نبّهت حادثة انهيار مبنى قديم مؤلّف من أربعة طوابق في منطقة جبل اللويبدة، وهي من أقدم أحياء العاصمة الأردنية عمّان، والتي تسببت في سقوط عشرة قتلى، إلى المخاطر المتزايدة الناتجة عن عدم صيانة المباني القديمة المعرضة للانهيار، بالإضافة إلى تجاهل الأساليب والمتطلبات الهندسية اللازمة في أعمال البناء.
وكان مدير الدفاع المدني العميد حاتم جابر قد أعلن مساء أول من أمس أن "عمليات البحث والإنقاذ التي شارك فيها أكثر من 350 عنصراً من الدفاع المدني والبحث والإنقاذ ستستمر دون توقف إلى حين إخراج جميع المحاصرين الذين سنبقى نعتبرهم أحياء"، رافضاً إعطاء رقم محدد لعدد المحاصرين تحت الأنقاض. وأشار إلى أن "المبنى خطر وغير مستقر ونحن نتعامل بحذر وبطء في عمليات البحث. لم نتمكن من جلب آلياتنا الثقيلة للمبنى".
يشار إلى أن المدعي العام في عمان أوقف ثلاثة أشخاص على ذمة القضية، وهم ابن مالك المبنى والمشرف عليه، ومتعهد الصيانة، وفني الصيانة بعدما أسند إليهم "جرائم التسبب بالوفاة والإيذاء".
وتعد منطقة جبل اللويبدة حيث يقع المبنى من أجمل وأقدم وأعرق مناطق عمان ويعود بناؤها لبداية القرن العشرين ويقيم فيها الكثير من الأجانب وتضم مقر المركز الثقافي الفرنسي. وشهدت البلاد انهيارات مماثلة لأسباب مختلفة، منها وجود خلل في البناء (كميات الحديد والإسمنت المستخدمة، المادة الخرسانية، وغير ذلك)، والبناء العشوائي وغياب الصيانة وغيرها. ومن حوادث الانهيارات التي يذكرها المواطنون، انهيار عمارة قيد الإنشاء في بيادر وادي السير، وعمارتين سكنيتين بمحيط عمارة الجوفة، وعمارة من 3 طوابق في منطقة الغويرية بمحافظة الزرقاء.
ولأنه يتوجب على الحكومة حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم من خلال توفير مساكن آمنة، طالبت نقابة المهندسين الأردنيين العام الماضي كلاً من وزارة الإدارة المحلية وأمانة عمان الكبرى بإجراء مسح للمباني القديمة وتحديد تلك التي تحتاج إلى ترميم أو صيانة، من دون أن تتلقى ردًا على طلبها بحسب نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي.
وتشير دائرة الإحصاءات العامة إلى أن 23 في المائة من المباني والمنشآت في الأردن تجاوز عمرها الـ 40 عاماً، واصفة إياها بالثروة العقارية التي تحتاج إلى صيانة دورية. تضيف أن أبنية كثيرة شيّدت قبل أكثر من 50 عاماً في كل من مناطق عمّان الشرقية في جبل القلعة وجبل التاج واللويبدة وسط البلد أو جبل عمان.
الانفجار السكاني
ويقول نائب نقيب المهندسين فوزي مسعد لـ "العربي الجديد" إن معظم المباني، وتحديداً في العاصمة، قديمة ويعود بناؤها إلى فترة الانفجار السكاني في المدن الأردنية خلال القرن الماضي، وقد شيدت من دون اتباع الأصول الهندسية الصحيحة. يضيف: "يجب الاستجابة للطلب الذي تقدمت به نقابة المهندسين منذ حوالي عامين بشأن التعاون مع أمانة عمّان الكبرى والجهات المعنية للكشف على المباني القديمة ودراسة أوضاعها واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان السلامة العامة وحماية المواطنين".
