انضمّت عائلتا شويكي وأبو ريا إلى قائمة طويلة من العائلات المقدسية، سواء تلك التي أرغمتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على هدم منازلها بأيديها، أو التي تولت جرافات وطواقم الهدم التابعة لبلدية الاحتلال في القدس أو وزارة داخلية الاحتلال هدمها بنفسها بعدما رفض أصحابها هدمها بحجة عدم الترخيص.
وأمس الأربعاء، نفذت عائلة شويكي التي تقطن على سفوح حي الثوري، إلى الجنوب من المسجد الأقصى، قرار بلدية الاحتلال في القدس هدم منزلها تجنباً للغرامات المالية العالية التي تفرضها البلدية في العادة على من يرفض هدم بيته بيديه، وهي غرامة تراوح ما بين 70 ألف شيكل بالعملة الإسرائيلية (نحو 21 ألف دولار)، و100 ألف شيكل (نحو 30 ألف دولار).
ويقول أحد أفراد العائلة صلاح الشويكي لـ"العربي الجديد"، وقد انتهى من هدم غرفتين مع منافعهما أضيفتا إلى مسكن صغير لم يعد يتسع لأفراد العائلة البالغ عددهم 8 أشخاص: "لم يتركوا لنا خياراً. إما أن يهدم المنزل أو نحن نهدمه، وقد اخترت هدمه بيديّ كي لا أتكبد مزيداً من الخسائر لتضاف إلى المخالفات المالية التي ما زلت أسدد قيمتها لبلدية الاحتلال".
— AlQastal القسطل (@AlQastalps) August 17, 2022
وبعد هدم منزلها، لم يعد لعائلة الشويكي مكان تلجأ إليه ويؤويها، لتبدأ رحلة شاقة من البحث عن مأوى بالإيجار على الرغم من الارتفاع الكبير في بدلات إيجار السكن والتي تصل في حدها الأدنى إلى 3000 شيكل (نحو 924 دولاراً)، وفي أحياء أخرى تصل إلى 6000 شيكل (نحو 1800 دولار)، كما هو الحال في بيت حنينا وشعفاط. ويطلب مالكو العقارات دفعات سنوية أو نصف سنوية.
وليس حال عائلة المواطن الفلسطيني محمود أبو ريا، وهو من قرية شرفات، جنوبي القدس المحتلة، والمتاخمة لبلدة صفافا، أفضل من عائلة الشويكي. وتتشابه المعاناة في الحصول على تراخيص وكلفة رسومها العالية، لتنتهي في النهاية إلى تأجيل مستمر ومن ثم قيام بلدية الاحتلال بهدم منزلها.
ويقول أبو ريا لـ"لعربي الجديد": "تمكنت من انتزاع قرار من محكمة الاحتلال أثناء هدم منزلي بإيقاف عملية الهدم بعدما كانت جرافات بلدية الاحتلال قد شرعت بهدم جزء من البيت، وهو عبارة عن سطح غرفة وسور"، مشيراً إلى أن محكمة الصلح الإسرائيلية أمهلته ثلاثة شهور ليهدم منزله بيديه، علماً أن البيت مبني منذ عام 2010.
تغطية صحفية : "جانب من إخلاء منزل محمود أبو ريا من بلدة الشرفات جنوب القدس ظهر اليوم، حيث تم هدم جزء من المنزل قبل انتزاعه قراراً بتأجيل الهدم لثلاثة أشهر" pic.twitter.com/hyVk7ECIFP
— AlQastal القسطل (@AlQastalps) August 17, 2022
لكن المأساة الكبرى كانت لعائلة المواطنة إيمان صلاح زغير من سكان حارة الأعور في بلدة سلوان، والتي فقدت هي الأخرى قبل أيام منزلها وبات اليوم ركاماً تركته طواقم بلدية الاحتلال بعدما ألقت به على الجزء الأكبر من محتويات المنزل.
