ما بعد الفيضانات... ألمانيا تحصي الدمار الأكبر في التاريخ الحديث

23 يوليو 2021
بعضٌ من آثار الدمار الناتجة عن الفيضانات (كريستوف ستاش/ فرانس برس)
+ الخط -

مع انحسار الفيضانات التي طاولت غرب ألمانيا الأسبوع الماضي، بدأت تظهر آثار الكارثة والأضرار الجسيمة التي طاولت البلدات والمدن في ولايات شمال الراين فستفاليا وراينلاند بالاتينات وجزء من ولاية بافاريا. وأعلنت نائبة رئيس منظمة الإغاثة الفنية (THW) سابين لاكنر، في حديث لشبكة التحرير الألمانية (تضم عدداً من الصحف ووسائل الإعلام الألمانية)، أن الأمل بالعثور على ناجين من بين المفقودين ضئيل، وذلك بعد قرابة أسبوع من انحسار الفيضانات، ويتجاوز عددهم 1300 شخص بحسب التقديرات. وتشير إلى أن البحث عنهم جارٍ عند التقاطعات والممرات المائية خلال عمليات التنظيف، أو في الطوابق السفلية. وتستخدم الشرطة المروحيات في عمليات البحث الجارية، في وقت ارتفعت أعداد الضحايا إلى أكثر من 170 شخصاً، بينهم 122 في ولاية شمال الراين فستفاليا. 
في هذا السياق، أفادت وسائل إعلامية بأن رجال خدمات الطوارئ والإنقاذ يعمدون إلى تمشيط ضفاف الأنهار في المنطقة، بعدما حملت الفيضانات البشر والحجر بعيداً. وفي ما يتعلّق برفع الأنقاض، يعمل هؤلاء على إزالة السيارات والركام والأشجار من الطرقات، لإفساح المجال أمام دخول الآليات المخصصة لنقل النفايات وتنظيف الشوارع من الوحول بهدف تسهيل حركة الدخول والخروج وتسريع الدعم والإغاثة، ونصب الخيام لمساندة الأهالي، وتقديم وجبات الطعام، والإسعافات لتضميد الجروح، وتهدئة روع أولئك الذين يعانون من الصدمات. 
بالإضافة إلى ما سبق، تعمل السلطات الرسمية مع الجيش الألماني ومنظمات الإغاثة والمتطوعين من القطاع الخاص على الإسراع في عمليات الإنقاذ وتقديم الدعم لتأمين الحاجات اليومية والمأوى، عدا عن رسم الخطط لتقييم الأضرار وتقديم الدعم المادي الفوري. في ولاية راينلاند بالاتينات، تم تقديم مساعدة فورية تصل إلى 3500 يورو (نحو 4124 دولاراً) لكل أسرة متضررة، وتجاوز حجم التبرعات التي وصلت إلى الحكومة أكثر من 6,2 ملايين يورو، فضلاً عن الجهود المبذولة لتأمين الإعانات العينية. حتى أن وزارة الزراعة أطلقت برنامج مساعدات أولية للشركات الزراعية المتضررة من السيول. 

بعضٌ من آثار الدمار الناتجة عن الفيضانات (كريستوف ستاش/ فرانس برس)
(كريستوف ستاش/ فرانس برس)

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وخلال زيارتها بلدة باد مونسترايفيل العائدة للقرون الوسطى والتي لحقت بها أسوأ الأضرار، تعهدت أن تقدم برلين المساعدات في المدى القريب والبعيد. وقالت إن "الأضرار هائلة، إنما العزاء الوحيد هو تضامن الناس ومساعدة بعضهم البعض". وتابعت: "هذه فيضانات تفوق التصور عندما نرى آثارها على الأرض". وجاءت تصريحاتها بعد أن تفقدت ما وصفته صحيفة "بيلد" بأنه دمار "مروع" لحق بالبلدة البالغ عدد سكانها 17 ألف نسمة والواقعة في ولاية شمال الراين وستفاليا. وأكدت أن حكومتها ستبذل كل ما بوسعها "كي تصل الأموال إلى الناس بسرعة، آملة أن تكون مسألة أيام، ومشيرة إلى أنها التقت منكوبين "خسروا كل شيء ما عدا الملابس التي يرتدونها". 

