شابت حملة التطعيم لمواجهة فيروس كورونا الجديد في لبنان، خلال أسابيعها الأولى، انتهاكات عدة للمعايير، عرّضتها للمساءلة الشعبية، وخطر فقدان التمويل من البنك الدولي، لتحاول بعدها استدراك الأمر
رصد جهاز التفتيش المركزي (حكومي) الذي يتولى متابعة الخطة الوطنية للتلقيح ضدّ فيروس كورونا الجديد ومراقبة تنفيذها، في لبنان، في تقارير مفصَّلة يومية، سير العملية منذ وصول الشحنة الأولى من لقاح "فايزر" الأميركي إلى بيروت في 13 فبراير/ شباط الماضي، وأضاء على مخالفات المستشفيات والمراكز بالأسماء والأرقام، للحؤول دون تكرارها، ولضمان العدالة المجتمعية، ووصول اللقاح إلى كلّ مواطن من دون واسطة أو محسوبيات. كذلك، وضع الجهاز الجميع أمام مسؤولياتهم، حرصاً على الشفافية والعدالة، كما وضع ملاحظات عدّة بدأت وزارة الصحة والمعنيون يعملون عليها، كي يكون الرأي العام على بيّنة من أدق التفاصيل، عبر منصّة "إمباكت" الحكومية المرتبطة بخطط كورونا الوقائية، معتمداً سياسة خصوصية يحافظ من خلالها على بيانات المواطنين.
وكشف التفتيش المركزي عن الخطأ الأكبر الذي ارتكب مع انطلاق حملة التلقيح في 14 فبراير/ شباط الماضي، إذ أعلن أنّ 6239 تلقوا اللقاح من خارج نظام المنصة، باعتبار أنّ العدد التراكمي للملقّحين المسجلين بلغ 9619 لغاية 18 فبراير/ شباط، في حين بلغ العدد التراكمي للملقحين في تقرير حركة المخزون المعدّ من قبل وزارة الصحة 15.241.
وتمثلت الفضيحة الأكبر، بتلقيح نواب في البرلمان، وفريق رئيس الجمهورية اللصيق، ووزراء، وموظفين في مؤسسات تابعة للدولة، وهم من غير المستحقين، وما رافق ذلك، من استقالة العضو المسؤول عن الأخلاقيات في اللجنة الوطنية للقاح، الدكتورة تاليا عراوي، وتلويح رئيس اللجنة الدكتور عبد الرحمن البزري، بالاستقالة قبل العدول عنها. ويعزو رئيس اللجنة الوطنية للقاح الدكتور عبد الرحمن البزري، في حديثه إلى "العربي الجديد"، تلقيح أشخاص من خارج المنصة، إلى أسباب عدّة، أبرزها، تسجيل مسنّين لأسمائهم، لكن من دون أن يحضروا في الموعد الذي حُدِّد لهم "وقد رصدنا أنّ الطقس الرديء كان مساهماً بجزء كبير في ذلك، وفي هذه الحالة، عمدت مراكز إلى تلقيح بدلاء عنهم من تلقاء نفسها، لعدم خسارة اللقاح، وقد أعطيَ لأشخاصٍ لم يسجلوا أسماءهم على المنصّة، وكان الأجدى، برئيس مركز التلقيح، إعطاء الأولوية في هذه العملية لمن هم أكثر حاجة إلى اللقاح".
يتابع البزري: "كذلك، هناك أشخاص سجّلوا أسماءهم، لكنّهم تلقوا اللقاح قبل موعدهم، واستفادوا من حالة عدم الانضباط، ورصدت مراكز ومستشفيات كثيرة، أعطت اللقاحات لمن هم فوق 75 عاماً، قبل أن يصل دورهم" مشيراً، إلى أنّ "هناك مراكز خرجت عن هامش التصرّف الذي أعطيَ لها، وفُرضت عقوبات على ثلاثة منها، في رسالة للجميع للتقيّد بالتوصيات، والعمل يجري بشكلٍ مكثف لعدم تكرار الأخطاء نفسها، وتقليص الشوائب التي اعترت عملية التلقيح".