ويوضح مسعد أن بعض المباني القديمة في عمّان والمدن الأخرى تشهد حوادث انهيار من حين لآخر بسبب إجراء أعمال صيانة فيها، وبعضها لقيام أشخاص بحفريات داخلها بحثاً عن دفائن قديمة كالذهب والآثار. ويؤكد على "ضرورة الالتزام بالمعايير والشروط اللازمة في أعمال البناء والتوقف عن البناء العشوائي الذي لا يستند إلى أسس هندسية ويتم بطريقة غير علمية، بالإضافة إلى إلزامية إجراء فحوصات للتربة والمواقع المقترحة للبناء لتفادي كوارث مستقبلاً".
أمانة عمّان بريئة
من جهته، يؤكد الناطق الإعلامي باسم أمانة عمّان الكبرى ناصر الرحامنة في حديث لـ "العربي الجديد"، أن أمانة عمان تتولى المهام الموكلة إليها بحرفية، وهي بيت خبرة هندسية لخدمة المواطنين، موضحاً أن التعامل مع المباني التراثية والقديمة محكوم بقانون حماية التراث العمراني والحضري الصادر في عام 2005، وقد رصدت المباني التراثية وصنفت. وتحدث عن دراسة طلبات تطوير المباني التراثية المقدمة من المواطنين للتعديل أو الإضافة أو الصيانة، على أن تكون صادرة عن مكتب هندسي معتمد.
ويشير إلى أن دور الأمانة تنظيمي وليس فنياً لناحية إصدار التراخيص الإنشائية للأبنية بناء على مخططات صادرة عن مكتب هندسي ومصادق عليها من قبل نقابة المهندسين. وتصدر الأمانة أذونات الأشغال للأبنية بعد الانتهاء من إنشائها بشكل مطابق لمخططات الترخيص. ويقول إن الأمانة "لا تتحمل مسؤولية انهيار مبنى اللويبدة"، مشيراً إلى أنها "تنتظر التقارير النهائية للدفاع المدني واللجان الفنية والبحث الجنائي لمعرفة أسباب سقوط عمارة اللويبدة واتخاذ الإجراءات اللازمة".
ويقول إن "لجنة السلامة العامة كشفت منذ بداية العام الجاري عن 295 مبنى، جزء منها مرتبط بشكاوى المواطنين وآخر مرتبط بتقارير المراقبين". ويرى أن الأمانة أخلت منذ بداية العام جزئياً أو كلياً 13 مبنى، واستملكت العديد من المواقع التي تشكل خطراً على السلامة العامة، مثل سفح الجوفة وحي أبو مرهف في صويلح، وحي خالد بن الوليد في الجوفة والتي تعد منطقة انهيارات.
ويطالب المواطنين، في حال وجود صيانة أو تعديل على بناء أو عقار، بإبلاغ الأمانة أو الحاكم الإداري فوراً، لافتاً إلى أن جميع وسائل الاتصال مع أمانة عمان مفتوحة وعلى مدار 24 ساعة. ويشير إلى وجود رخص وملفات متكاملة لكل مباني العاصمة، تتضمن سنة الإنشاء والمعلومات الأخرى المتعلقة بها، باستثناء البناء العشوائي الذي يخضع للرقابة.
إنشاء صندوق مالي
بدوره، يقول رئيس جمعية أصدقاء اللويبدة سهيل بقاعين لـ "العربي الجديد": "خلال السنوات العشر الماضية، أصبح هناك هجوم كبير على اللويبدة وقد تغير النسيج العمراني للمنطقة، وارتفع بدل إيجار البيوت بشكل كبير". ويشير إلى أن البعض عمد إلى صيانة البيوت لرفع بدلات إيجارها أو العمل على الاستثمار فيها من خلال بيعها أو هدمها وبناء أخرى مكانها".
