- جايمي سكوت، متضرر من اللقاح، يعاني من تجلط دماغي ونزيف أدى لغيبوبة وضرر دائم، مما أثر على حياته اليومية وعلاقته بأطفاله.
- منظمة الصحة العالمية تؤكد على سلامة وفعالية لقاح أسترازينيكا رغم الآثار الجانبية النادرة، والحكومة البريطانية تعمل على خطة تعويض للمتضررين، مع تحديث معلومات المنتج لتشمل المخاطر النادرة.
أُقرّ أخيراً بأنّ لقاح أسترازينيكا المضاد لكوفيد-19 الذي طوّر بالتعاون مع جامعة أكسفورد، قد تكون له آثار جانبية تصل إلى حدّ الموت على خلفية تجلّطات في الدم، وذلك في حالات نادرة جداً. هذا ما أفادت به شركة أسترازينيكا للصناعات الدوائية والمستحضرات الصيدلانية الحيوية التي تُعَدّ واحدة من أبرز الشركات التي طوّرت لقاحات ناجعة في سياق مكافحة مرض لكوفيد-19 الذي يتسبّب فيه فيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2).
وجاء إقرار الشركة البريطانية-السويدية متعدّدة الجنسيات في وثائق قدّمتها إلى المحكمة العليا في بريطانيا، مساء الاثنين الماضي، وذلك في وجه 51 دعوى تعويضات تصل إلى نحو 100 مليون جنيه إسترليني (نحو 125 مليون دولار أميركي). وتُقاضى الشركة على خلفية ادّعاءات بأنّ لقاحها الذي طوّرته مع جامعة أكسفورد أدّى في عدد من الحالات إلى وفيات أو مشكلات صحية خطرة.
ويفيد محامو الادّعاء بأنّ لقاح أسترازينيكا تسبّب في آثار جانبية أتت "مدمّرة" على عدد من العائلات. ويشرح هؤلاء أنّ اللقاح المضاد لكوفيد-19 أدّى إلى وفاة أشخاص تلقّوه فيما ألحق ضرراً بآخرين. وعلى الرغم من طعن الشركة المتخصصة في الصناعات الدوائية في هذه الدعاوى، فإنّها قدّمت مذكّرة إلى المحكمة في فبراير/ شباط الماضي أقرّت فيها بإمكانية أن يسبّب لقاحها المضاد لكوفيد-19، في حالات نادرة جداً، متلازمة تجلط الدم مع نقص الصفائح الدموية التي تُعرَف اختصاراً بـ"تي تي إس" في اللغة الإنكليزية. يُذكر أنّ الصفائح الدموية أو الصفيحات هي خلايا دم عديمة اللون تساعد في تجلّط الدم، والمتلازمة المُشار إليها كانت قد أُدرجت في الأساس في سياق الآثار الجانبية المحتملة لهذا اللقاح وغيره.
تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة الصحة العالمية كانت قد أصدرت، في إبريل/ نيسان من عام 2023 الماضي، إرشادات خاصة بإدارة حالات إصابة بمتلازمة تجلط الدم مع نقص الصفائح الدموية على أثر تلقّي لقاحات مضادة لكوفيد-19. وقد أفادت المنظمة بأنّ المتلازمة ظهرت بصفتها أثراً ضاراً جديداً بعد عملية تحصين أشخاص بلقاحات مستندة إلى فيروس ناقل غدي غير منسوخ، مشيرةً إلى لقاح أكسفورد-أسترازينيكا ولقاح جونسون أند جونسون. وحذّرت الوكالة التابعة للأمم المتحدة من أنّ هذه المتلازمة أثر خطر ويهدّد الحياة. وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية إرشادات الطوارئ المؤقتة هذه بهدف التوعية بمتلازمة تجلط الدم مع نقص الصفائح الدموية في سياق عمليات التحصين ضدّ كوفيد-19، ومساعدة مقدّمي الرعاية الصحية في تقييم الحالات المحتملة إصابتها بالمتلازمة وإدارتها.
جايمي سكوت ضحية لقاح أسترازينيكا
يُعَدّ المهندس البريطاني في مجال تكنولوجيا المعلومات جايمي سكوت أوّل المتضرّرين الذين رفعوا قضيّة في وجه شركة أسترازينيكا البريطانية-السويدية، في العام الماضي. والرجل البالغ من العمر 44 عاماً أب لطفلَين، وقد أُصيب دماغه بضرر دائم على أثر تجلط في الدم ونزيف فيه بعد وقت قصير من تلقّيه لقاح أسترازينيكا المضاد لكوفيد-19 في 23 إبريل من عام 2021. وكان سكوت قد استيقظ، بعد عشرة أيام من عملية التحصين، مصاباً بصداع شديد وراح يتقيّأ فيما واجه صعوبة في النطق. ثمّ دخل في غيبوبة استمرّت أكثر من شهر (أربعة أسابيع وخمسة أيام)، لكنّه نجا في النهاية بعدما كانت تقديرات طبيبة تتوقّع وفاته المحتّمة.
وفي مقابلة أُجريت مع سكوت أخيراً، قال: "أنا سعيد لأنّني على قيد الحياة، لكنّني طيف ما كنته في السابق، وكلّ يوم صعب بالنسبة إليّ". فالمتلازمة التي أصابته خلّفت لديه مضاعفات تنغّص عليه حياته اليوم، ليست أولاها خسارة وظيفته. وصار سكوت يعاني من ضعف في الذاكرة، ويجد صعوبة في القراءة والكتابة والاستماع والتحدّث، كذلك فقد البصر جزئياً في كلتا عينَيه، ويشكو من الألم والإرهاق شبه الدائمَين. ويقول إنّه لم يعد يستطيع قيادة السيارة ولا أداء دور فعّال في حياة أولاده.