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر متابعة للحملة الوطنية، أنّ التفتيش المركزي، ركّز في مقترحاته لوزارة الصحة، على نقطة مهمة جداً تحول دون هدر لقاحات أو إعطائها لأشخاص لم يسجّلوا أسماءهم على المنصة، وتتمثل في تنظيم آلية الاستجابة لعدم حضور أحد الأشخاص الذين حجزوا موعداً لتلقي اللقاح أو لإلغاء الموعد في اللحظة الأخيرة تفادياً لهدر اللقاحات، باعتبار أنّ من أبرز أسباب الفوضى التي حصلت، والتي تذرعت بها المستشفيات، إعطاء اللقاح لغير مستحق أو من لم يأتِ دوره بعد على خلفية عدم حضور الشخص المعني في موعده. كذلك، قالت المصادر إنّ هناك حرصاً كبيراً على أن تعتمد في اللقاحات التي يأتي بها القطاع الخاص، آلية التسجيل على المنصة والإجراءات نفسها لعدم إحداث أي فوضى قد تعطل حسن سير عملية التلقيح.
ويتابع البنك الدولي مسار عملية التلقيح في لبنان، وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فقد وجَّهَ رسائل واضحة الى المعنيين، والجهات المختصة بالرقابة، لعدم تكرار الانتهاكات التي سجلت، ودفعته إلى التهديد بتعليق التمويل. تلك الجهات تأخذ بجدّ هذه التجربة التي تنعكس حتماً على مستقبل العلاقة بين المجتمع الدولي والسلطات اللبنانية، التي تغيب عنها الثقة اليوم نتيجة ممارسات الطبقة السياسية، إذ يربط أيّ دعم مالي، ببرنامج إصلاحي، يقوم على الشفافية، ومكافحة الهدر والفساد.
كذلك، طلب التفتيش المركزي، إدراج العيادة المتنقلة على المنصة وتنظيم عملها من خلالها، ومراقبة التزام المراكز بالأولويات المحددة في الخطة الوطنية للقاح من قبل وزارة الصحة العامة وفق المراحل الملحوظة، إلى جانب تزويد التفتيش المركزي ببيانات مفصلة عن الأفراد الذين جرى تلقيحهم من خارج المنصة في كلّ مركز، بالإضافة إلى ملاحظات أخرى، واقتراحات أكدت مصادر وزارة الصحة لـ"العربي الجديد" أنّها بدأت تعمل عليها، لحسن سير العملية، وتفادي تكرار الأخطاء نفسها، مع تشديد الرقابة لمنع حصول أيّ شخص من الحصول على لقاح ما لم يكن مسجلاً على المنصة وجاء دوره، مشددة على أنّ العمل تكثف مع التفتيش المركزي لتحسين الأداء في المراحل المقبلة.
وفي تفاصيل اللقاحات في المرحلة المقبلة، يقول مستشار وزير الصحة، رضا الموسوي، لـ"العربي الجديد" إنّ شحنات لقاح "فايزر/ بيونتيك" وزّعت إلى فصولٍ عدّة؛ الفصل الأول، بدأ في 13 فبراير/ شباط الماضي، مع وصول أول شحنة من الجرعات، إلى مطار بيروت الدولي، وينتهي في 31 مارس/ آذار الجاري، بمجموع يصل إلى نحو 250 ألف جرعة، على أن يُستكمل وصول باقي الشحنات، في إبريل/ نيسان، ومايو/ أيار، ويونيو/ حزيران، على أن تحدد الكميات بالتفصيل نهاية هذا الشهر. ويلفت، الموسوي، إلى أنّ نحو 300 ألف جرعة من لقاح "أسترازينيكا" ستصل إلى لبنان خلال مارس الجاري، بشكل يسرّع حكماً في عملية التلقيح، بانتظار وصول لقاحات أخرى يجري الاتفاق حولها، حتى تستفيد الفئات الأخرى المحددة في المراحل المقبلة، من الحملة.
بدورها، وافقت اللجنة العلمية الفنية، التي شكّلها وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، ومهمتها البحث في تسجيل لقاحات مقدَّمة من القطاع الخاص، على السماح بإصدار إذن استخدام طارئ للقاح الصيني "سينوفارم" الذي يؤكد البزري لـ"العربي الجديد" أنّه مخصّص لتلقيح عناصر الجيش اللبناني. وقرّرت الحكومة الصينية، بناءً على طلب من الجانب اللبناني، إهداء 50 ألف جرعة من لقاح "سينوفارم" إلى لبنان، وفق ما أعلن السفير الصيني وانغ كيجيان.
