مبادرة محلية لتشجيع الراغبين بالزواج في السويداء

31 مايو 2023
تكاليف الزواج سبب في عزوف السوريين عنه (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد دار طائفة "الموحدين الدروز" في السويداء جنوبي سورية إقبالاً متزايداً خلال العام الحالي، من شبان راغبين في عقد قرانهم، وذلك لما تقدّمه الدار من تسهيلات تخفف من الأعباء والتكاليف التي أصبحت أحد عوامل عزوف الشباب عن الزواج
بدأت هذه المبادرة قبل سبع سنوات، لكنها لم تلق إقبالاً إلا بعد تدنّي الواقع المعيشي الذي أدى إلى تراجع قدرة غالبية الشباب على تحمل التكاليف الباهظة للزواج.

يقول المشرف على عقد القران في دار الطائفة الشيخ أبو أدهم حسن صعب، لـ"العربي الجديد"، إن "الدار سعت لتخفيف الانعكاسات السلبية التي خلّفتها الحرب على المواطنين، وخاصة في الجانب الاجتماعي، مع الحفاظ ما أمكن على العادات والتقاليد. بدأنا قبل سنوات استقبال الراغبين بعقد قرانهم، وخصّصنا مقراً لهذا الغرض، وجدول مواعيد، وبهذا نساهم في توفير مبلغ يتجاوز المليون ليرة سورية كانت تُصرف على الدعوة والضيافة وأجور النقل، ولقي هذا استحساناً من عامة الناس، فبدأ الإقبال يتزايد حتى وصل العدد إلى أكثر من مئتي عقد زواج خلال الأشهر الثلاثة الماضية".

يضيف الشيخ صعب: "يواجه السوريون ظروفاً معيشية قاهرة، ما أثر على السلوك العام للجماعات والأفراد، وفكك إلى حد كبير الروابط الاجتماعية، ويؤثر على الأعراف والتقاليد، إذ أصبح الفقر يتحكم بمصير كثير من الأسر، ووفقاً لذلك زادت حالات الطلاق، وقلّت حالات الزواج، وكان لا بد من التنبه قبل أن ينهار النسيج الاجتماعي. الزواج حالة استثنائية في حياة الشباب، وعادة ما يقف الوضع الاقتصادي عائقاً في وجه التفكير فيه".
وحول تكاليف الزواج في السويداء، يقول السوري منذر رافع (26 سنة) العائد من إحدى دول الخليج العربي للزواج، لـ"العربي الجديد": "الزواج أصبح ورطة مادية تترك أثراً لسنوات، وقد تصبح سبباً للطلاق. إذا استمر هذا الحال فلن يتزوج إلا أصحاب الدخول المرتفعة، وهؤلاء هم أفراد العصابات وتجار المحروقات والممنوعات والفاسدون في دوائر الحكومة، وبنسبة أقل المغتربين. كيف يتزوج الشاب العادي إذا كان أجر صالة الأفراح لا يقل عن 5 ملايين ليرة؟ وكلفة الضيافة البسيطة رقم مماثل. جلسات التصوير باتت تكلف 3 ملايين ليرة، ومليون ليرة إيجار فستان العروس، ونصف مليون لمزين الشعر، ومثلها لبطاقات الدعوة، ونحو مليون ونصف المليون ليرة لعقد المشايخ. قبل هذا كله هناك التجهيزات الخاصة بالعروسين مثل المنزل وتجهيزه وغيرها من المصاريف".

الزواج قرار صعب على السوريين (دليل سليمان/فرانس برس)
الزواج قرار صعب على السوريين (دليل سليمان/ فرانس برس)

ويحكي محمود صادق (35 سنة) لـ"العربي الجديد": "تأخرت في الزواج للبحث عن زوجة مناسبة تقدّر وضعي المعيشي الصعب، وبعد أن استأجرت منزلاً صغيراً وقمت بتجهيزه خلال الأشهر الماضية، حددنا يوم الزواج، وتوجهنا برفقة الأهل إلى دار الطائفة لعقد القران وفق الشريعة والعادات، وفي نفس اليوم أقمنا حفلاً في مطعم صغير برفقة عائلتينا وعدد من الأصدقاء، وبهذا اختصرنا أكثر من نصف التكاليف، وخففنا عبئاً كبيراً عن الناس الذين غالباً ما يأتون إلى حفلات الأعراس مُلزمين بسبب القرابة أو الواجب". 
وشهدت محافظة السويداء في عام 2015 هجرة جماعية نحو خارج البلاد، وكان غالبية المهاجرين من الشباب، وأطلق عليه الأهالي "عام الهجرة"، وشهد عام 2018 هجرة جماعية جديدة، وفق إحصاءات صادرة عن المرصد الحضري التابع للمحافظة، وسجلت مدينة صلخد جنوبي السويداء نسب طلاق أعلى من نسب الزواج، وهي كارثة انعكست على النمو السكاني الذي وصل إلى 0.012 في المائة، ما يجعله الأدنى في سورية. 
وتوضح المرشدة الاجتماعية رند الحضوة، لـ"العربي الجديد"، أن "سنوات الحرب غيّرت الطموحات والأحلام لدى معظم الشابات المقبلات على الزواج، فأصبح الحلم هو العثور على عريس مُغترب بغض النظر عن مؤهلاته العلمية أو الثقافية أو مواصفاته الشخصية، أو عريس تاجر مازوت أو بنزين. أما الحب فيتفوّق عليه الأمان المادي الذي يحققه العريس، وضمن هذا الطموح الصعب تعيش الشابات في دوامة من اليأس والضياع بين الحلم والواقع، ولهذا نتائج وخيمة ثقافياً وأخلاقياً وأسرياً".

تضيف الحضوة: "لا تسهيلات حقيقية للشباب الراغبين في الزواج، فإذا تخطّينا عقبات هجرة الذكور، وأزمات الخدمة العسكرية، والعمل والتعليم، والسكن، وكل منها كارثة بحد ذاتها، تبقى أمامنا عقبات التقاليد والطقوس المُنهكة مادياً". 
ويثني الناشط سمير الحسن على محاولات رجال الدين ودار طائفة "الموحدين الدروز" للتخفيف من تكاليف الزواج، ويحمّل النظام السوري مسؤولية العزوف عنه وزيادة حالات الطلاق، إذ ساهم في زيادة هجرة الذكور، كما يلاحق العالقين منهم على أرض الوطن، فضلاً عن قهرهم وإفقارهم. ويضيف لـ"العربي الجديد": "لم يُثمر هذا الوضع المأساوي لجيل الشباب عن مبادرة توحي بأي أمل. هذا الجيل تعرض للحرب والقهر والفقر، وسيشكل خطراً على مستقبل البلد إذا استمر هذا الضياع. أحد أهداف النظام هو تغيير البنية العددية لفئات المجتمع بما يلائم التغيّر الديمغرافي القسري الذي تشهده العديد من المناطق السورية، ولهذا يعمل على إفقار المواطنين وتهجيرهم وتفكيك الأسر، فضلاً عن تعقيد فرص الزواج والإنجاب، إلى جانب رفض عودة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم".

المساهمون