استمع إلى الملخص
- **الوضع الصحي المتدهور**: تعرضت المرافق الصحية للقصف، مما أدى إلى خروج مستشفيات عن الخدمة ونقص الأدوية، مع انتشار الأمراض الوبائية مثل الإسهال والملاريا.
- **الجهود الدولية والمخاطر المستقبلية**: تعوق الأمطار والسيول وصول المساعدات رغم الجهود الدولية، مما يزيد من مخاطر النزوح وفشل المواسم الزراعية.
تسوء الأوضاع الإنسانية في مدينة الفاشر، غربي السودان، يوماً بعد يوم، وسط تحذيرات محلية ودولية من كارثة إنسانية هي الأسوأ.
يعيش الناشط التطوعي محيي الدين شوقار، ظروفاً مزرية في مدينة الفاشر مركز ولاية شمال دارفور منذ العاشر من مايو/أيار الماضي، بعد أن فرضت قوات الدعم السريع حصاراً محكماً على المدينة، وحاولت مرات عديدة السيطرة عليها، وضمها إلى مدن أخرى تحت سيطرتها في إقليم دارفور، مثل الجنينة ونيالا وزالنجي والضعيف، وهي عواصم أربع ولايات في الإقليم الذي عانى لعقود من ظل حرب أهلية دامية.
تعرض منزل شوقار ضمن مئات المنازل لقصف مدفعي دمر أجزاءً منه قبل أسابيع، وقتل خلال المعارك المتكررة عدد من أقاربه، ما دفعه إلى إخراج أسرته إلى منطقة آمنة، بينما بقي هو في الفاشر ليشرف على عدد من المبادرات الخيرية لإطعام المتضررين وإيوائهم وعلاجهم. يقول لـ"العربي الجديد"، في اتصال هاتفي: "الأوضاع في الفاشر تمضي من سيّئ إلى أسوأ، وهناك مناطق بالمدينة يعاني أهلها الجوع والعوز، مثل أم جرقوم، وشالا، والدباغة، والبيطري، والناس يعيشون في العراء من دون غذاء أو مياه، وتجتهد المبادرات الإنسانية مثل (مطبخ الخير)، ومبادرة (الله يبردي) في توفير ما يحتاجونه من غذاء وماء ومستلزمات إيواء، لكن من يحصلون على تلك الإغاثة لا يشكلون نسبة 1% من المحتاجين".
يضيف شوقار: "المعاناة الغذائية في الفاشر يفاقمها جشع التجار الذين ضاعفوا أسعار السلع الأساسية، وقد زاد سعر جوال الأرز من 38 ألف جنيه إلى 220 ألف، وجوال السكر إلى 360 ألف إذا دفعت عبر التطبيقات البنكية، وبسعر 280 ألفاً إذا دفعت نقداً، ورطل واحد من السكر يباع بـ3500 جنيه، أما كيلو العدس فوصل سعره إلى 11 ألف جنيه، وجوال البصل إلى 270 ألف جنيه، ولتر الزيت إلى 85 الفاً، مبيّناً أن كل ذلك يحدث وجميع أصحاب المهن الحرفية، كالنجارين والحدادين تعطلت أشغالهم وفقدوا مصدر رزقهم، مؤكداً عدم وصول أي مساعدات إلى المتأثرين من القتال، رغم إعلان اتفاق طرفي الحرب على تسهيل دخول المساعدات الإنسانية للفاشر عقب مفاوضات جرت في جنيف السويسرية خلال الأسابيع الماضية.
وتشهد مدينة الفاشر معارك متكررة بين الجيش السوداني المدعوم من حركات مسلحة من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، وتصدى الجيش لهجمات متكررة، مؤكداً تمسكه بعدم التفريط بالفاشر التي يعتبر المعركة حولها مصيرية، لكن القصف المدفعي يهدد آلاف المدنيين، وسبّب مقتل أكثر من ألف شخص، آخرهم عشرون شخصاً قتلوا الاثنين الماضي، كذلك أُصيب أكثر من 30 آخرين بقصف لقوات الدعم السريع على سوق "نيفاشا"، وهو أحد أشهر أسواق المدينة.
وحول الوضع الصحي، يقول وزير الصحة الأسبق في حكومة ولاية شمال دارفور، عماد الدين بدوي، إن "قصف مليشيا الدعم السريع لمدينة الفاشر سبّب أولاً خروج مستشفى الأطفال عن الخدمة، ثم المستشفى الجنوبي، وبعدها مركز الدكتور بابكر نهار، ومن ثم المستشفى السعودي للنساء، ومركز غسل الكلى، وهو المركز الوحيد في ولايات دارفور الخمسة، ثم قصفت المليشيا لاحقاً مستشفى الشرطة، ولم يبقَ أي مشفى عامل، وكل ذلك من أجل تضييق الخناق على المواطنين لترك المدينة".
