مجازر مخيم جباليا| لماذا استهدفت إسرائيل عائلة الصحافي رمزي أبو القمصان؟ (14)

10 ديسمبر 2024
رمزي رفقة أطفاله الثلاثة الناجين وابن أخته (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ أكتوبر 2023، يشهد قطاع غزة مجازر مروعة، خاصة في مخيم جباليا، حيث يعبر الكاتب عن خذلانه لتأخر توثيق الجرائم وفتح الباب أمام قصص الشهداء المفقودين.
- رمزي أبو القمصان، صحفي ومصور، يوثق المجازر في جباليا وشمالي غزة، تعرض لمحاولات اغتيال وفقد 20 من عائلته بعد تدمير منزله.
- رغم فقدانه لعائلته، يواصل رمزي دوره كأب وأم لأطفاله الثلاثة الناجين، ويعمل على نقل الحقيقة وتحقيق وصية زوجته بالاعتناء بأطفالهما.

لا أعلم إلى أين سيأخذني قلمي في رصد وتوثيق مئات المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أهالي مخيم جباليا شمالي غزة، وسط جرائم الإبادة المستمرة على القطاع منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. لكن كلّ ما أعرفه أنني خذلت نفسي ودماء شهداء الحيّ الذي أسكنه، حين انتظرت كل هذه المدة للبدء في الكتابة عنهم. ولأنه لا وقت للتبريرات، فإنّ هذه الشهادات بمثابة بوابة على مئات القصص عن شهداء في مخيم جباليا مُسحوا من السجلّ المدني، في الوقت الذي تستمر فيه آلة الحرب بحصد المزيد من أرواح الأبرياء.


عندما كنت طفلاً، وواحداً من صغار حي السنايدة "بلوك 6" الواقع في قلب المخيم، كان الفتى إبراهيم أبو القمصان، بمثابة الأخ الكبير لنا. في أي شجار يقع يتدخل للإصلاح بيننا، ويجهّز لنا ألعاباً بين الأزقة ويشرف علينا. كان نحيف الجسد، طويل القامة، وكنا نتقمص شخصيته في بعض المواقف من كثرة إعجابنا به.

لدى إبراهيم أخ وحيد يدعى رمزي، في الطفولة كنت ملازماً جداً له رغم أنه يكبرني بثلاثة أعوام... مرت الأيام، وانتقلنا إلى المربع الملاصق، أصبح شاباً رياضياً من الدرجة الأولى، يلعب في مركز المدافع في كرة القدم، أشركني أكثر من مرة معه لخوض مباريات مع الفرق الأخرى، وكان يعاملني كأخ له. تقريباً كان معلمي الأول في الصغر.

في الأول من أكتوبر/تشرين الأول عام 2004، ارتقى إبراهيم شهيداً خلال تصديه للقوات الإسرائيلية في اجتياح شرق مخيم جباليا. كان ذلك الحدث، بمثابة منعرج لشخصيتي لأكون أكثر جدية في حياتي. في المرحلة الجامعية، التقيت رمزي في مقاعد الدراسة وقد تخصص في الصحافة، كان يدرس ويعمل في الوقت نفسه، وانتهجت نهجه مع بعض التوجيهات التي زودني بها.

تزوج رمزي (36 عاماً) من أسماء (29 عاماً) ولديه أربعة أطفال، وعمل مراسلاً حراً - مصوراً وكاتباً- لعدة مواقع وصحف، أغلب أعماله كانت لصالح موقع الأناضول التركي.

منذ اللحظة الأولى التي شن الجيش الإسرائيلي هذه الإبادة على قطاع غزة، في أكتوبر 2023، كان رمزي مثل "الدينامو" متنقلاً مع عدسته من زقاق إلى آخر، يوثق ويرصد المجازر التي وقعت في أغلب أماكن مخيم جباليا وشمالي قطاع غزة، خاصة أن تركيز الجيش بدا واضحاً على شمال غزة وتحديداً المخيم.

