانونية ضدّ شركات التبغ، ورغم ذلك لم يُسمح لهم بالمشاركة برفع الدعوى، أو حتى الحصول على تسويات مالية.
ولذا يُنظر إلى هذه الدعوى، على أنها اعتراف لنحو 574 قبيلة ككيان فيدرالي موحد، بحسب ما ذكرته وكالة الأسوشييتد برس.
سيُخصص ما يقرب من 15 بالمائة من إجمالي المبلغ، للرسوم القانونية وتكاليف التقاضي الأخرى، لكن الجزء الأكبر سيوجّه إلى علاج الإدمان وبرامج الوقاية، التي سيشرف عليها خبراء الرعاية الصحية القبلية.
وكان القاضي دان آرون بولستر، الذي يترأّس الآلاف من قضايا المواد الأفيونية التي تمّ دمجها في المحكمة الفيدرالية في كليفلاند، قد أصرّ على حقوق القبائل برفع دعاوى خاصة بهم في المحاكم الاتحادية، بشكل مستقل عن المحاكم في الولايات التابعين لها.
وبحسب "مايو كلينيك"، فإن أدوية المسكنات الأفيونية هي عبارة عن مجموعة من العقاقير المسكنة للألم التي تعمل من خلال التفاعل مع المستقبلات الأفيونية في الخلايا. يمكن أن تكون المسكنات الأفيونية مصنوعة من نبات الخشخاش — على سبيل المثال، المورفين (مورفين، ميس كونتين، وغيرها) — أو مستخلصة في المختبر — على سبيل المثال، فينتانيل (fentanyl) (Actiq، وDuragesic، وغيرها).
ويمكن أن يؤدي تناول المسكنات الأفيونية بجرعات قليلة إلى الشعور بالنعاس، ولكن تناولها بجرعات عالية قد يتسبب في إبطاء التنفس وضربات القلب مما قد يؤدي إلى الوفاة. ويمكن أن تؤدي مشاعر المتعة الناجمة عن تناول المسكنات الأفيونية إلى الإدمان.