ويلفت إلى وجود الكثير من الأبنية القديمة والمتهالكة والآيلة للسقوط في اللويبدة، قائلاً في الوقت نفسه إن البناء العشوائي لا يمثل وجه المنطقة. ويشدد على أهمية التركيز على ما تبقى من إرث معماري في المنطقة وإصلاحه وتأهيله. يضيف: "في المنطقة عمارات قيد الإنشاء، ويسعى بعض الذين يملكون بيوتاً قديمة إلى هدمها لبيع الأراضي بعدما ارتفعت أسعارها".
ويرى أن انهيار العمارة وغيرها من الحوادث المماثلة يرعبان الأهالي، داعياً إلى إنقاذ البيوت القديمة والمتهالكة ليس في اللويبدة فقط، بل في مختلف محافظات المملكة.
من جانبه، يطالب رئيس مجلس هيئة المكاتب الهندسية في نقابة المهندسين الأردنيين عبدالله غوشة، خلال حديثه لـ "العربي الجدبد"، بتخصيص صندوق دعم مالي بميزانية محددة للدراسات وإجراء التقييمات اللازمة للمباني القديمة، والمساعدة في أعمال الصيانة في حال عدم قدرة السكان على ذلك. يضيف أن "الأسباب المادية تعد المحرك لمثل هذه المآسي أحياناً، وهي التي تحول دون إجراء عمليات الإنشاء والصيانة بالشكل المثالي، مشدداً على أهمية متابعة عمليات صيانة المباني لحمايتها من الانهيار".
ويطالب غوشة "بتشكيل هيئة متخصصة لإدارة مخاطر الكوارث التي تهدد المباني، على أن تتولى التنسيق الفعال والمتابعة للمباني بالتعاون مع الجهات والأطراف الرسمية وغير الرسمية المعنية بإدارة الكوارث، بالإضافة إلى تشكيل فرق متخصصة ومدربة تكون مستعدة للتدخل الفوري والسريع خلال مرحلة الطوارئ، وتدعيمها بكافة الإمكانيات والمعدات اللازمة لأداء مهمتها على أكمل وجه، ووضع منهجية للتبليغ والتنبيه بأية أخطار وشيكة الحدوث، بهدف تخفيف أو منع حدوث المزيد من هذه الكوارث". يضيف أن "التشريعات والصلاحيات والمسؤوليات المتعلقة بهذه الأبنية متضاربة ومتشابكة بين الأمانة ووزارة الأشغال ومجلس البناء الوطني والحكام الإداريين". ويربط "تزايد حوادث انهيار العقارات الناتجة عن إهمال الصيانة بإغفال أهمية وجود مهندس الصيانة"، مشيراً إلى تجاهل أو إغفال أو تأجيل أعمال الصيانة بدافع تقليص المصاريف.
مواد أساس قديمة
إلى ذلك، يقول نقيب الجيولوجيين خالد الشوابكة إن المشاهدات الأولية للموقع أظهرت أن البناء قديم ومتهالك ومواد الأساس قديمة، وربما تأثرت بعمليات البناء المجاورة في المنطقة، بالإضافة إلى أعمال الصيانة التي قام بها صاحب المبنى من دون إشراف هندسي ما أدى إلى حدوث تشققات. ويشير إلى أسباب أخرى منها تشييده من دون إجراء دراسات هندسية وتقنية لتحديد صلاحية البناء والأرض وإمكانية حدوث انزلاقات وانهيارات، أو تسرب المياه نظراً لقابلية بعض الطبقات للانزلاق في حال تسرب المياه.
يضيف أن عمليات الحفر تسبب اهتزازات تؤثر بشكل كبير على المباني الأخرى مما يتطلب وجوب الإشراف عليها هندسياً بسبب وجود مبان قديمة ومبنية من دون دراسات، ووجود أراض بصخور مختلفة قد تتأثر بالمياه وتُعرِّض مباني للانهيار، مؤكداً على دور النقابة المهم وجهوزيتها لدراسة أي موقع في عمان.