قبل عام من انتخابات الهيئات الممثلة للمحامين في المغرب، تجدد النقاش حول حجم حضور النساء في هياكل تلك الهيئات، في إطار المساعي لتحقيق المساواة بين الجنسين وضمان وصول المرأة إلى مراكز القرار. وقبل نحو 11 عاماً، أقر الدستور المغربي مبدأ المناصفة والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وإذ استبشرت الحركة النسائية والحقوقية بذلك المكسب الدستوري خيراً، خابت آمال المئات من المحاميات بسبب عدم تحقق الكثير على مستوى حضورهن في مراكز قرار الهيئات المهنية.
وتقول المحامية بهيئة وجدة والنائبة البرلمانية السابقة سليمة فراجي إن "هيئات المحامين في المغرب، كونها نموذجاً لهيئات حقوقية، يفترض أن تشجع تقلد المحاميات مناصب المسؤولية احتراماً لمبدأ تكافؤ الفرص، وما تستلزمه المواثيق الدولية ومبادئ الدستور التي تنص على المناصفة، لكن واقع الممارسة يؤكد عكس ما يتم الترويج له من شعارات". وتوضح وجدة في حديثها لـ "العربي الجديد" أن مهنة المحاماة "خير مثال على انعدام تمثيل المرأة على اعتبار أن المحامية نفسها لا تصوت للمرأة، والمعوقات الاجتماعية الثقافية ما زالت جاثمة على العقول والصدور، والتعصب القبلي الإثني الحزبي والإيديولوجي ما زال موجوداً في اللاوعي".
وتقول عضوة المكتب التنفيذي للجمعية الوطنية للمحامين في المغرب، والمرشحة سابقاً لمنصب نقيبة المحامين فتيحة أشتاتو، إن "إشراك المحاميات في الأجهزة المسيرة للمهنة يعدّ تحدياً كبيراً للقطع مع الماضي والتخلص من خوف الفشل والمشاركة في الترشح للمناصب والتصويت، وخصوصاً أن قانون المهنة وأعرافها لا يميزان بين الرجل والمرأة في الشروط المطلوبة لتولي المسؤولية في مؤسسات المهنة".
وبلغة الأرقام، تكشف أشتاتو خلال حديثها لـ "العربي الجديد" أن أعداد المنخرطات في مجلس هيئة المحامين لم تتجاوز 19 عضوة، في حين يبلغ عدد الرجال 137 عضواً.
وعلى الرغم من أن المحاماة مهنة الدفاع عن الحقوق والحريات، وعلى رأسها المساواة ونبذ أشكال التمييز مهما كان نوعه، ترى "شبكة المحاميات والمحامين" المنضوية تحت لواء "فدرالية رابطة حقوق النساء" أن ما كشفت عنه نتائج الانتخابات المهنية المنظمة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2021 هو أن "الطابع الحقوقي لهذه المهنة وعراقة دورها في هذا المجال وطنياً لم يفلحا بعد في هزم الجوانب السلبية في موروثنا الثقافي المثقل باللامساواة، وتهميش أي دور للمرأة مهما علا مستواها الثقافي، واكتسابها للكفاءة المهنية التي تؤهلها لتبوّؤ شرف عضوية إحدى المؤسسات المهنية".
وترى أشتاتو أن هناك عوامل عدة تقف وراء ضعف وصول المحاميات إلى مجالس الهيئات المهنية؛ فبالإضافة إلى الموروث الثقافي والعقلية الذكورية والاعتبارات الأخرى المتعلقة بالحزبية والتعصب القبلي والأيديولوجيا هناك الصور النمطية وعدم الإيمان بكفاءة المرأة المحامية وجدارتها لتولي المسؤوليات. تضيف: "للأسف، الكتلة الناخبة مسؤولة عن هذه الصور النمطية"، مشيرة إلى أن "غالبية المحاميات لا يصوتن لزميلاتهن في المهنة".
وفي وقت تنتقد أشتاتو القانون المنظم لمهنة المحاماة في المغرب، على اعتبار أن بعض مواده تتسم بالتمييز بين الجنسين في نصوصها، ترى "شبكة المحاميات والمحامين" أن القانون رقم 28.08 المنظم للمهنة، وفي ظل ضعف الموجه الحقوقي في المسلكيات الانتخابية المهنية للمحاماة، ساعد هو الآخر في إضعاف أو غياب حضور المرأة المحامية في المؤسسات المهنية"، ذلك أن القانون في مادته 88 تبنى نظام الفئوية على أساس أقدمية التسجيل في جداول الهيئات، وميز بين الفئة التي تزيد أقدمية تسجيل المنتمين لها عن عشرين سنة وبين تلك التي تتراوح مدة تسجيل المنتمين لها ما بين 10 و20 سنة إلى جانب فئة قدماء النقباء، من دون أن يضمن للنساء المحاميات حضوراً في تشكيلة مجالس الهيئات".
وتوضح الشبكة أن القانون المنظم لمهنة المحاماة بشكله الحالي "لم يفلح في النأي بالنساء المحاميات المغربيات عن التمييز في ما أقره من فئوية ذكورية لتشكيلة مجالس هيئات المحامين التي أوردتها المادة 88 منه، ومن دون مراعاة لحضور المرأة المحامية ضمن تلك الفئات بموجب نص قانوني يلزم بذلك".
في المقابل، يقول نقيب المحامين بخريبكة (وسط المغرب) علال البصراوي إنه بعد مصادقة المغرب على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة (سيداو) ورفع كل التحفظات عليها واعتماد دستور 2011 وما نص عليه في الفصلين 19 و164 بخصوص مساواة الرجل والمرأة ومناهضة التمييز والسعي إلى المناصفة بين الجنسين، وبعدما اعتمدت جل المؤسسات والهيئات مقاربة النوع ولجأت إلى نظام "الكوتا" كآلية مؤقتة تضمن تمييزاً إيجابياً لصالح النساء وتمكينهن من الوصول إلى مركز القرار، لم تتمثل بعد هيئات المحامين لتلك المقتضيات الدستورية والمرجعية الحقوقية، وما زال تمثيل النساء ضعيفاً في المجالس، أما على مستوى منصب نقيب المحامين فهو منعدم.
ويدعو البصراوي، خلال حديثه لـ "العربي الجديد "، إلى إدماج نظام "الكوتا" كآلية مؤقتة تضمن تمييزاً إيجابياً لفائدة النساء وتمكينهن من الوصول إلى مجالس هيئات المحامين باعتبارها مؤسسات ذات طبيعة حقوقية تفرض أن تكون السباقة لاعتماد المرجعية الدولية لضمان حضور مشرف للمحاميات في أجهزة تسيير الهيئات.
تجدر الإشارة إلى أن المغرب يضم 17 هيئة للمحامين موزعة على صعيد المملكة، تحت لواء "جمعية هيئات المحامين بالمغرب"، في حين يحظى بعضوية هياكل هيئات المحامين 17 ألف محامٍ.