- تمت مناقشة الزيادة السكانية، ارتفاع البطالة، والتأثيرات السلبية للقيادة السياسية على الأمن المائي، بالإضافة إلى الأثر المدمر للحرب على الأسرة السورية والاقتصاد المنزلي.
- أكدت البحوث على أهمية الحوكمة الفعالة والإدارة المستقلة للموارد لتحقيق التنمية المستدامة والتغلب على التحديات، مشيرة إلى الحاجة للوعي المجتمعي والتغيير السياسي لحماية الحقوق وتحقيق العدالة.
في إطار مؤتمر "المؤسسات والتنمية في الدول العربية: التحديات والفرص"، المنعقد في الدوحة، من تنظيم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات والمعهد العربي للتخطيط في الكويت، شخّص ثلاثة باحثين سوريين أوضاع التنمية في بلادهم، من ضمن مجالات المجتمع والحوكمة والأمن المائي.
وقد قُدّم بحثان في الجلسة الرابعة التي أتت تحت عنوان "حوكمة المؤسسات في سياق الصراعات"، فيما قُدّم الثالث في الجلسة السادسة التي تمحورت حول "دور المؤسسات في استدامة الموارد وحوكمتها". وأفادت آراء الجرماني بأنّ تغيّرات عميقة حدثت في السلوك المرتبط بالأسرة في سورية على مدى 13 عاماً، لافتة إلى أنّ المرأة صارت مسؤولة عن رعاية نحو ثلث الأسر في البلاد. من جهته، بيّن محمد مصطفى العبد الله أنّ مناطق شمال غربي سورية، الواقعة تحت سيطرة المعارضة، تشهد كثافة سكانية تصل إلى 600 في المائة مع نحو خمسة ملايين نسمة، فيما يرتفع معدّل البطالة فيها بنسبة 85 في المائة. أمّا أحمد حج أسعد، فرأى أنّ تجاوزات القيادة السياسية تسبّبت في تهديد الأمن المائي، من جرّاء تخفيض كفاءة استخدام الموارد المائية واستنزافها وتلوّثها.
وبعنوان "نقد مؤسسات ومنظمات الإعمار المجتمعي: العواقب غير المرئية للحرب، الأسرة السورية نموذجاً"، قدمت الباحثة في المعهد الهولندي المتعدد التخصصات لدراسات الديموغرافيا آراء الجرماني ورقتها، معتبرة أن الحرب الدائرة في سورية تحمل آثاراً مدمرة تمتد إلى ما هو أبعد من التدمير المرئي للمباني والبنية التحتية.
وكشفت الباحثة أن المرأة أصبحت مسؤولة عن رعاية نحو ثلث الأسر في سورية، جراء سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف الرجال خلال الحرب، أو هجرتهم هروباً من الالتحاق بالخدمة العسكرية في جيش النظام، وعزت ظاهرة انخراط النساء في مهمة كسب لقمة العيش إلى ثلاثة عوامل، هجرة الرجال أو التحاقهم بجبهات القتال أو وفاتهم أو اعتقالهم، والوضع الاقتصادي المتدهور والذي يفصل فيه تقرير البنك الدولي، إذ وصلت الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، وباتت سورية من الدول الأكثر فقراً في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أما العامل الثالث فمحوره النزوح واضطرار المرأة أن تكون المعيل الوحيد للأسرة.
ونشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" تقريراً من دمشق عام 2019 عن تناقص عدد الرجال في سورية بسبب الحرب، مشيرة إلى تقرير لمنظمة الأمم المتحدة يفيد بأن النساء في سورية أصبحن مصدر الرزق الأساسي للعائلات بصورة لم يألفها المجتمع السوري التقليدي في تغير الأدوار الجندرية.
ورأت الجرماني أن كلّاً من الفقر وفقد الذكور في المجتمع السوري سواء أثناء القصف أم الاعتقال أم الهجرة إلى خارج البلاد، كانت سبباً في تغير أدوار الأفراد التقليدية في الأسرة السورية وانخراط المرأة في العمل.
الجرماني: لاتوجد قاعدة قانونية تحمي المواطنين، رجالاً ونساء وأطفالاً في الحكومات غير الديمقراطية
واستشهدت بما أخبرتها، خلال إعدادها للبحث، خبيرة أكاديمية، بأنه قبل الحرب لم تكن لترى فتاة واحدة تعمل نادلة في مطعم أو مقهى في سورية، إلا أن الأمر الآن بات مألوفاً جداً، بل ثمة فتيات ونساء يعملن في محطة محروقات، أو سائقات سيارات نقل، أي باتت المرأة السورية تعمل في مهن كانت حكراً على الذكور في مجتمعها.
وحول أبرز عوائق التنمية في سورية، تقول الباحثة الجرماني لـ"العربي الجديد"، إن للمجتمع العربي عموماً، سمة عامة وهي الحكومات غير الديمقراطية، ومن ثم لاتوجد قاعدة قانونية تحمي المواطنين، رجالاً ونساء وأطفالاً، لافتة إلى أن المشكلة تبدأ من قانون الأحوال الشخصية السوري، الذي هو قانون لا يحمي العائلة وإنما هدفه حماية فرد واحد في الأسرة، مؤكدة خلو قانون الأحوال الشخصية من أي مادة تختص بحماية الطفل أو المرأة أو تمنع العنف في الأسرة، وأن القانون يرسّخ الاقتصاد أيضاً في يد الرجل ما أدى إلى خلل في ميزان الأسرة، وبما يعود بأثر سلبي ورجعي على المجتمع السوري حتى قبل عام 2011، وخلال الحرب المستمرة.
