كشف محقق صيني يعيش في المنفى لشبكة "سي أن أن" الأميركية، عن بعض أساليب التعذيب التي يستخدمها الجيش والشرطة في الصين ضد مجتمعات الأويغور المسلمين، مؤكدا أن مئات من الضباط المسلحين بالبنادق يتنقلون من منزل إلى آخر، ويقومون بتقييد الأشخاص بعد تغطية رؤوسهم، وسحبهم إلى مراكز التحقيق.
وتحدث المحقق شريطة إخفاء هويته الحقيقية خشية التعرف عليه من قبل السلطات الصينية، وطلب التعريف عنه باسم "المحقق جيانغ". وحسب روايته: "صدرت الأوامر باعتقال جميع الأشخاص من هذه المجتمعات، وأخذهم بالقوة للتحقيق معهم".
وفي المقابلة التي استمرت ثلاث ساعات، كشف جيانغ عن تفاصيل ما وصفه بـ"حملة التعذيب الممنهجة ضد الأويغور" داخل معسكرات الاعتقال، وهي مزاعم تنكرها الصين منذ سنوات.
ويتذكر جيانغ كيف كان هو وزملاؤه يستجوبون المعتقلين في مراكز الاحتجاز، وكانت العملية تشمل ركلهم، وضربهم، وتركيعهم على الأرض، وأنه خلال الفترة التي قضاها في شينجيانغ، كان الضرب هو الوسيلة الأبرز لاستجواب المعتقلين، حتى النساء والأطفال.
ويوضح أن أساليب القمع شملت تكبيل الناس بالأصفاد إلى "كرسي النمر"، وهي كراسي مصممة لشل حركة المشتبه فيهم، وتعليق الأشخاص بالسقف، إضافة إلى العنف الجنسي، والصعق بالكهرباء، والإيهام بالغرق. "السجناء غالباً ما كانوا يُجبرون على البقاء مستيقظين لأيام، ويحرمون من الطعام والماء".
وعادة ما كان يتم اتهام الأويغور بجرائم إرهابية، لكن المحقق يشك في صحة هذه الادعاءات، إذ يرى أن المئات من السجناء لم يرتكبوا أي جريمة، ويصفهم بأنهم أناس عاديون، ويتابع: "لم تكن أساليب التعذيب تتوقف في مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة إلا عند اعتراف المشتبه فيه بالجرائم، فيتم نقله عندها إلى منشآت أخرى، وهي عبارة عن سجن، أو معسكر اعتقال يديره مئات من الحراس".
ومن أجل التحقق من شهادته، أظهر جيانغ لشبكة "سي أن أن" زي الشرطة الخاص به، ووثائق رسمية، وصوراً، ومقاطع فيديو، كما روى كثيرا من التفاصيل التي تعكس تجارب ضحيتين من الأويغور قابلتهما "سي أن أن" في نفس التقرير. وقدم أكثر من 50 سجينًا سابقًا في معسكرات اعتقال الأويغور شهادات لمنظمة العفو الدولية تضمنها تقرير من 160 صفحة صدر في يونيو/حزيران ، بعنوان "كنا أعداء في حرب: الاعتقالات الجماعية في الصين، والتعذيب، واضطهاد المسلمين في شينجيانغ".
وتقدر وزارة الخارجية الأميركية أن ما يصل إلى مليوني شخص من الأويغور، وأقليات عرقية أخرى، تم احتجازهم في معسكرات الاعتقال في شينجيانغ منذ عام 2017. إلا أن الصين تنفي هذه الادعاءات، وتؤكد أنها معسكرات مهنية، تهدف إلى مكافحة الإرهاب والانفصالية، ونفت مراراً وتكراراً الاتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في شينجيانغ، وهو ما أعاد تأكيده تشاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية.