ورصد التفتيش المركزي في الفترة الممتدة من 14 فبراير/ شباط الماضي حتى 5 مارس/ آذار الجاري، بلوغ عدد المسجلين التراكمي على المنصة منذ إطلاقها 869.324، من بينهم 84.886 من أفراد القطاع الصحي، و784.438 من خارج القطاع الصحي، منهم 101.424 يتجاوز عمرهم 75 عاماً. وبلغ عدد الملقّحين التراكمي عبر المنصة حتى الخامس من مارس، في مختلف المراكز المعتمدة، 61.441.
وتطرق التفتيش المركزي إلى وتيرة التلقيح في لبنان، مشيراً، إلى أنّ نسبة الملقحين التراكمية عبر المنصة من إجمالي المسجلين لتلقي اللقاح منذ إطلاق الحملة، بلغت 7 في المائة، في حين وصلت نسبة الملقحين عبر المنصة من إجمالي المسجلين من القطاع الصحي 25 في المائة، أما نسبة الملقحين عبر المنصة من كبار السن أي 75 وما فوق، من إجمالي المسجلين في هذه الفئة، فقد بلغت 39 في المائة.
وذكر التفتيش المركزي أنّه على الرغم من ارتفاع عدد مراكز التلقيح الذي بلغ 31 مركزاً، بقيت عملية التسجيل في فئة الشباب متدنية مع تسجيل 416.581 شخصاً مقارنة بحجم هذه الفئة العمرية الذي يقدر بنحو مليون و710 آلاف مقيم وفق المسح الذي أعدّته إدارة الإحصاء المركزي. وبقيت أرقام تسجيل المقيمين غير اللبنانيين متدنية إذ لم تتجاوز نسبتهم 4.6 في المائة على الرغم من لحظهم في الخطة الوطنية للتلقيح، وتوزعوا كالآتي: السوريون 1.4 في المائة، والفلسطينيون 1.5 في المائة، وجنسيات أخرى 1.7 في المائة. واقترح التفتيش المركزي للتسريع في عملية التلقيح والوصول الى مناعة مجتمعية، العمل على استيراد كمية أكبر من اللقاحات مع ضرورة متابعة الجرعة الثانية وضمان احترام موعدها، بالإضافة إلى دفع جميع العاملين في القطاع الحكومي والتربوي إلى التسجيل على المنصة نظراً لأهمية عددهم في المجتمع اللبناني. ولفت إلى أنّ بقاء عملية التلقيح بالوتيرة الحالية يعني أنّ الخطة المرسومة لمواجهة كورونا ستستغرق سنوات عدة. كذلك، أشار التفتيش في تقريره الأخير، إلى أنّ أغلبية المسجلين على المنصّة هم ممن لا يعملون (غير نشطين اقتصادياً).
وفي ظلّ دخول البلاد مراحل التخفيف التدريجي لقيود الإغلاق، والمخاوف من انفلات الوضع مجدداً، وعدم تأدية التعبئة العامة حتى الساعة دورها اللازم في انحسار أعداد الإصابات والوفيات، تعدّ عملية التلقيح بطيئة جداً، ما دفع مرصد الأزمة في "الجامعة الأميركية في بيروت" (جامعة خاصة) إلى التحذير بتقرير مفصّل، من أنّه في حال عدم تسريع الوتيرة، فإنّ لبنان لن يتمكّن من الوصول الى مناعة مجتمعية قبل عام 2025.
واقترح المرصد للإسراع في عملية التلقيح، ضمن خطة طموحة تضع نصب عينها تلقيح المستهدفين بحلول سبتمبر/ أيلول 2021 ضمن مؤشر أداء طموح هو 20 ألف تلقيح في اليوم الواحد، إطلاق "دبلوماسية اللقاح" من قبل وزارة الخارجية والهيئات الاغترابية للحصول على لقاحات خلال الأشهر المقبلة من مصادر مختلفة كالصين وروسيا والهند، وتعزيز التسجيل على المنصة بالتعاون مع البلديات والمخاتير والهيئات الأهلية، كذلك المنظمات الدولية في ما يختص باللاجئين، عبر تدريب متطوعين في كلّ البلدات وأحياء المدن يساعدون السكان في عملية التسجيل على المنصة تحت إشراف البلديات والمنظمات، وتسهيل ودعم القطاع الخاص لتأمين لقاحات من دول وشركات تسمح ببيع اللقاحات لأسباب تجارية تحت إشراف وزارة الصحة، وغيرها من الاقتراحات.