ضرب الزلزال الشمال السوري وجنوب تركيا، لكنه ضرب أيضاً قلب باسل العاصي في القاهرة، والذي غادر حلب هرباً من مجازر النظام السوري قبل عقد من الزمان، واستقر في مصر، حيث يعمل في صيانة التكييفات.
قرر باسل بعد سماعه نبأً الزلزال محاولة مد العون لأهله في سورية بالقليل الذي يملكه، رغم توقف أعماله موسمياً في الشتاء، ما يضطره إلى الإنفاق من حصيلة الصيف الوفيرة، أو العمل في أعمال أخرى مثل توصيل طلبات المطاعم السورية إلى الزبائن.
جهز ما استطاع من ملابس وأغطية، واتصل بمتطوعين سوريين لإيصالها إلى الشمال السوري المنكوب. كان مكان اللقاء في ميدان الحصري بمدينة السادس من أكتوبر غرب القاهرة، ليطالع هناك المفاجأة. يحكي لـ"العربي الجديد": "وجدت عشرات المصريين والسوريين يقفون بانتظار السيارة التي ستحمل التبرعات، يقفون في البرد حاملين أغطية وملابس وما تيسر من مساعدات".
تعد مدينة السادس من أكتوبر أحد أكبر تجمعات السوريين في مصر، حيث يعيش ويعمل عشرات الآلاف منهم، بدرجة باتت معها المدينة مزيجاً سكانياً عربياً يضم المصريين مع السوريين والسودانيين واليمنيين والعراقيين.
في تجمع سكني مجاور لمسجد الحصري الشهير، يجتر سوريون تفاصيل المأساة الأخيرة التي ذكرت العالم بالقضية السورية العالقة. يقول شاب طلب عدم ذكر اسمه: "وددت لو كان النظام يتمتع بشيء من الإنسانية لنتمكن من مساعدة أهلنا بسهولة، لكن الأرجح أنه سيزيد من المأساة بمنع المساعدات عن مستحقيها، وربما يوزعها على مناصريه بدلاً من المنكوبين، فمن قتل الشعب بالبراميل المتفجرة لن يرق قلبه لمصرعهم بالزلزال، وربما اعتبره عقاباً لهم على ثورتهم ضده".
@bkr_mazktli ♬ الصوت الأصلي - بكر مزكتلي
يسيطر القلق على وجوه عدد من السوريين المتجمعين بغرض جمع وتصنيف وتجهيز التبرعات من احتمال تعرضهم للتوقيف الأمني، خاصة مع تحريض من "لجان إلكترونية" مؤيدة للنظام المصري عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد السوريين في مصر، باتهامات من بينها أنهم "إخوان" ما داموا قد عارضوا النظام السوري.
تمتد الاتهامات للسوريين بأنهم وراء العديد من الأزمات الاقتصادية التي تضرب البلاد، فقد تسببوا في كساد مطاعم مصرية بانتشار مطاعمهم المميزة، كما ضربوا العملة المحلية بالتجارة في الدولار الأميركي. دفع هذا أحد المتجمعين لرفض تصوير التجمع، موضحاً أنه "من الخطر عليه ظهور وجوههم في وسائل الإعلام"، مضيفاً في حديثه لـ "العربي الجديد": "يكفي ما نراه من متاعب. ما نفعله هو لوجه الله".
نقاط أخرى ظهرت لجمع التبرعات في مناطق الرحاب، والتجمع الخامس شرقي القاهرة، تشرف عليها زينة القصاص، وهي سورية مقيمة في القاهرة، تتولى تنظيم جمع التبرعات، وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في الحث على التبرع، فالمنكوبون يحتاجون إلى كل ما يمكن تخيله في أسرع وقت، على حد تعبيرها.
تؤكد زينة: "الاستجابة للدعوة مذهلة بين المصريين، أما السوريون في مصر، فقد بادروا بمد يد العون فور وقوع الكارثة، ولم ينتظروا الدعوة. فوجئت بعشرات المتطوعين الذين يعرضون خدماتهم، خصوصاً سائقي التاكسي، وعمال التوصيل الذين يعرضون توصيل التبرعات إلى أماكن تجميعها، وهناك أمهات تبرعن بحفاضات أطفالهن، وآباء أحضروا عبوات الحليب، وشبان قالوا إنهم على استعداد للذهاب إلى الشمال السوري للمساعدة في جهود الإنقاذ. بمجرد أن يعرض المتبرع ما لديه، نجد أكثر من وسيلة توصيل يعرضها متطوع آخر لجلبها إلينا، ولا نعدم وسيلة موثوقة لإيصال التبرعات، حتى قررنا وقف استقبال التبرعات مؤقتاً إلى حين توصيل ما تجمع لدينا".
متطوع آخر لجمع التبرعات، لكنه مصري هذه المرة، تحدث لـ "العربي الجديد"، متحفظاً على ذكر اسمه مع الإشارة إلى أنه رئيس لجمعية خيرية بالجيزة، يؤكد أن "كل خطوات جمع التبرعات وإيصالها تتم تحت إشراف ومتابعة وزارة التضامن الاجتماعي، وهناك حالة تضامن إنساني غير مسبوقة تجعل الجميع يحرص على إيصال المساعدات للمنكوبين، مع تسهيلات من الحكومة المصرية. من غير المهم لمن تصل التبرعات، حتى لو اقتصر تسليمها على مؤيدي النظام السوري دون معارضيه، فالجميع مستحقون للمساعدة".
وفي حين تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تحث على تقديم الدعم النفسي للسوريين في مصر، ولو بإلقاء التحية، وسؤالهم عن أحوال أهلهم في سورية. في المقابل، استمر مؤيدون للسلطة في التحريض على السوريين، واعتبارهم سبباً في الأزمات الاقتصادية، على الرغم من الكارثة التي حلت بهم، ما أثار جدلاً كبيراً.
بدورها، أعلنت عدد من المؤسسات التجارية مد يد العون للشعب السوري، وقررت إحدى شركات الاتصالات الكبرى إتاحة الاتصالات الدولية مجاناً إلى سورية وتركيا لعدة أيام، في إطار السعي لتسهيل تواصل السوريين مع ذويهم في المناطق المنكوبة.
ويقول مصري قرر الاكتفاء بذكر كنيته "أبو حفص"، لـ "العربي الجديد": "لو كان الظرف مختلفاً، وحرية العمل والحركة متاحة للتيار الإسلامي، لوجدنا آلاف الأطنان من المساعدات في طريقها إلى سورية وتركيا. لكن لا يجد المصريون من جراء الأزمة الاقتصادية ما يكفيهم، فيشعرون بالعجز وقلة الحيلة إزاء مأساة أشقائهم".