ما زالت عمالة الأطفال في ليبيا تُعَدّ ظاهرة لافتة، في ظلّ تراجع المستوى المعيشي في البلاد بسبب الأزمات المتلاحقة على مدى السنوات الماضية، الأمر الذي دفع ناشطين ومنظمات حقوقية أهلية إلى التعبير عن القلق إزاء تزايد مؤشّراتها. وعلى الرغم من أنّ القانون الليبي يمنع منذ عام 1970 الأطفال من العمل، فإنّ سوء الأوضاع المعيشية التي تعاني منها الأسر الليبية يضطرها إلى إرسال أطفالها إلى سوق العمل، وسط تجاهل حكومي.
لا يخفي مدير جمعية عباد الرحمن الأهلية فرج العماري قلقه في هذا الإطار، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "عمالة الأطفال أمر مألوف في الأسواق الشعبية وفي الشوارع". ويقول: "يبدو من الطبيعي أنّ الذين ينقلون مشتريات المواطنين في الأسواق الشعبية هم بمعظمهم من الأطفال العمّال. كذلك يمكنك أن تراهم وهم يبيعون المناديل بالقرب من الإشارات الضوئية على الطرقات الرئيسية".
وعلى الرغم من التفات السلطات إلى تنامي هذه المشكلة نسبياً، وقد أعلنت وزارة التعليم في منتصف عام 2014 عن تشكيل لجنة لدراسة القوانين وإقرار قانون جديد لحماية الطفل بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإنّها عادت لتتراخى، وهي لم تكشف حتى الآن عن مصير تلك اللجنة ولا نتائج عملها.
وقبل فترة، أصدر مكتب شؤون المرأة والطفل في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا (أهلية)، بياناً عبّر فيه عن قلقه البالغ حيال تصاعد مؤشّرات عمالة الأطفال وانتشارها في عموم البلاد. وشدّد المكتب في بيانه على أنّ "ارتفاع مؤشّرات عمالة الأطفال واستغلالهم في السوق الليبي يشكّلان خطراً كبيراً على بيئة وحياة الطفل، إذ إنّ عمالة الأطفال ترتبط بنوع ومستوى التعليم السائد ومستوى دخل الفرد والفقر وتردي الأوضاع الإنسانية والمعيشية للأسرة والنزاعات المسلحة والحروب الأهلية". ودعا المكتب في بيانه السلطات كافة إلى العمل على مكافحة عمالة الأطفال، و"اعتبار مصلحة الطفل الفضلى فوق كل الاعتبارات وتوفير البيئة والحماية المناسبتَين لعدم تأثّر الأطفال بنتائج النزاع المسلح والأزمة الإنسانية وكذلك الاقتصادية اللتَين تمرّ بهما البلاد، بما في ذلك حمايته من آثار انتشار فيروس كورونا الجديد، وعدم حرمانه من حقوقه الأساسية، منها الصحة والتعليم والغذاء". وأكّد المكتب التزامه بالدفاع عن حقوق الطفل والتنبيه إلى معاناة الأطفال في مناطق النزاعات والاضطرابات في ليبيا، داعياً المنظمات الدولية والأممية والإقليمية والوطنية الى "تسليط الضوء على هذه الظاهرة وتبنّي الاستراتيجيات التي تعمل على القضاء عليها صوناً للأطفال من الانتهاكات والاستغلال".
لكنّ العماري لا يرى ذلك كافياً، إذ بالنسبة إليه "الدعوات الدولية والمحلية للسلطات لم تتوقّف، بالتالي فإنّ العمل على مكافحة عمالة الأطفال يكون من خلال التركيز على دعم أسرهم للحدّ من اعتمادها على عمل أبنائها. كذلك يجب البدء في التطبيق الفعلي لقانون منع الأطفال من العمل، بما في ذلك العقوبات وإطلاق حملات التوعية للتنبيه إلى الآثار السلبية على الطفل من جرّاء انخراطه المبكر في سوق العمل". ويلفت العماري إلى أنّه "ما زال من الممكن السيطرة على عمالة الأطفال في ليبيا، نظراً إلى قدرة البلاد على تغيير وضعها الاقتصادي إلى جانب توفّر موارد عديدة فيها"، مضيفاً "نحن لسنا من الدول التي تحتاج إلى التفكير في آليات وبرامج للحدّ من ظاهرة أخطر أشكال العمل". ويوضح العماري أنّ الأمر "لا يقتضي أكثر من تفعيل قانون منع عمالة الأطفال وتسوية أوضاع أسرهم الاقتصادية". ويتابع أنّه "بعد انتهاء الحرب وتراجع النزوح ومعاناة الأسر من الفقر، الأمر الذي يدفعها إلى إرسال اطفالها للعمل، يمكن الآن إطلاق برامج لدعم تلك الأسر بهدف رفع مستواها المعيشي لاقتلاع جذور الظاهرة". ويؤكد العماري أنّ "ترتيب الأوضاع وتحسّنها بعد التسويات السياسية حدّا من ظاهرة تجنيد الأطفال في الحرب، والآن لم يعد لدينا أكثر من أعداد قليلة ما زالت في صفوف المليشيات، ولا يستلزم الأمر أكثر من إصدار قرارات تجرّم ذلك وتهدد بعقوبات".
لكنّ مطالب العماري ودعواته كما مطالب ودعوات كثيرين تنتظر التفاتة حكومية. يُذكر أنّه بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفل، في 12 يونيو/ حزيران الماضي، أصدرت 22 منظمة أهلية ليبية بياناً مشتركاً عبّرت فيه عن قلقها من انتشار عمالة الأطفال في ليبيا، وقد رأت أنّها من نتائج الصراعات المسلحة التي أدّت إلى نزوح مئات آلاف المدنيين من مناطقهم وتعطّل الدراسة وتفاقم الأزمة الاقتصادية المالية. وشدّدت تلك المنظمات على ضرورة التفات الجهات المسؤولة في الدولة الليبية إلى مصلحة الطفل وعدّها أولوية لديها من ضمن جهودها الرامية إلى استقرار البلاد. وفي سياق مطالبتها بحماية حقوق الطفل، طالبت المنظمات في بيانها المشترك السلطات ببذل مزيد من الجهود لحماية تلك الحقوق في ليبيا، منها إنهاء السجن التعسفي للأطفال في عدد من سجون البلاد، في الشرق والغرب، بالإضافة إلى الاهتمام بأوضاع أطفال أسر المهاجرين السريين في مراكز احتجاز المهاجرين واللاجئين.