رمزي مع طفلته الشهيدة نور (العربي الجديد)
رمزي مع طفلته الشهيدة نور (العربي الجديد)

لا يخفى على أحد، أن الصحافيين في قطاع غزة، هم الجزء الأكثر استهدافاً من الجيش الإسرائيلي، وقد وصل عدد الشهداء بينهم قرابة 200 شهيد من عمر هذه الإبادة؛ رمزي كان واحداً من الزملاء الصحافيين الذين نجوا من عدة محاولات اغتيال. وحين تفشل إسرائيل في قتل الصحافيين أو اعتقالهم تلجأ إلى ذويهم أو المقربين منهم للضغط عليهم، هذه السياسة استخدمتها مع رمزي، حين نسف الجيش الإسرائيلي المربع الذي تسكن فيه عائلته في الحي الملاصق لحي السنايدة ويعرف بمربع مخبز عجور، الواقع في قلب المخيم، ليلة 16 نوفمبر 2023.

رمزي بصحبة زوجته الشهيدة أسماء (العربي الجديد)
رمزي رفقة زوجته الشهيدة أسماء (العربي الجديد)

تحول منزل رمزي المكون من ثلاثة طوابق، بجانب أكثر من تسعة منازل إلى حفرة كبيرة، قطرها يتجاوز السبعين متراً، بعمق ثلاثة أمتار في الأرض. كانت عدة عوائل من أقاربه تحتمي فيه، لذلك وصل عدد الشهداء إلى 20 شهيداً. استشهدت أمه وزوجته وطفلته وأخته وزوجها وأطفالها وأبناء عمومته بأطفالهم ونسائهم.

ضمت قائمة الشهداء: الأم فوزية رباح أبو القمصان (71 عاماً)، الأخت أمية محمود أبو القمصان (41 عاماً)، الزوجة أسماء بسام حجازي (30 عاماً) نور رمزي أبو القمصان (5 أعوام)، محمد أحمد حجازي "أبو أحمد" (47 عاماً)، زوجته آمنة محمود أبو القمصان "أم أحمد" (43 عاماً)، الابن يحيى محمد حجازي (13 عاماً)، الابنة راما محمد حجازي (10 أعوام)، بسام فخري حجازي (61 عاماً)، زوجته جلاء رباح حجازي (56 عاماً)، نبيل فخري حجازي (54 عاماً)، زوجته ميرفت أحمد حجازي (50 عاماً)، مها أحمد حجازي (39 عاماً)، الابنة ربا أحمد فخري حجازي (22 عاماً)، الابنة سارة أحمد فخري حجازي (12 عاماً)، الابن عمر أحمد فخري حجازي (8 أعوام، فداء هاشم أبو ناصر (36 عاماً)، جنى محمود حجازي (11 عاماً)، شام محمود حجازي (3 أعوام).

الأم فوزية التي تتصدر قائمة الشهداء هي والدة رمزي وإبراهيم، وصل عمرها السبعين، سيدة عطوفة، كريمة جداً، أتذكر في الصيف حين كنت صغيراً، كانت تفرز بذور البطيخ وتعرضها لأشعة الشمس ثم تضعها على المقلاة مع قليل من زيت الزيتون والملح، وتقدمها لنا، كانت تخصص لي ورمزي الحصة الكبيرة.

نجا بشكل عجيب، أطفال رمزي الثلاثة، إبراهيم (11 عاماً)، ومحمود (تسعة أعوام)، وعمر (سبعة أعوام)، فيما استشهدت الصغيرة نور (خمسة أعوام) مع أمها أسماء. حين تمكن رمزي من العثور على ما تبقى من جثث عائلته، دفن أمه وطفلته وزوجته في قبر واحد.

يتذكر رمزي طفلته الشهيدة نور قائلاً "كنا نضحك معاً، ونتقاسم لحظات جميلة، كانت متعلقة كثيراً بي، الآن رحلت ابنتي وزوجتي ولم يتبق سوى تلك اللحظات البسيطة التي عشناها معاً".

وفي ذكرى ميلاد زوجته الثلاثين، يقول رمزي إنهما كانا يخططان لأحلام كبيرة لهما ولأطفالهم الأربعة لكنها لن تكتمل، ويتذكر وصيتها له بحرصه على الأبناء بعدها. يحاول رمزي الالتزام بها، وإلى جانب دوره أباً، يمارس دور الأم لثلاثة أطفال؛ لكن هذه المهام الجديدة والظروف الصعبة مع قلة الإمكانيات لم تمنعه من مواصلة عمله الميداني في نقل الحقيقة.

المساهمون