لولا الطيور لاندثرت الغابات

22 اغسطس 2022
الطيور المهاجرة تحافظ على التنوع البيئي (Getty)
+ الخط -

منذ حوالى عقدين من الزمن، قال أحد العلماء الألمان إن العالم بلا طيور لن يكون فيه حياة. ربما كان في هذا الإعلان مبالغة بعض الشيء بسبب عدم القدرة على شرح العلاقة بين الطيور والكائنات الحية الأخرى المعروفة وتلك غير المعروفة بعد.

لكننا نحن اليوم نستطيع الجزم بأنه بلا طيور، لن تكون هناك غابات. والأدلة متوافرة، وأغلبها يشاهد كل يوم تقريباً، ولكننا لا نفكر في تأثيره بالغابات. ففوائد الطيور ليست مجرد فوائد ثقافية، بل هي تؤدي دوراً في وظائف الأجهزة البيئية الإيكولوجية بطريقة تؤثر مباشرة في صحة الإنسان واقتصاده. 
وبينت الدراسات الحديثة أن الطيور تلتهم نصف مليار طن من الحشرات في السنة. وفي الصين، يلتهم الخطّف المنزلي الآفات الزراعية بنسبة ثلثي كمية ما يأكله. أما الشرشور كبير المنقار، فيهاجم يرقات براعم أشجار التنوب عند انتشارها، ويحصد بيولوجياً من اليرقات ما يعادل 1800 دولار من ثمن المكافحة بالمبيدات لكل كيلومتر مربع.

ومهما يكن من أمر،  فإن الطيور هي عماد الغابات وخادمتها، لكن علينا أن نعلم أن الطيور لا تخدم الغابة لأجل الإنسان، بل من أجل نفسها، ولكن من دون أن تعلم شيئاً عن نتائج ما تفعله. 
الكثير من الطيور الناضجة (ذات المهن في الموئل الذي تعيش فيه) تبدأ بإخفاء طعامها المفضل في التربة في بداية الخريف أي قبل حلول الشتاء. أوائل البذور التي تخبئها عادة ما تكون في الفسحات التي تشكلت من جراء موت بعض الأشجار المعمرة، وتليها البذور التي تزرع على حدود الغابات، ثم تلك التي تزرع بعيداً عن الغابة، وصولاً إلى تلك التي تزرع في قارات أخرى.

أهم أنواع الطيور التي تزرع (تخبّئ) البذور، نقّار الخشب، والقرقف أو سنّ المنجل، وكاسر البندق، وأبو زريق، وكل منها قادر على تخبئة نحو 100 بذرة في اليوم. هذه الطيور غير مهاجرة، لذلك تخبئ البذور في الغابة وفي محيطها المباشر لتتمكن من العودة إليها في الشتاء وتأكلها، علماً أن ذاكرتها تجعلها تعرف موقع كل بذرة على الأقل لمدة شهر وأكثر من دون أن تخطئ مكان كل حبة. مع ذلك، يبقى من البذور ما لم تجده الطيور التي خبأتها، فتنمو فسيلة، ومن ثم شجيرة فشجرة، وقد يقدر لها أن تنمو لمدة تزيد على مئات الأعوام. 
هكذا، فإن الطيور تزرع الغابات وتحميها وتؤمن استدامتها. هذا عن الطيور المقيمة. أما الطيور المهاجرة، فإنها عندما تسافر، تأخذ البذور التي أكلتها معها وتفرقها من خلال فضلاتها. وتساهم هذه الطيور بإعادة النباتات إلى النظم البيئية التي دمرت، بل تحمل النباتات عبر البحر إلى قارات أرضية جديدة، فتساعد الطيور في تشكيل الحياة النباتية التي نراها من حولنا وحول العالم. 
وهناك دراسات عن غابات نيوزيلندا التي تحتوي على 70 في المائة من النباتات التي نثرت بذورها طيور مثل طائر التوي. بينما الحمام الإمبراطوري الميكرونيزي يقوم بمهام أكبر. وكواحد من أكبر الطيور في أرخبيل بالاو، فإنه موزع بذور رئيسي عبر سلسلة الجزر بأكملها.
وفي منطقة الشرق الأوسط، تقوم طيور مهاجرة مثل السمن والفري وبعض أنواع الدخلة وغيرها بنقل البذور من بلد إلى آخر. إن تنوع الطيور يؤدي إلى تنوع خدماتها للبيئات المختلفة، ومنها بيئة الغابات. وتلقح الطيور النباتات وتحافظ على استمراريتها وحماية الغابات من الأمراض، لكونها تلتهم الحشرات القاتلة للنباتات. 

وللغابات تأثير في البشر، فتخزن الكربون وتجعل المناخ مستقراً أكثر، وتعطي الأوكسيجين للهواء الذي نتنفسه، وتحول الملوثات إلى مغذيات. لكن من دون طيور، فإن موائل الغابات لن يكون لها وجود.

بالإضافة إلى ذلك، للطيور أثر كبير في الموائل الأخرى التي تعيش فيها، كالمراعي والمستنقعات والمزروعات، إلخ. وهذه آثار ناتجة من تنظيف الطبيعة من الأجسام الميتة وحفظ التوازن بين النباتات والحيوانات أكلة الأعشاب، وحماية النباتات الساحلية من الانقراض بسبب اجتياحها من قبل أصداف صغيرة تأكل النباتات على سبيل المثال. 
من دون حماية النباتات الساحلية من الانقراض، ستتآكل الشواطئ بسبب البحر وعدم وجود مثبتات للتربة. وتؤدي الطيور دوراً في الحفاظ على الشعب المرجانية وغيرها ممن سيكون لنا معها موعد لاحق. يجهل بعض البشر حقاً أهمية هذه الطيور في محيطها الحيوي ليثبتوا أنهم أقوى منها. 
(اختصاصي في علم الطيور البريّة)

المساهمون