ترك انفجار مرفأ بيروت كثيراً من الضحايا بين قتلى ومصابين. من هؤلاء الشابة ليليان التي تعيش في غيبوبة حتى اليوم
ما زالت الشابة ليليان شعيتو، من بلدة الطيري في قضاء بنت جبيل، جنوبي لبنان، ترقد على سريرها في مستشفى "الجامعة الأميركية في بيروت" غارقةً في غيبوبةٍ، منذ الرابع من أغسطس/ آب الماضي، إذ صادف وجودها في أحد محال المنطقة التجارية المعروفة بـ"أسواق بيروت" وسط المدينة، لحظة وقوع انفجار مرفأ بيروت، ما تسبّب بإصابةٍ حرجة في رأسها، تبعتها كسور في الجمجمة ونزيف داخلي، من جرّاء سقوطها أرضاً ووقوع واجهة زجاجية عليها.
ليليان، ابنة السادسة والعشرين عاماً، وخريجة الحقوق، كانت قد غادرت لبنان عروساً العام الماضي، قبل أن تعود حديثاً من مدينة أبيدجان، في ساحل العاج، لتضع مولودها الأول بين أهلها، لكنّ فرحتها بالأمومة لم تكتمل، فقد انضمّت إلى قافلة من جرحى ومصابي الانفجار المشؤوم، تاركةً خلفها طفلاً رضيعاً لم يكن قد مضى على ولادته أكثر من شهر ونصف الشهر، ويكبر اليوم محروماً من حنان والدته.
شعيتو، صغيرة الأسرة المؤلّفة من خمس فتياتٍ، تروي شقيقاتها بحسرةٍ الحادثة الأليمة، فيقلن لـ"العربي الجديد": "عينا ليليان مفتوحتان منذ يوم الانفجار، قبل أكثر من أربعة أشهر، لكنّها في غيبوبةٍ كاملة. فقد خضعت فور إصابتها لعملية جراحية، وكانت هناك خشية من تعرّضها لمضاعفات قد تؤدّي إلى وفاتها". يضفن: "ليليان دلّوعة البيت (الفتاة المدللة في الأسرة)، وهي مقرّبة ومحبوبة من الجميع، وتسعى دائماً لحلّ مشاكل أسرتها وأصدقائها، وتستوعب وتتقبل كلّ من يعرفها. كان هذا مشوارها (جولتها) الأول بمفردها بعد الولادة، وكلّنا أمل بعودتها إلى حضن عائلتها، فنحن نصلّي لأجلها باستمرار، صلّوا معنا لشفائها".
كذلك، تقول ابنة خالتها، روى يونس: "ليليان هي الأقرب إليّ، وهي دلّوعة الأسرة الكبيرة وأصغرنا. تعشق الحياة وتهتم بأناقتها. ومنذ صغرها كان تفكيرها أكبر من عمرها، وتميّزت دائماً برعايتها أفراد أسرتها وأصدقائها، بحنانها وإيمانها الكبير... الله لن يتركها، وستعود بصلواتنا وصلواتكم إلى ابنها وإلينا جميعاً". وتضيف: "لن ننسى الانفجار ولن نسامح، ولن ننتخب الطبقة السياسية نفسها في الانتخابات مجدداً، فنحن ما زلنا نعيش آثار الانفجار وتدهور الوضع الاقتصادي، بالإضافة إلى أنّ المستشفى عاجز عن تأمين بعض الأدوية اللازمة لعلاج ليليان، كما أنّ هناك أدوية اختفت في لبنان، لذلك نلهث للبحث عنها وتأمينها. للأسف، لا طبابة ولا صحة ولا عِلم ولا اقتصاد ولا أمن هنا... لم يتركوا لنا شيئاً".
أمّا صديقتها، نادين ريشاني، فتشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ ليليان بمثابة أختها، فقد كبرتا معاً منذ 14 عاماً، وتقول: "أعرف ليلو (كما يحلو لها أن تناديها) منذ أيام المدرسة، ما يعني أكثر من نصف عمري معها، وهي تكبرني بأربعة أيام فقط. ومنذ أيام المدرسة لم نفترق". تضيف: "ليليان بكلّ بساطة إنسانة قوية، قلبها طيب، تحبّ الحياة والضحك، لكنّها اليوم حرمتنا ضحكتها الجميلة التي لا تفارق أذنيّ، وبات كلّ شيء قاتماً أمامي. كانت ملجأي الوحيد لدى هروبي من ضغوط الجامعة والعمل، فهي سندي ومشجّعتي الدائمة بل مرشدتي في الحياة. عرفت معنى الصداقة الحقيقية معها فقط". وإذ تؤكّد إيمانها بعودة "رفيقة العمر" تلفت إلى أنّ "ليليان تحارب للبقاء، ونحن نقاوم بالصلاة ولن ننسى. ليليان بطلة ترفع رأس ابنها، وهي نعمة في حياتي، لكنّ ما يعذّبني أنّها أحبّت هذا الوطن وتمسّكت به، غير أنّ الوطن لم يحبها".
من جهته، يتحدّث ميشال نادر، الصديق المقرّب من ليليان، عن "صداقةٍ ناهزت عشر سنوات" ويقول لـ"العربي الجديد": "هي الأقرب إلى قلبي. ليليان شابّة محبّة، متواضعة ومؤمنة، وتتأقلم مع كلّ الناس، وتتّسم بالتسامح والحنان والصدق، وتعشق المرح والحياة، فهي صاحبة الابتسامة الجميلة. تنظر إلى مختلف المشاكل والأحداث بإيجابية، فلم يهن عليها يوماً حزن أحد من أسرتها أو أصدقائها، بل إنّها محضر خير لنا جميعاً". يسرد نادر كيف أنّ "ليليان كانت تردّد للجميع أنّني صديقها الصدوق، فهي لطالما فهمتني وأدركت ما يجول في خاطري، من دون أن أتكلم". يضيف: "منذ دخولها في غيبوبة، منذ أربعة أشهر، باشرتُ الكتابة عن ليليان؛ عن ذكرياتنا، ومحادثاتنا، وأيام صداقتنا وكلّ ما يخطر في بالي، في دفترٍ صغيرٍ، وآمل أن تصحو قريباً وتقرأ سطوره".
هكذا يتذكرها أهلها وأصدقاؤها بينما يصلّون لعودتها من الغيبوبة، إلى ابنها وزوجها وأسرتها، وتبقى ليليان وجعاً آخر يُضاف إلى آلام اللبنانيين وجراحهم، بعد انفجار لم تتكشف خفاياه الكاملة بعد.