وحول سبل الخلاص، ترى الجرماني أنه لا بد من الوعي المجتمعي، فالأمر لا يخص المرأة فقط، بل الأب والجد والعم والخال، فغياب الرجل عن البيت، طيلة سنوات الحرب، وضع المرأة على محك سوق العمل، وهي لا تعرف كيف تعمل، بل لا تعرف ما حقوقها إذا تعرضت للتحرش أو التنمر والعنصرية، مشيرة إلى أنه في مناطق النزوح في الداخل، شمال وشرق، وشمال وغرب سورية، لا تخضع لحكومة أو سلطة أو لقانون، تتوزع بين الحكومة الذاتية وبين زعماء العشائر، وخلصت الباحثة في حديثها لـ"العربي الجديد" أنه لا تنمية في سورية الراهنة، إلا بالوصول إلى السلام، مؤكدة أن التغيير السياسي ضرورة، وأن العدالة الانتقالية مهمة جداً، ولكن المنشود هو السلام لأجل إعادة الحقوق الضائعة ولأجل الطفل الذي ولد بعد الحرب ولم يسجل في السجلات الرسمية، ولأجل المرأة التي تزوجت أو طُلقت من دون وثائق رسمية.
الحوكمة في المنظمات السورية
وفي الجلسة نفسها، تناولت ورقة الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد مصطفى العبد الله "مدى تطبيق مؤسسات التمويل الأصغر لقواعد الحوكمة المؤسسية في سورية"، وتكون مجتمع البحث من المنظمات غير الحكومية العاملة في تقديم منتجات التمويل الأصغر في مناطق شمال غرب سورية وخدماته، وحصلت 20 منظمة على تسجيل رسمي في تركيا منذ عام 2018 وفقاً لقانون الجمعيات التركي.
وبحسب الباحث تضم مناطق شمال غرب سورية، الواقعة تحت سيطرة المعارضة، نحو خمسة ملايين نسمة، بكثافة سكانية تصل إلى 600%، لكن معدل البطالة يلامس نسبة 85%، وتوصل العبد الله إلى نتائج تؤكد أن تحديات البيئة الداخلية تؤثر على تطبيق قواعد الحوكمة في المنظمات العاملة في منطقة البحث، وأن آليات اتخاذ القرار داخل هذه المنظمات غالباً ما تكون ذات درجة متقاربة من التجانس، من جهة افتقارها إلى الشفافية في جزء كبير منها بسبب تشابك المصالح الفردية للمؤسسين مع مصالح أصحاب المصلحة الآخرين
أحمد حج أسعد عن الأمن المائي في سورية: تجاوز أصحاب المناصب التشريعات المائية، بغية تكوين قاعدة شعبية لهم
واعتبر الباحث أن مؤسسات التمويل الصغير، في مناطق البحث، لاتزال تواجه تحدياً مرتبطاً بالتوتر داخل المجتمعات المحلية أو بين السكان المحليين والنازحين إليها، مما ألجأها إلى اعتماد سياسة حساسة للديناميكيات الاجتماعية في مناطقها بهدف تقليل تأثير هذا التوتر على نجاح عملياتها، مؤكداً ضرورة إتاحة الفرصة أمام المجتمع المدني، لتنفيذ مشاريع تتماشى مع السياق المجتمعي الذي يمثله وعدم وضعه بين فكي التضييق السلطوي من جهة والتبعية الأجندة المنظمات الغربية الممولة من جهة أخرى.
المؤسسات والتنمية والأمن المائي
وعبر تقنية الاتصال المرئي تناول مدير منظمة جيو إكسبرتيز في جنيف أحمد حج أسعد حالة سورية في الأمن المائي العربي بين الإدارة المؤسساتية والإرادة السياسية، وكشف خلال مشاركته عن بُعد، في الجلسة السادسة، عن دور الإرادة السياسية وتأثيرها في عمل المؤسسات الفنية والتشريعية ذات الصلة بالموارد المائية، في سورية والدور السياسي للتغيرات التي عرفتها المؤسسات المائية. وعرج على العديد من أوجه القصور السياسي ومنها تجاوز أصحاب المناصب التشريعات المائية، بغية تكوين قاعدة شعبية لهم فضلاً عن ممارسات الفساد. وهي تجاوزات سبّبت تهديد الأمن المائي جراء خفض كفاءة استخدام الموارد المائية واستنزافها وتلوثها.
وأوضح أنه منذ عام 1970 حيث تولى حافظ الأسد الحكم، بدأ القرار السياسي يهيمن على القرار التقني، في مجال الأمن المائي، وأدى ذلك إلى التغاضي عن الحفر العشوائي لللآبار، والتعدي على المياه السطحية، فظهرت النتائج كارثية على الموارد المائية، ومنها انخفاض مستوى المياه الجوفية، وجفاف العديد من الينابيع، وقدر العجز المائي ما بين 2.5 إلى ثلاثة مليارات متر مكعب في السنة المائية لعام 2009، أي إن الأمن المائي أصبح هشّاً.
واتخذ الباحث حالة سهل الغاب في سورية الوسطى موضوعاً، لما لها من ملامح تعكس بوضوح أثر تقلبات الإرادة السياسية للأنظمة السياسية المتعاقبة في إدارة الموارد المائية، ووظفت المنهجية النقدية لتحليل الهياكل المؤسساتية والاجتماعية الأوسع وديناميكيات المؤسسات ودورها في اتخاذ القرار، موصياً بضرورة إيجاد آلية تضمن استقلالية إدارة الموارد المائية عن الإرادة السياسية.
ويختتم المؤتمر أعماله غداً الثلاثاء، ويعقد المشاركون ثلاث جلسات تتطرق إلى قضايا إشكاليات التنوع الاقتصادي العربي، وتجارب التنمية في المغرب، وأخرى في الإصلاح وحوكمة المؤسسات.