تُواجه بنوك الدم الليبية عجزاً كبيراً في ظل ضعف قدرتها على تزويد المراكز الصحية والمستشفيات بالدم والتي تعدّ حاجة أساسية خصوصاً خلال إجراء عمليات جراحية للمرضى، والسبب عزوف المواطنين عن التبرع بالدم. وبشكل أساسي، يتركز عمل بنوك الدم في مدينتي طرابلس وبنغازي، في وقت أقفلت عشرات البنوك الأخرى أبوابها على خلفية الانهيار الذي تعانيه المراكز والمستشفيات الليبية.
يقول الطبيب العامل في بنك الدم في طرابلس، عيسى زغبية، إن العزوف عن التبرّع بالدم هو نتيجة للخوف من تفشي فيروس كورونا، علماً أن المركز الوطني لمكافحة الأمراض يناشد المواطنين التبرّع بالدم لعلاج المصابين بالفيروس، ومساعدتهم على تجاوز مرحلة الخطر.
إلا أن النداءات التي أطلقها المركز ساهمت في نشر الخوف لدى المتبرعين، ما أدى إلى نقص كبير في أعدادهم، كما يقول زغبية لـ "العربي الجديد". ويزود بنك الدم في طرابلس غالبية المستشفيات في معظم مناطق غرب ليبيا باحتياجاتها من الدم والبلازما وصفائح الدم، والتي يحتاجها الأطباء خلال إجراء العمليات الجراحية. ويشير إلى أن بنك الدم يعاني نقصاً كبيراً في الصفائح التي تعد أساسية خلال إجراء عمليات إزالة الأورام.
وعلى الرغم من إقرار زغبية بالشح الذي يعانيه البنك بسبب كثرة الحاجة إلى التبرع بالدم، خصوصاً خلال الاشتباكات المسلحة أو الحروب وبالتالي كثرة الإصابات بين المتقاتلين، يؤكد أن البنك تمكن من الصمود في أكثر الظروف شدة، بعدما توصّل إلى آلية تتمثّل في الاستعانة بمندوبين عن الكتائب المسلحة لنقل احتياجاتهم للدم وإسعاف المصابين والجرحى، مشيراً إلى أن المشكلة لم تكن في نقص المتبرعين، بل كثرة الحاجة إلى الدم.
لكن في الوقت الحالي، يتحدث زغبية عن نقص حاد في عدد المتبرعين بسبب المخاوف من الإصابة بكورونا لدى المتبرعين، وإن حاول طمأنة المتبرعين من خلال التأكيد على الإجراءات الاحترازية للوقاية من تفشي الفيروس.
على الرغم من ذلك، لا يبدو أنّ منصور إغليليب، وهو من حي فشلوم في طرابلس، مرتاحاً لتلك التطمينات، مشيراً إلى أنه لا يثق بتعقيم المعدات المستخدمة في المركز. وكان قد اعتاد التبرع بالدم بشكل دوري كل خمسة أشهر، إلا أنه توقّف عن ذلك منذ يوليو/ تموز الماضي نتيجة التقارير التي تشير إلى انتقال الفيروس من خلال التبرع بالدم، كما يقول لـ "العربي الجديد". يضيف: "في وقت لاحق، تابعت العديد من التقارير، وتبيّن لي عدم صحة المعلومات، لكنني ما زلت أشعر بالخوف". ويسأل: "من يضمن لي تعقيم المعدات في البنك؟".
إلى ذلك، تشير مديرة الشؤون الإدارية والمالية في بنك الدم المركزي في بنغازي، منار العريبي، إلى قيام المركز بتبديل طاقمه بحسب جدول زمني، لافتة إلى حرص البنك على التأكد من خلوّ المتبرّع من فيروس كورونا. وتشكو، في حديثها لـ "العربي الجديد"، بسبب معاناة البنك من نقص عدد المتبرعين بالدم، مشيرة إلى توقف مراكز التبرّع بشكل كامل في أربع مدن شرقي ليبيا، وقد انحصر طلب الدم ببنك بنغازي.
وبسبب النقص الحاد في الدم، اضطرّ مستشفى طبرق المركزي، أقصى شرقي البلاد، إلى تأجيل عدد من عمليات القلب التي يجريها المستشفى بالتعاون مع منظمة إنسانية أميركية، خصوصاً لدى الأطفال. تتابع: "حالياً، نخزن الدم في البنك للحالات الطارئة جداً وتوقفنا عن تزويد الحالات العادية أو التي يمكن إرجاء عملياتها الجراحية"، مشيرة إلى أن فريقها شرح أوضاع البنك للمترددين عليه.
في هذا الإطار، نشر محمد النجار، وهو مواطن ليبي شفي من كورونا، على صفحته على فيسبوك، تجربته في الشفاء بعد استفادته من نقل البلازما، مطالباً المواطنين بضرورة التبرع بالدم لإنقاذ أرواح المصابين بالفيروس.
وكان زغبية قد تحدّث عن معاناة كبيرة لدى البنك، وقد نشر على صفحته على فيسبوك في وقت سابق عن حاجة مريضة مصابة بكورونا للبلازما، ووضع عنوان مركز العزل الذي تتواجد فيه.
وحث زغبية المركز الوطني لمكافحة الأمراض على تكثيف إصدار البيانات والظهور الإعلامي للتقليل من مخاوف المتبرعين من انتقال الفيروس، والتركيز على حرص البنوك على التعقيم. وفي الوقت الذي أكّد زغبية عدم تسجيل بنوك الدم أي إصابة بالفيروس بسبب نقل الدم أو التبرع به، طالب الجهات الحكومية بضرورة زيادة دعمها لبنوك الدم للحدّ من انتشار الفيروس عموماً.