وفي مايو/ أيار من عام 2023، بعثت شركة أسترازينيكا برسالة إلى محامية جايمي سكوت، جاء فيها: "نحن لا نقبل أن يكون سبب متلازمة تجلط الدم مع نقص الصفائح الدموية هو اللقاح العالمي". في المقابل، أفادت الشركة، في وثيقتها القانونية التي قدّمتها أمام المحكمة العليا في بريطانيا أوّل من أمس، بأنّ "في إمكان اللقاح أن يسبّب، في حالات نادرة جداً، متلازمة تجلط الدم مع نقص الصفائح الدموية". أضافت أنّ "إلى جانب ذلك، من الممكن حدوث متلازمة تجلط الدم مع نقص الصفائح الدموية كذلك في غياب لقاح أكسفورد-أسترازينيكا (أو أيّ لقاح آخر)".
وكان علماء في جامعة أكسفورد قد طوّروا اللقاح المضاد لكوفيد-19 الذي خضع لاختبارات وحصل على ترخيص عاجل للاستخدام، على خلفية الأوضاع الملحّة التي فرضتها جائحة كورونا في عام 2020. وقد طمأنت الحكومة البريطانية وكذلك أطباء كثر الناس بأنّ لقاح أسترازينيكا مأمون وحثّوهم على تلقّيه لتفادي الإصابة بفيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2). وبعد البدء بتصديره في أواخر عام 2020، وردت تقارير من كلّ أنحاء أوروبا، في ربيع عام 2021، تفيد بأنّ أشخاصاً أُصيبوا بتجلّطات في الدم غير عادية بعد أيام من تلقّيهم اللقاح. وقد أوصى خبراء بعد ذلك بتزويد من هم دون الأربعين من العمر بلقاح بديل مضاد لكوفيد-19، لأنّ الضرر المحتمل للقاح أسترازينيكا على تلك الفئة أكبر.
ويدّعي المحامون، الذين يمثّلون عائلات المتضرّرين التي تقاضي شركة أسترازينيكا، بأنّ لقاحها الذي طوّرته بالتعاون مع جامعة أكسفورد والمضاد لكوفيد-19 "يحتوي على عيوب" فيما فعاليته "مبالغ فيها إلى حدّ كبير" وهو "ليس مأموناً كفاية" ولا بالطريقة التي يتوقّعها الناس، لكنّ الشركة تنفي ذلك بشدّة.
في المقابل، تبيّن شركة أسترازينيكا أنّها عمدت إلى تحديث معلومات المنتج الخاصة بلقاحها المشترك مع جامعة أكسفورد، في إبريل من عام 2021، وقد ضمّنتها احتمال أن يكون اللقاح في حالات نادرة جداً محفّزاً متلازمة تجلط الدم مع نقص الصفائح الدموية. وقد أصدرت بياناً جاء فيه: "نعرب عن تعاطفنا مع أيّ شخص فقد أحباء له أو أبلغ عن مشكلات صحية أصابته، فسلامة المرضى هي أولويتنا القصوى"، مضيفةً أنّه "من خلال مجموعة من الأدلة في التجارب السريرية والبيانات الواقعية، ثبت باستمرار أنّ لقاح أسترازينيكا يتمتّع بسلامة مقبولة، وتصرّح الجهات التنظيمية حول العالم باستمرار بأنّ فوائد اللقاح تفوق مخاطر الآثار الجانبية المحتملة النادرة جداً".
Real-world evidence continues to highlight the ongoing impact of COVID-19 for immunocompromised patients. Reinforcing that they carry a disproportionately large share of the disease impact compared to the general population. Learn more: https://t.co/Wq43AoNwa5 #ECCMID2024 pic.twitter.com/ag7ctDVmUG
— AstraZeneca (@AstraZeneca) April 29, 2024
في سياق متصل، صرّحت منظمة الصحة العالمية بأنّ لقاح أسترازينيكا "مأمون وفعّال لجميع الأفراد فوق سنّ 18 عاماً"، موضحةً أنّ الأثر السلبي الذي استلزم اتّخاذ إجراء قانوني ضدّ شركة أسترازينيكا للصناعات الدوائية أخيراً كان "نادراً جداً". وفي مراجعة أعدّتها منظمة الصحة العالمية في يونيو/ حزيران من عام 2022، أكّدت أنّ لقاح أسترازينيكا المضاد لكوفيد-19 مأمون وفعّال لجميع الأشخاص البالغين من العمر 18 عاماً فما فوق. أضافت أنّ اللقاح ناجع بنسبة 72 في المائة ضدّ عدوى فيروس "سارس-كوف-2" المصحوبة بأعراض، مثلما يتّضح من التحليل الأولي للبيانات.
وتدير الحكومة البريطانية خطة تعويض خاصة، لكنّ المتضرّرين من لقاح أسترازينيكا يعترضون عليها ويرون أنّ تعويض 120 ألف جنيه إسترليني (150 ألف دولار) غير كافٍ. وتظهر الأرقام المتوفّرة أنّ من بين 163 عملية تعويض قدّمتها الحكومة تعود 158 عملية على الأقلّ إلى أشخاص تلقّوا لقاح شركة أسترازينيكا. وخطة التعويض تستهدف الأشخاص الذين تضرّروا من اللقاحات أو العائلات التي فقدت أفراداً منها على خلفيّة تلقّي لقاح أو آخر.