وتوجد فرق فنية من مختلف القطاعات للكشف على المنازل وتمديدات المياه والكهرباء ومحطات تنظيم معالجة المياه بغية السعي لإعادة البعض إلى منازلهم. من جهة أخرى، تكفل الجيش بالكشف على الأماكن التي شهدت انهيارات في ظل الخوف من سقوط أنفاق قديمة بعدما غرق بعضها بالمياه. وظهرت فجوات في الأرض يصل قطرها إلى عشرة أمتار. وفي مناطق معينة، تم حظر الدخول ووضعت نقاط تفتيش ومراقبة.   

بعضٌ من آثار الدمار الناتجة عن الفيضانات (جون ثيس/ فرانس برس)
(جون سيس/ فرانس برس)

وفي ظلّ انهيار البنى التحتية نتيجة الفيضانات وتدمير المنازل، ينصبّ التركيز على تأمين الرعاية الصحية للمنكوبين في ظل الخوف من تفشي فيروس كورونا مجدداً من جراء الاكتظاظ. ويتولى الصليب الأحمر الألماني تطعيم الأهالي ضد كورونا استجابة لتحذيرات خبراء الصحة من تفشي الوباء وأمراض أخرى قد تنتشر في المنطقة المنكوبة، وخصوصاً أنها تفتقد المياه والمراحيض والكهرباء.
وفي ما يتعلق بقطاع النقل العام، أشارت شركة السكك الحديدية الفيدرالية الألمانية إلى أن كارثة الفيضانات ألحقت أضراراً جسيمة بخطوط سكك النقل، ودمرت سبعة طرقات إقليمية بالكامل، الأمر الذي يتطلّب إعادة بنائها على نطاق واسع، علماً أن عملية الإصلاح والترميم وإعادة البناء ممكنة، إلا أن الأمر يتطلّب أسابيع وأشهرا. وتشير إلى أن عدد المسارات التي تأثرت بفعل الكارثة يبلغ طولها نحو 600 كيلومتر. وذكرت "إن-تي في" الإخبارية أن الطرقات والجسور وشبكات الكهرباء تضررت بدرجة كبيرة، وقد يستغرق إعادة إعمارها سنوات.

وإلى القطاع الطبي والمستشفيات، أشار موقع "دير شبيغل" الألماني إلى أن عشرات المؤسسات والعيادات الطبية لم تعد قادرة على العمل بعدما غمرتها المياه. ويشعر المعنيون بالقلق من جرّاء صعوبة معاينة المرضى هناك، إذ طالب رئيس اتحاد أطباء ماربورغ هانز ألبرت غيليه، بإشاء مراكز طوارئ مؤقتة وصيدليات نقالة لتأمين الأدوية لمرضى الأمراض المزمنة وغيرهم من المقيمين. 

بعضٌ من آثار الدمار الناتجة عن الفيضانات (عبد الحميد حوسباس/ الأناصول)
(عبد الحميد حوسباس/ الأناصول)

وكانت ألمانيا قد أطلقت حزمة مساعدات طارئة قيمتها 400 مليون يورو (نحو 470 مليون دولار أميركي) لإصلاح وترميم الأضرار وتلبية الاحتياجات الطارئة التي حلت بالمناطق التي أصابتها الفيضانات، على أن تتحمل الحكومة الاتحادية 200 مليون يورو (نحو 235 مليون دولار أميركي) وحكومات الولايات الـ 16 نصف المبلغ المتبقي، بحسب وزير المال أولاف شولتز. وسيتم إنشاء صندوقين للإعمار والتعافي. ومن المقرّر تخصيص أموال إضافية من الاتحاد الأوروبي لمساندة المتضررين من كارثة الفيضانات. 
وتتوقع شركات التأمين الألمانية أن تكون قيمة أضرار الفيضانات بالمليارات. وبالتالي، المطلوب تأمين تعويضات لشركات التأمين على السيارات المحطمة والممتلكات المدمرة والمؤسسات والشركات. لكنّ هناك الكثير ممن أصابهم الضرر من جراء الكارثة، ليس لديهم تأمين ضد المخاطر الطبيعية، كالفيضانات والانهيارات والزلازل. 
من جهته، أعلن اتحاد صناعة التأمين الألماني أن الأضرار التي سببتها الفيضانات المدمرة قد تكلف شركات التأمين ما يصل إلى خمسة مليارات يورو. وقال رئيس الاتحاد يورغ أسموسن، في بيان: "نتوقع خسائر مؤمن عليها تتراوح قيمتها ما بين أربعة وخمسة مليارات يورو". ووصف الكارثة بأنها "واحدة من أكثر العواصف تدميراً في التاريخ الحديث".

المساهمون