مبان تونسية على وشك الانهيار ومواطنون مهددون بالإخلاء والتشرد

02 فبراير 2021
تعيش في مسكن فقير ومتصدع (العربي الجديد)
+ الخط -

 

يعيش عدد من التونسيين الفقراء في مبان قديمة ومتصدعة، مهددة بالانهيار في أية لحظة على رؤوسهم. لكن عدم إمكانية دفع ايجار منزل آخر، يدفع هؤلاء المعوزين إلى المخاطرة بحياتهم والعيش فيها.

منذ أكثر من ثلاثين سنة، يعيش عبد الرحمن، في حيّ الحلفاوين، في العاصمة تونس. وعلى الرغم من تداعي منزله وتعرضه لخطر السقوط في أية لحظة، ما زال يرفض تركه لأنّ لا مأوى آخر له. يقول عبد الرحمن، إنّه تلقى أكثر من مرة، على غرار بقية السكان، تنبيهاً بوجوب مغادرة المسكن المهدد بالانهيار. لكن أغلب السكان غير قادرين على دفع إيجار بيوت أخرى، ولا سيما أنّهم يدفعون إيجاراً شهرياً لا يتجاوز العشرين دولاراً شهرياً منذ سنوات. 

المكان الذي يعيش فيه عبد الرحمن وغيره من السكان، يسمّى "الوكالة" في تونس وجمعها "وكائل". هي موجودة في العديد من المحافظات ولاسيّما المدن الكبيرة أو القديمة. تتكون الوكالة من غرف منفردة، مشيّدة في مبنى من طابقين. يتقاسم فيه السكان بيوت الراحة والمطابخ الصغيرة. وقد شيّدت تلك المباني منذ الاستقلال لاستقبال الوافدين إلى المدن من المناطق الداخلية، والباحثين عن مأوى يعيشون فيه. ولا سيما أنّ بيوت الإيجار، في تلك الفترة، لم تكن متوفرة بالعدد الكافي لإيواء الوافدين من الأرياف والقرى والباحثين عن عمل.

أغلب تلك الوكائل مهددة بالانهيار اليوم، نظراً لقدمها ولعدم ترميمها على مدى سنوات. ورغم التنبيهات التي ترسلها البلديات لسكان تلك المساكن، إلا أنّ قاطنيها يرفضون المغادرة بسبب عدم القدرة على إيجاد مساكن بديلة بإيجار قليل. أثاث تلك البيوت قديم قدم جدرانها. أبوابها متصدعة، وتكاد تغيب عنها النوافذ. تقطنها عائلات لا تتجاوز الأربعة أفراد غالباً، يتقاسمون فيها غرفة صغيرة فقط. ومع حلول فصل الشتاء، تزداد معاناتهم أكثر. بعضهم، ترك تلك المساكن خوفاً على حياته، فيما لا يزال البعض الآخر يعيش فيها، إذ لا بديل آخر له.

بيئة
التحديثات الحية

قدّم أغلب أصحاب المحال التجارية أو المساكن المجاورة شكاوى إلى البلديات، مخافة انهيار تلك المباني القديمة على المارة. مع ذلك، تجد السلطات صعوبة في تطبيق أمر الإخلاء الإجباري، لعلمها بعدم قدرة هؤلاء على توفير مساكن أخرى. كما تعلم أيضاً، أغلب الجهات المعنية، أنّ سكان تلك الوكائل يضطرون أحياناً للرحيل بمفردهم، بعد التأكد من خطورة أسقف تلك المباني على حياتهم أو تداعي أجزاء كبيرة من جدرانها. 

المشكلة نفسها يواجهها مئات السكان القاطنين في "مباني الأجانب". فبعد الاستقلال، ترك العديد من الفرنسيين والإيطاليين مساكن عدّة باتت اليوم تمثل أزمة في عدّة مدن. وذلك، لغياب قانون ينظم عملية التدخل في حلّ الإشكاليات التي تتعلّق بها. يشغل العديد من التونسيين تلك العقارات التي باتت تتصرف في بعضها شركات في تونس. يتم تأجيرها بمبالغ زهيدة مقارنة بأسعار الإيجار الأخرى، ويتم ترميمها وإصلاح جدرانها وأسقفها المتصدّعة سنوياً. فيما يشغل بعض المواطنين مباني أخرى للأجانب من دون وجه حق أو سند قانوني ويقطنون فيها من دون دفع أي إيجار. وقد استحوذواعليها منذ أكثر من ثلاثين سنة. ويتوارث أبناؤهم العيش فيها على مرّ السنوات من دون دفع أي مبلغ. فلا جهة تجبرهم على ذلك، ولا مالك لها ليتصرّف فيها. 

بيوت تونس الفقيرة (العربي الجديد)

يقول محمد عبد الكريم لـ "العربي الجديد": "أعيش في أحد المباني القديمة في باب الخضراء، بالعاصمة. ولدت في مبنى الأجانب الذي بات مهجوراً منذ الاستقلال. وبقيت أعيش فيه حتى بعد وفاة والدي". يضيف: "على الرّغم من أنّ المبنى قديم ومتصدع جداً، ومهدّد بالانهيار، إلا أنّه لا يمكنني تركه والعيش في مسكن للإيجار. أسعار البيوت ارتفعت بشكلٍ كبير خلال السنوات الأخيرة. وأنا عامل يومي أتقاضى 100 دولار تقريباً في الشهر". 

الجدير ذكره، أنّه في أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2017 أسفر انهيار مبنى قديم، في محافظة سوسة، عن وفاة 6 أشخاص من بينهم 3 أطفال. وقد حذرت الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الشاغلين لأملاك الأجانب، من تكرار حوادث انهيار المساكن القديمة ولاسيما التي لا تزال ملكاً لأجانب ويقطنها مئات التونسيين. يشير رئيس الجمعية، ماجد بوستة، بحديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "مئات المباني تواجه خطر الانهيار في أي لحظة. وبالأخص، تلك التي لم يتم ترميمها منذ سنوات، ويقطنها مئات التونسيين. هم مهددون اليوم بالطرد والتشرد، في حين أنّ أغلبهم من محدودي الدخل". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

يضيف بوستة: "أكثر من 3 آلاف مبنى مهدّد بالانهيار في العاصمة، وبنزرت، وسوسة، وجندوبة، وسليانة، وبعض المدن التي لا يزال يوجد فيها بعض الأبنية القديمة". ويلفت إلى أنّ "الجمعية سعت إلى تأميم كلّ العقارات التي هي ملك لأجانب بمختلف جنسياتهم، والمكتسبة قبل سنة 1956من دون اتفاقية مسبقة. وقد راسلت الجمعية وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، حتى يصبح من حق الدولة التصرف فيها أو ترميمها، لحفظ حق الناس في العيش فيها. ولا سيما أنّ وفاة المالكين الأصليين لتلك العقارات صعّب أمر تسوية وضعية أملاك الأجانب". 

وقدّرت وزارة التجهيز تكلفة صيانة أملاك الأجانب في كامل البلاد، ولا سيما المهدد منها بالسقوط، بنحو 28 مليون دولار. ومع صعوبة تنفيذ الأمر، بقي المئات من التونسيين يعيشون في تلك المساكن تحت تهديد الإخلاء بالقوة العامة، خصوصاً من المنازل التي توشك على الانهيار في أي وقت. 

المساهمون