تشتهر مدينة إدلب الواقعة في شمال سورية بزراعة الملوخية. ويبدأ موسم زراعتها في بداية شهر يونيو/ حزيران، فيما يبدأ القطاف في نهاية الشهر نفسه ويستمر حتى نهاية سبتمبر/ أيلول. وتقطف الأوراق كل 10 أيام.
والملوخية من النباتات الزهرية تضم من 40 إلى 100 صنف. ويتفاوت طول سيقانها وتزرع من أجل أوراقها التي تستخدم في إعداد طبق الملوخية، وهي من الأطباق التي يختص بها أكثر من بلد، من بينها مصر والسودان وبلاد الشام وتونس والجزائر والمغرب.
ويشكل موسم تموين الملوخية فرصة عمل لبعض النساء، اللواتي يعملن على قطافها بشكل جماعي في أجواء لا تخلو من المتعة والتسلية وتبادل الأحاديث. تقول فريدة العثمان (33 عاماً) إنها تعشق تناول الملوخية، كما أن أفراد عائلتها يفضلونها على الكثير من الأطعمة الأخرى. لذلك، تسعى للإكثار من تموينها، ولا يمكنها ذلك إلا بمساعدة أخريات. تضيف: "تموين الملوخية يحتاج إلى تعاون بين الجارات اللواتي يجتمعن لقطافها حتى لا يشعرن بالملل، ويتبادلن الأحاديث عن أمور خاصة وعامة".
وتتحدّث عن روح التعاون السائدة خلال موسم الملوخية، لافتة إلى أن الجارات يسعين إلى مساعدة بعضهن البعض بشكل مستمر إلى حين الانتهاء من تحضير مؤونة الملوخية كاملة. وتشكّل الملوخية مصدر دخل موسمي لعشرات النازحات اللواتي وجدن فيها فرصة عمل في ظل الفقر والنزوح.
وتقول النازحة المقيمة في مخيمات أطمة شمال إدلب مروى الخضر (29 عاماً)، لـ "العربي الجديد"، إنّها تعمل في قطف الملوخية وبيعها في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار. وتشير إلى أن "الملوخية لم تعد في متناول الجميع، بل باتت أكلة الميسورين بسبب ما تطلبه من مكونات، من بينها اللحم أو الدجاج. عائلات كثيرة لم تعد قادرة على تموينها وطبخها". في هذا الإطار، قررت العمل على قطفها وبيعها ليتسنى لها تموينها، الأمر الذي يساعدها على تأمين لقمة عيش كريمة لعائلتها بدلاً من انتظار الإغاثة والمساعدة من الآخرين.
وانعكس ارتفاع سعر الدولار الأميركي في مقابل الليرة التركية على زيادة أسعار كافة المواد الغذائية والخضار واللحوم. ووصل سعر الكيلوغرام من الملوخية اليابسة في إدلب إلى 100 ليرة تركية (الدولار يساوي 27 ليرة تركية)، بعدما كان يباغ العام الماضي بـ 40 ليرة تركية فقط.
من جهتها، تعمل سناء النخلة (33 عاماً) في قطف أوراق الملوخية وبيعها بحسب طلبات عائلات ميسورة الحال، لتكون مصدر رزق موسمي لها لإعالة أبنائها الأربعة، وخصوصاً بعد وفاة زوجها نتيجة إصابته بقصف سابق على مدينتهم سراقب قبل نزوحهم الأخير.
وعن خطوات العمل في قطاف الملوخية، تتحدث سناء عن قطفها وتجفيفها قبل بيعها. ويستغرق تجفيفها عبر فرشها في مكان مخصص داخل الخيمة بعيداً عن الأوساخ والغبار أياماً عدة. ولا يقتصر عمل سناء على قطاف الملوخية وحسب، إذ إنها تصنع أيضاً دبس البندورة والمربيات بأشكالها، والخضار المجففة، بالإضافة إلى المكدوس، بحسب الطلبات التي تردها.
وتحصل سناء على مبلغ 100 ليرة تركية في مقابل الكيلوغرام المقطوف والمجفف من الملوخية، وهو ما يتطلب يوم عمل كامل. وتلفت إلى أن زبائنها هم الجيران وسكان المدن والموظفات اللواتي ليس لديهن الوقت الكافي لإعداد المؤونة لأسرهن.
وتقول سناء: "فجأة، وجدت نفسي أمام أعباء دفعتني للبحث عن عمل. فبدأت إعداد المؤونة التي تحولت إلى مصدر دخل بالنسبة إلي".
وتحاول سناء استغلال موسم إعداد المؤن قدر المستطاع، لجني مبالغ تمكنها من سد احتياجات أبنائها، وخصوصاً أن الموسم لا يستمر سوى أشهر. وتأمل مساعدة أبنائها لتحقيق أحلامهم الدراسية ليجدوا فرص عمل أفضل مستقبلاً والتخلّص من حياة المخيمات والفقر المحيط بها.
إلى ذلك، تقول المرشدة النفسية والاجتماعية لينا الجواد، في حديثها لـ "العربي الجديد"، إن "الكثير من النساء وجدن أنفسهن من دون معيل أو شهادات جامعية، علماً أنهن في أمس الحاجة للعمل بعدما جعلتهن الحرب يختبرن الفقر والنزوح. وهكذا، عملن في مهن بسيطة تدر عليهن دخلاً مقبولاً، وتمنحهن بعض التسلية". وتشير إلى صمود هؤلاء النساء على الرغم من صعوبات التسويق وتأمين الدعاية اللازمة للبيع والمواد الأولية والاستمرار في العمل. وبعيداً عن الكسب المادي الضئيل الذي لا يتناسب مع الجهد وساعات العمل، يشعرهن العمل بالقيمة ويعطيهن الأمل لتأمين ولو كان شيئا بسيطا لعائلاتهن ويزيد من ثقتهن بأنفسهن وخبراتهن ومهاراتهن العملية".
وتطالب بدعم مثل تلك المشاريع والأعمال التي من شأنها تأمين فرص عمل بسيطة وسهلة لمئات النساء المعيلات، بهدف تغطية احتياجاتهن الاقتصادية أو المعيشية، ما يحسّن دخل العائلة ويرفد السوق بمنتجات محلية وأسعار مناسبة.