يُقبل شباب ليبيون على تعلم اللغات الأجنبية بشكل لافت بهدف الهجرة، في ظل تردي الأوضاع المعيشية والأمنية في البلاد. بالإضافة إلى الإقبال على المنظمات التي تستقبل طلبات اللجوء في دول الجوار، يختار آخرون الهجرة السرية والمخاطرة بحياتهم بحراً في ما يسمى بقوارب الموت.
وخلال الأسابيع الماضية، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لأسرة على متن قارب تستعد للهجرة بحراً. في هذا الإطار، يؤكد خليفة الدباشي، وهو ثلاثيني من مدينة صبراته الواقعة نحو 70 كيلومتراً غربي طرابلس، والتي تعد من أبرز مراكز تهريب البشر، إقبال الليبيين على الهجرة على متن قوارب مهربي البشر. ويصف ما يحدث بالظاهرة، وإن لم تكن لافتة، إلا أن نسبة إقبال الشباب على الهجرة السرية ما زالت مرتفعة.
إلا أن عاصم الدبار، الثلاثيني من طرابلس، يقول إن إقناع المنظمات المعنية باستقبال طلبات اللجوء أضمن من الهجرة عبر البحر، ما دفعه إلى تعلم الإنكليزية. ويتحدث لـ "العربي الجديد" عن اتفاقه مع خمسة من أصدقائه على بدء تعلم الإنكليزية استعداداً للهجرة. واختاروا هذه اللغة باعتبارها الأكثر استخداماً في غالبية بلدان العالم. يضيف أنه "سيكون من السهل علينا إقناع المنظمات بظروفنا، بالإضافة إلى قدرتنا على التواصل مع الناس في البلاد التي سنهاجر إليها".
ويلفت الدبار إلى صعوبات كثيرة تعرض لها صديق حصل على اللجوء بسبب عدم إتقانه أية لغة غير العربية. لم يتحصل على عمل في هولندا حيث يعيش لاجئا، وما زال يعتمد على المساعدات المادية من قبل بعض المنظمات الإنسانية. ويؤكد أنه لن يغامر مع أصدقائه بالفرار عبر البحر، لكنهم سيسافرون إلى بلد مجاور لتقديم طلب اللجوء، مؤكداً أن الأسباب التي قد تقنع المنظمات عديدة، منها الانتهاكات والملاحقات والتهديدات وسوء الأوضاع المعيشية وانهيار البلاد.
على عكس الدبار، التحق سيف الدين الصديق (33 عاماً)، وهو من مدينة ترهونة، بإحدى مراكز تعليم اللغات لدراسة اللغة الإنكليزية، والهجرة على حسابه الخاص إلى الصين. ويتحدث الصديق لـ "العربي الجديد" عن رغبته في الهجرة إلى الصين بسبب توفر فرص عمل جيدة هناك، موضحاً ان "الكثير من التجار ورجال الأعمال الليبيين يجدون صعوبة في التعامل مع الصينيين بسبب عائق اللغة. وهذه فرصة جيدة بالنسبة إليه للعمل مترجما بين التجار الليبيين والصينيين".
وتخلّى الدبار عن حلمه بالعمل طبيب أسنان، بعد تخرجه من كلية الطب عام 2012. يضيف: "كغيري من الشباب الليبيين، نملك شهادات لكن سوق العمل لم يعد يستوعب أحداً. ونكاد ننسى ما درسناه اليوم. وحتى لو حصلت على عمل، فلن يزيد راتبي عن 600 دينار (نحو 436 دولاراً)، وهو ما لا يكفيني لتأمين مصاريفي. فكيف سيكون في إمكاني إذاً تأمين مستقبلي وتحقيق طموحي؟".
من جهتها، تؤكد مديرة مركز ابن الهيثم للتدريب وتعلم اللغات ابتسام راشد، أن عدد المقبلين على تعلم اللغات منذ أن ساءت الأوضاع في البلاد بسبب الحرب في طرابلس إلى زيادة، مشيرة إلى أن الغالبية يقبلون على تعلّم اللغتين الإنكليزية والتركية.
وتقارن في حديثها لـ "العربي الجديد"، بين عدد الطلاب في عام 2018، والذي لم يكن يتجاوز 34 طالباً، وعددهم منذ فبراير/ شباط الماضي، والذي تجاوز 364 طالباً. تضيف أن مراكز تعليم اللغات في طرابلس زادت بسبب الإقبال على تعلم اللغات الأجنبية.
إلى ذلك، يقول وليد بوعليوة (28 عاماً)، أحد طلاب المركز، إن سبب إقباله على تعلم اللغة التركية يرتبط برغبته في الهجرة إلى تركيا، مشيرا إلى أن الحصول على تأشيرات للسفر إلى الدول الأخرى يعد أكثر صعوبة بسبب مخاوف الدول من شبهات تتعلق بالإرهاب. يضيف بوعليوة، الذي تخرج من كلية الموارد البحرية منذ أربعة أعوام: "لم يعد أمامي إلا تعلم اللغة والاستعداد للهجرة". يتابع: "مشروعي هو مقهى يوفر القهوة الليبية على أنواعها وهي غير موجودة في تركيا. ولأن هناك جالية ليبية كبيرة في ليبيا، فقد يكون هناك إقبال على مقهاي".
ولا تتوفر تقارير رسمية لدى منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها عن أعداد ونسب الليبيين من طالبي اللجوء. إلا أن عقيلة الأطرش، الناشط السياسي والمدني، يقول إن نسبها عالية نسبياً، لافتاً إلى أنها ظاهرة تستحق الدراسة. يضيف لـ "العربي الجديد" أن إقبال بعض العائلات والأفراد على الهجرة عبر البحر مغامرين بأرواحهم يؤشر إلى عدم تجاوب المنظمات الدولية مع طالبي اللجوء. ويحذر من إهمال هذه الظاهرة وعدم تجاوب السلطات الليبية، مرجحاً إمكانية تناميها في ظل استمرار انهيار الأوضاع المعيشية، ما اضطر مئات المواطنين إلى الاحتجاج وتنظيم تظاهرات في غالبية المدن الليبية على الرغم من انتشار المجموعات المسلحة المستفيدة من استمرار الفوضى.
يشار إلى أن رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فاي السراج، ورئيس الوزراء المالطي روبرت أبيلا، كانا قد وقعا مذكرة تفاهم في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، بحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق الوطني.