وفي فترة سابقة، قدم مسؤولون من حكومة شينجيانغ رجلاً في مؤتمر صحافي على أنه نزيل سابق، ونفى وجود تعذيب في المعسكرات، ولم يتضح ما إذا كان مكرهاً على الحديث أم لا.
وفي المرة الأولى التي تم فيها إرسال المحقق جيانغ إلى شينجيانغ، كان حريصاً على المساعدة في هزيمة تهديد إرهابي قيل له إنه يهدد بلاده، وقال له رئيسه إن "القوات الانفصالية تريد تقسيم الوطن، ويجب أن نقتلهم جميعًا".
تم استدعاء جيانغ نحو ثلاث أو أربع مرات من منصبه المعتاد في البر الرئيسي للصين، للعمل في عدة مناطق في شينجيانغ خلال ذروة "حملة مكافحة الإرهاب" التي شنتها الصين، وشجعت حملة "Strike Hard" التي أُطلقت في 2014 على برنامج اعتقال جماعي للأقليات العرقية في المنطقة، والآلاف تم إرسالهم إلى سجن أو معسكر اعتقال لمجرد "ارتداء الحجاب"، أو إطالة اللحية، أو إنجاب عدد من الأطفال.
تم إخبار جيانغ أنه تم تجنيد 150 ألف مساعد شرطة من مقاطعات البر الرئيسي للصين بموجب مخطط يسمى "تقديم المساعدة لمناطق شينجيانغ". وكانت التعيينات المؤقتة مجزية ماليا، إذ حصل على ضعف راتبه العادي، ومزايا أخرى أثناء فترة عمله هناك. لكنه سرعان ما أصيب بخيبة أمل بسبب وظيفته الجديدة.
يقول جيانغ: "فوجئت عندما ذهبت لأول مرة أن عمليات التفتيش تجرى في كل مكان، وتم إغلاق العديد من المطاعم والأماكن". خلال العمليات الروتينية للبحث والاعتقال، تسلم جيانغ قوائم بأسماء الأشخاص لتجميعهم، كجزء من الأوامر للوفاء بالحصص الرسمية لأعداد الأويغور للاحتجاز.
في الوقت نفسه، كانت فرق أخرى من ضباط الشرطة تقوم بتفتيش منازل الأشخاص، وتنزيل البيانات من أجهزة الكمبيوتر والهواتف الخاصة بالمعتقلين. لم يكن يقف الأمر عند هذا الحد، بل كانت الشرطة في أحيان أخرى، تعتمد على تكتيك يتعلق باستخدام لجنة الحي في المنطقة لدعوة السكان المحليين لعقد اجتماع مع رئيس القرية، ثم اعتقالهم بشكل جماعي.
الاغتصاب أحد أبرز أساليب تعذيب المعتقلين الأويغور
ووفق المحقق: "اعتقل في إحدى السنوات نحو 900 ألف من الأويغور، وهو عدد كبير جداً، لكن الأوامر كانت واضحة باعتقال الجميع". يقول جيانغ: "الهدف الرئيسي داخل مراكز الاحتجاز هو انتزاع اعترافات من المعتقلين، مع كون التعذيب الجنسي أحد الأساليب، فإذا كنت تريد أن يعترف الناس، فعليك استخدام العصا الكهربائية. كنا نربط سلكين كهربائيين على الأطراف ونضع الأسلاك على أعضائهم التناسلية أثناء تقييد الشخص".
واعترف بأنه اضطر في كثير من الأحيان إلى لعب دور "الشرطي السيئ" أثناء الاستجواب، لكنه قال إنه تجنب أسوأ أعمال العنف، على عكس بعض زملائه. "من الإجراءات الشائعة للغاية للتعذيب الاغتصاب".
ويروي عبد الولي أيوب، الباحث الأويغوري البالغ من العمر 48 سنة، من شينجيانغ، أنه احتُجز في 19 أغسطس / آب 2013، عندما قبضت عليه الشرطة في روضة أطفال افتتحها لتعليم الصغار لغتهم الأم، ثم اقتادوه إلى مركز الاعتقال.