يضيف بدوي لـ"العربي الجديد": "الكوادر الطبية تبذل جهودها رغم الظروف لتقديم خدمة علاجية في المراكز الصحية داخل الأحياء، بينما تُسقَط الأدوية جواً، لأنّ من المستحيل وصول الإمداد الدوائي عبر الطرق البرية. الأوضاع كارثية، ولم تتمكن السلطات الصحية في الوقت الحالي من تنفيذ أنشطة الإصحاح البيئي، أو مكافحة نواقل الأمراض، مثل الذباب والبعوض، ما يهدد بانتشار أمراض وبائية كالإسهال والملاريا. نحذر من نقص الغذاء الذي قد يؤدي إلى مزيد من المشكلات، خصوصاً بين الأطفال والحوامل".
الأوضاع الإنسانية تمضي نحو انهيار كامل في مدينة الفاشر
وحذرت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور من الوضع الإنساني في الفاشر. يقول الناطق الرسمي باسم المنسقية، آدم رجال، لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع الإنساني شديد السوء، والأمور تمضي نحو انهيار كامل رغم الاتفاق بين أطراف الحرب، والأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات عظمت حجم الكارثة، لأنها دمرت الكباري والطرق الرئيسية، ما يصعب وصول الغذاء إلى الفاشر، إضافة إلى انهيار منازل ودمار في مخيمات النزوح".
وأوضح رجال: "معبر أدري على الحدود الغربية مع تشاد، الذي بدأ العمل به معبراً لدخول الإغاثة الدولية، لا تتمكن القوافل التي تدخل عبره من الوصول إلى الفاشر لبعد المسافة، وانهيار الطرق والجسور، والمجاعة أضحت واقعاً في إقليم دارفور، ما لم يجرِ تداركها. الجهود الدولية واجتماع جنيف لم تؤتِ أكلها، لأن أطراف الحرب مصرة على استخدام الغذاء سلاحاً، وهناك مشكلات أخرى، مثل توقف النظام المصرفي في المدينة بعد إغلاق كل البنوك، وانقطاع شبكة الاتصالات والإنترنت، إضافة إلى إغلاق المدارس، وتفشي الأمراض النفسية، والمخاطر أكبر على النازحين في المخيمات، فأوضاعهم لا تحتمل الانتظار، ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة".
وسبق أن أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يطالب أطراف الحرب بتسهيل مرور المساعدات الإنسانية، وطلب من قوات الدعم السريع فكّ الحصار عن الفاشر، فيما أصدرت منظمات إغاثة دولية ووكالات الأمم المتحدة عشرات البيانات في ذات الصدد، آخرها للجنة الدولية للصليب الأحمر، الذي رسم واقعاً مأساوياً للأحوال في المدينة، مؤكداً أن "آلاف المدنيين ما زالوا عالقين في الفاشر بسبب ضراوة القتال، مع نفاد الإمدادات الطبية"، وأنها رغم الجهود لم تتمكن من إيصال الإغاثة الإنسانية إلى المدينة، لكون "الوصول إلى طرق الإمداد الرئيسية المحيطة بالفاشر لا يزال غير ممكناً، وبالتالي يتعذر على شاحنات المساعدات الإنسانية والشاحنات التجارية إيصال المواد الغذائية والإمدادات الطبية".
ويبيت مئات آلاف النازحين الذين فقدوا سبل عيشهم في الأراضي الزراعية بأماكن مثل "مخيم زمزم"، وغالبيتهم يتضورون جوعاً مع وصول نقص الغذاء إلى مستوياتٍ حرجة. وحثّ الصليب الأحمر أطراف النزاع على فتح المزيد من طرق الإمدادات لضمان وصول المساعدات الإنسانية والسلع التجارية إلى المناطق المتضررة من القتال، ورحب بقرار السلطات السودانية إعادة فتح معبر أدري مع تشاد لمدة ثلاثة أشهر لتيسر إيصال المساعدات الإنسانية إلى إقليم دارفور.
ويؤكد الخبير في دراسات السلام، عباس التجاني، أن النزاع السوداني الذي يتجلى في الفاشر مرشح للتسبب في أزمات إنسانية كبرى، كون المدينة تشهد فجوة غذائية حادة بسبب الحصار، وارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع، فضلاً عن مخاطر النزوح، وفشل المواسم الزراعية، وانقطاع الطرق، وفقدان سبل كسب العيش، ونقص السيولة المالية.