يزيد تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في لبنان من نسبة العائلات الفقيرة. ويعدّ اللاجئون الفلسطينيون من أكثر الفئات تأثراً. وفي محاولة لمساعدة هؤلاء، تكثر المبادرات الإنسانية والاجتماعية في مختلف المخيمات الفلسطينية. إحدى هذه المبادرات شهدها مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت، تحت عنوان "بعدها الدنيا بخير". وتسعى المبادرة إلى تأمين وجبات الطعام لكبار السن يومياً. قبل تفشي فيروس كورونا، كانت هذه الوجبات تقدّم في مركز الجمعية. أما اليوم، وفي ظل إجراءات الوقاية، تُرسل هذه الوجبات إلى بيوت كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، والعائلات الفقيرة، بالإضافة إلى توزيع مواد غذائية أخرى على المحتاجين، استناداً إلى استمارات كانت قد أعدت قبل فترة لمعرفة احتياجات الناس. كذلك، تقيم المبادرة سوقاً للخضار والفاكهة مرة واحدة شهرياً. وعادة ما تأخذ النساء في هذا اليوم ما تحتاجه على مدى أسبوع على الأقل.
في هذا السياق، يقول مدير المبادرة أحمد حسين يوسف، المتحدّر من قضاء صفد في فلسطين، والمقيم حالياً في منطقة وادي الزينة في قضاء الشوف ضمن محافظة جبل لبنان: "سابقاً، كنت موظفاً في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ثم عملت في مجال المقاولات. وفي عام 2000، أسست جمعية البراعم، التي ما زالت مستمرة حتى اليوم. كنا وما زلنا نعمل على الاهتمام بالأيتام".
يتحدث يوسف عن مشاريع موسمية عديدة نفذتها الجمعية. "عملنا في مشاريع موسمية، ككسوة العيد للأيتام، والأضاحي، وتقديم المساعدات العينية كالقرطاسية، وحقيبة المدرسة، وشاركنا في أنشطة مدرسية". يتابع: "يأتي التمويل من خلال أشخاص يرغبون في التبرع لأهالي المخيم. كما استطعنا الحصول على تمويل لإنشاء مطبخ من الجامعة الأميركية في بيروت، من خلال مبادرات طلابية. كنا نقدم من خلال المطبخ وجبات صحية للمدارس، ولم يكن سعر الوجبة الواحدة يتجاوز الألف ليرة لبنانية (أقل من دولار بحسب سعر الصرف الرسمي)، في الوقت الذي كانت فيه كلفة الوجبة دولاراً أو دولارين. لكنّنا توقفنا عن ذلك بسبب عدم وجود ممول وعدم قدرتنا على الاستمرار"، لافتاً إلى استمرار الجمعية في الطهي للمسنين.
وعن مبادرة "بعدها الدنيا بخير"، يقول: "أطلقناها في مخيم شاتيلا، وتهدف إلى توزيع وجبات طعام على الأشخاص ذوي الإعاقة، وكبار السن، والعائلات المحتاجة. وفي اليوم الذي لا نطهو فيه، نوزع مواد غذائية عينية كالبيض والخبز أو البطاطس أو اللحوم. كذلك، نقيم سوقاً للخضار والفاكهة مرة واحدة شهرياً. وتستفيد من التقديمات نحو 300 عائلة، استناداً إلى استمارات ندرس فيها حالة كل عائلة، من خلال المتطوعين الذين يبلغ عددهم 12 متطوعاً ومتطوعة".
من جهتها، تقول المتطوعة المتخصّصة في التربية الحضانية دارين عبد الهادي، المقيمة في منطقة الناعمة (جبل لبنان)، والتي تتحدّر من قرية عمقا في قضاء عكا بفلسطين: "تطوعت في الجمعية منذ 14 عاماً، وأعمل مع المسنين والأشخاص ذوي الاعاقة، ونقدم لليتامى مبالغ مادية؛ وعددهم 253 يتيماً. كما نقدم المساعدات للمسنين، ومن بينهم 32 مسناً، ويستفيد من التقديمات نحو 600 شخص، فنحن نعمل في مخيمات عدة، من بينها مخيمات في بيروت وصور وصيدا والشمال". تضيف: "في شهر رمضان نقيم موائد الرحمن، ونقدم كسوة العيد للأطفال، ولا نميز بين لبناني وسوري وفلسطيني. لدينا 55 طفلاً يستفيدون مادياً بالإضافة إلى كل التقديمات التي تقدمها الجمعية".
أما المستفيدة من المبادرة أم محمد، فتقول: "من خلال المبادرة، نحصل على وجبات طعام ومواد غذائية أخرى. وأحياناً، نحصل على المال. أعيش مع ابني وهو عاطل عن العمل، ما يعني أنه ليس لدينا أي دخل". تضيف: "في الأيام التي لا تقدم لنا الجمعية وجبة طعام، نسلق البطاطس والبيض". تتابع أم محمد: "هناك العديد من العائلات المحتاجة، والتي لم تستطع شراء اللحوم منذ أكثر من ثلاثة أشهر وتحتاج إلى إلى دخل شهري. بسبب الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان، خسر معظم الناس أعمالهم وباتوا لا يستطيعون حتى شراء رغيف الخبز لأولادهم".
ويعتبر اللاجئون، ومن بينهم الفلسطينيون، الفئة الأكثر ضعفاً في المجتمع اللبناني، في ظل أزمته المالية والاقتصادية المستجدة. ويواجه أكثر من 61 ألف لاجئ منهم الفقر الشديد، بحسب دراسة للأونروا. وفي وقت سابق، حذر مدير شؤون "أونروا" في لبنان، كلاوديو كوردوني، من كارثة صحية وإغاثية وتربوية سيشهدها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في حال عدم توفر المزيد من التبرعات المالية.