في أول ليلة له في مركز الاحتجاز في مدينة كاشغر، تعرض أيوب للاغتصاب الجماعي من قبل أكثر من عشرة سجناء صينيين، تم توجيههم للقيام بذلك من قبل ثلاثة أو أربعة من حراس السجن الذين شهدوا أيضاً الاعتداء. "طلب مني حراس السجن خلع ملابسي الداخلية، قبل أن يطلبوا مني الانحناء. بكيت كثيراً، وطلبت أن لا يفعلوا ذلك. لكنهم واصلوا. فقدت وعيي، واستيقظت محاطا بالقيء والبول".
ويضيف: "كان الذباب يحوم حولي. شعرت بأن الذباب أفضل مني، لأنه لا يمكن لأحد أن يعذبه، ولا يمكن لأحد أن يغتصبه. الإذلال استمر في اليوم التالي بعد أن سألني حراس السجن: هل قضيت وقتًا ممتعًا؟ لاحقا نُقلت من مركز احتجاز الشرطة إلى معسكر اعتقال، وأُطلق سراحي في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، بعد إجباري على الاعتراف بجريمة جمع الأموال بشكل غير قانوني".
يعيش أيوب الآن في النرويج، وهو يؤلف كتباً بلغة الأويغور للأطفال، في محاولة للحفاظ على ثقافته على قيد الحياة، لكن ما تعرض له لايزال يشكل صدمة بالنسبة له.
آلاف الأشخاص محتجزون في جحيم متواصل
قصة عمير بكالي (45 سنة)، الذي يعيش في هولندا، ليست مختلفة، فهو يكافح أيضا للتعايش مع تجاربه خلال الاعتقال، مؤكدا التجربة التي مر بها لم تترك ذهنه أبدًا.
ولد بكالي في شينجيانغ لأم من الأويغور وأب كازاخستاني، وانتقل إلى كازاخستان حيث حصل على الجنسية في عام 2006، وخلال رحلة عمل إلى شينجيانغ، اعتُقل في 26 مارس/آذار 2017، وتم التحقيق معه، وتعذيبه لمدة أربعة أيام في قبو مركز للشرطة في مدينة كراماي. يقول: "كنا مجموعة، علقونا، وضربونا على أرجلنا بمشاعل خشبية، وأسواط من حديد".
وأوضح أن الشرطة حاولت إجباره على الاعتراف بدعم الإرهاب، وأنه أمضى ثمانية أشهر في معسكرات الاعتقال، "عندما وضعوا السلاسل على ساقي في المرة الأولى، فهمت على الفور أنني في الجحيم. كانت السلاسل الثقيلة مربوطة بأيدي وأقدام السجناء، مما أجبرهم على البقاء منحنين، حتى وهم نائمون. فقدت نصف وزني خلال فترة وجودي هناك، وكنت أشبه بهيكل عظمي عندما خرجت، كما تعرضت والدتي وشقيقتي وشقيقي للاعتقال، وتوفي والدي في المعسكر بتاريخ 18 سبتمبر/أيلول 2018".
يضيف: "نجوت من هذا التعذيب النفسي لأنني رجل متدين، لم أكن لأنجو من هذا بدون إيماني، وشغفي بالحرية أبقاني على قيد الحياة، وخلال الفترة التي قضيتها في المخيمات، حصلت مئات الوفيات بين المعتقلين".
ورد مسؤولو حكومة شينجيانغ على أسئلة شبكة "سي أن أن" بشأن بكالي، وأكدوا أنه احتجز لمدة ثمانية أشهر في جرائم إرهابية مشتبه بها، لكن مزاعمه بالتعرض للتعذيب، واحتجاز عائلته كانت "افتراءات كاملة"، مؤكدين أن والده توفي بسبب سرطان الكبد، وأن عائلته "تعيش حاليا حياة طبيعية".