وتقول زغير لـ"العربي الجديد"، إنها وأسرتها المكونة من ثمانية أشخاص انتقلت للإقامة في منزل حماتها، بينما تعيش العائلة معاناة صعبة خلفها الهدم في وقت كانت تتهيأ فيه لاستقبال العام الدراسي والتحضير له، وتصف معاناتها قائلة "ما نريده بيت يؤوينا لكن أجرة البيوت في سلوان تصل إلى 3500 شيكل (نحو ألف دولار)، وهذا مبلغ كبير لا تستطيع العائلة تأمينه. نحن بالفعل نعيش مأساة ولا يشعر فينا أحد".
وقبل يومين فقط، كانت عائلة أخرى من بلدة العيسوية، وسط القدس المحتلة، هي عائلة المواطن يوسف محيسن، تعيش نكبة أخرى بعد نكبتها الأولى حين أحرق جنود الاحتلال بقنابلهم الغازية في شهر مايو/ أيار الماضي قاعة الأفراح التي يملكونها وهي الوحيدة في البلدة والأحياء المجاورة. وحين انتهى محيسن من إعادة بناء وترميم الجزء الأكبر من القاعة، عادت جرافات بلدية الاحتلال لتهدمها من دون سابق إنذار، لتتكبد العائلة خسائر تقارب المليون شيكل.
وتسجل عمليات الهدم الذاتي أو تلك التي تنفذها بلدية الاحتلال زيادة مطردة منذ مطلع العام الجاري، وتتركز في غالبيتها في الأحياء المتاخمة للبلدة القديمة من القدس، كما هو الحال في سلوان، والثوري وجبل المكبر ورأس العامود، أو في الضواحي والبلدات الواقعة إلى الشمال والشمال الشرقي من مدينة القدس كما الحال في العيسوية، ومخيم شعفاط، وشعفاط، وبلدتي حزما وعناتا الواقعتين خارج الحدود البلدية المصطنعة للقدس.
وتُفيد معطيات مراكز حقوقية ترصد عمليات الهدم في القدس، ومنها مركز معلومات وادي حلوة، بأنّ سلطات الاحتلال هدمت منذ مطلع العام الحالي وحتى شهر يوليو/ تموز الماضي أكثر من 80 منزلاً ومنشأة، وسجل خلال شهر يوليو/ تموز الماضي وحده هدم 13 منزلاً ومنشأة، بالإضافة إلى تنفيذ 6 عمليات تجريف لأراضٍ لصالح تنفيذ مشاريع استيطانية، وتسليم نحو 86 قراراً بالهدم بحجة عدم الترخيص.
ومع تصاعد عمليات الهدم لمنازل المقدسيين، تتكثف عمليات البناء الاستيطاني في المستوطنات الإسرائيلية سواء المقامة على أراضي الأحياء الفلسطينية كما هو الحال في مستوطنات "معاليه هزيتيم" في رأس العامود، و"نوف تسيون" على سفوح جبل المكبر، وفي قلب بلدة سلوان حيث البؤر الاستيطانية المنتشرة هناك والتي تتم فيها أعمال بناء وتوسعة وإضافات جديدة دون الحاجة لتصاريح من بلدية الاحتلال.
وكانت أحدث عملية مصادقة للبناء الاستيطاني قد أعلنت من قبل بلدية الاحتلال في القدس، والتي صادقت على بناء 400 وحدة استيطانية على تخوم بلدة صور باهر، وهي واحدة من البلدات المقدسية التي تشهد باستمرار عمليات هدم بالرغم من الضائقة السكنية التي يعاني منها الآلاف من أبنائها.
وسبقت الإعلان مصادقات لبناء مئات الوحدات الاستيطانية جنوب القدس ما بين بلدة بيت صفافا والولجة لتوسيع مستوطنة "جيلو" وبناء أحياء استيطانية جديدة ملاصقة لها، بينما تمت المصادقة على بناء مئات الوحدات الاستيطانية على أراضي بيت حنينا وشعفاط لصالح توسيع مستوطنات مثل "رمات شلومو"، و"راموت"، و"بسغات زئيف"، و"نيفي يعقوب".