إلزاميّة تلقّي ما يُطلق عليه "لقاحات كورونا" أمر غير مرحّب به في مناطق مختلفة من العالم. ويُسجَّل اليوم في الأردن احتجاج على ما يُعَدّ "إلزاميّة مبطّنة" وتعدّياً على حقوق الفرد.
تسعى الحكومة الأردنية عبر أدواتها المختلفة إلى دفع السكان لتلقي لقاحات مضادة لكوفيد-19 في ظلّ ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا الجديد، علماً أنّ ثمّة من يرفض تلقّي اللقاح من منطلقات حقوقية وصحية متّهماً الحكومة بمحاولة إجبار الأردنيين بطريقة غير مباشرة على التحصّن عبر قرارات ملزمة وغرامات عالية تفرضها على المتخلّفين. وبحسب ما تفيد بيانات وزارة الصحة في الأردن حتى تاريخ كتابة هذه الأسطر، فإنّ عدد متلقّي الجرعة الأولى من اللقاحات يقترب من أربعة ملايين و590 ألف شخص وعدد متلقّي الجرعتَين الأولى والثانية يقترب من أربعة ملايين و230 ألفاً، وهو ما يمثّل نحو 65 في المائة من الفئة المستهدفة، علماً أنّ عدد سكان الأردن يُقدَّر بنحو 10 ملايين نسمة.
وحدّدت الحكومة الأردنية منذ بداية يناير/ كانون الثاني المنصرم عدداً من الإجراءات بموجب أمر الدفاع رقم 35، فلا يُسمح لموظف القطاع العام أو العامل في منشآت القطاع الخاص بالالتحاق بالعمل إلا إذا تلقّى الجرعتَين الأساسيّتَين من لقاح مضاد لكوفيد-19، ويُمنع أيّ شخص تجاوز 18 عاماً من مراجعة أيّ من الوزارات أو الدوائر الحكومية أو المؤسسات الرسمية أو المؤسسات العامة أو الدخول إلى أيّ من منشآت القطاع الخاص إلّا في حال تلقّيه جرعتَين أيضاً، على أن يُستثنى من هذا البند من يراجع المستشفيات والمراكز الصحية في الحالات الطارئة.
وتُغلق منشآت القطاع الخاص المخالفة لأحكام أمر الدّفاع رقم 35 لمدّة أسبوع إذا كانت المخالفة للمرّة الأولى، ولمدّة أسبوعَين في حال تكرار المخالفة، ولا يُعاد فتح المنشأة إلا في حال تصويب المخالفة. وأيضاً أُلزمت مراكز التسوّق ومنشآت القطاع المصرفي وشركات الاتصالات والمعارض والمطاعم والمخابز والمقاهي والفنادق ومكاتب شركات توزيع الكهرباء وشركات المياه والنوادي الليلية والبارات وصالات الديسكو والحمامات التركية والشرقية والأندية الرياضية ومراكز اللياقة البدنية والمسابح بدفع غرامة مالية قدرها 1000 دينار أردني (نحو 1400 دولار أميركي)، في حال المخالفة للمرّة الأولى، وثلاثة آلاف دينار (نحو 4200 دولار)، في المرّة الثانية، وخمسة آلاف دينار (نحو 7000 دولار)، في المرّة الثالثة، والإغلاق لمدّة أسبوع في المرّة الرابعة.
وتتباين وجهات نظر الأردنيين حول تقبّلهم الإجراءات الحكومية. وفي هذا الإطار، تقول ميسر علي، وهي موظّفة، لـ"العربي الجديد": "تلقّيت جرعتَي اللقاح حتى لا أواجه مصاعب ومشكلات في العمل، على الرغم من عدم قناعتي التامة بمأمونيته"، لافتة إلى "الحاجة إلى وقت إضافي لإصدار حكم نهائي حوله". من جهته، يقول أحمد العبادي، وهو متقاعد، لـ"العربي الجديد": "لم أتلقّ اللقاح ولا أنوي ذلك"، وإذ يرى أنّ "عدم إقبال المواطنين بشكل كبير على عملية التحصين يعود إلى عدم الثقة والقناعة بالقرارات الحكومية"، يشير إلى أنّ ثمّة ما يُتداول عن آثار جانبية". يضيف العبادي أنّه "لا يجوز للحكومة إرهاب المواطنين عبر صيغ التهديد، وإجبارهم على تلقّي اللقاح"، مشدّداً على ضرورة احترام "الحرية الشخصية" في ذلك.
في المقابل، يرى محمد الخوالدة أنّ "القرارات الحكومية إيجابية ومهمة لحماية السكان من انتشار فيروس كورونا الجديد ومخاطره"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الأمر ليس أمراً شخصياً واحتمال نقل الفيروس يتعلّق بالمجتمع ككلّ"، يضيف: "وأنا سارعت إلى تلقّي اللقاح لحماية نفسي وأسرتي وأصدقائي"، مشيراً إلى أنّ "مختلف المرجعيات الطبية المحلية والعالمية تؤكد أهمية اللقاح في مواجهة الفيروس".
في سياق متصل، يقول رئيس لجنة التنمية والصحة والتعليم في المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان، رئيس لجنة الصحة النيابية الأسبق إبراهيم البدور، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة وباءً منتشراً الآن والأمر الوحيد الذي يحدّ من الإصابة والانتشار في ظلّ الممارسات الحالية في المجتمع هو اللقاح". ويلفت البدور إلى أنّه "انطلاقاً من التجارب والمشاهدات الشخصية المتعلقة بالأقارب والجيران والزملاء والمحيط الاجتماعي، فإنّ الوفيات والحالات الخطرة بمعظمها تُسجَّل بين الأفراد غير المحصّنين".
يضيف البدور أنّه "من ناحية صحية ومنطقية، فإنّ اللقاح هو الحلّ. لكنّ الإجبار على تلقّيه من ناحية طبية وحقوقية أمر مختلف، إذ لا تستطيع أيّ جهة طبية أو أيّ سلطة فرض علاج على المريض. واجب مقدّم الخدمة الطبية توضيح فوائد العلاج وتشجيع المريض على تناوله، لكنّ القرار النهائي يعود إلى المريض نفسه"، ويتابع أنّه "من ناحية طبية، أشجّع شخصياً على تلقّي اللقاح، وربط فتح القطاعات باللقاح أمر مقبول. على سبيل المثال، من يملك مصلحة، كمطعم أو محلّ تجاري، من المنطقي أن يُطلب منه تلقّي اللقاح ليتمكّن من تسيير مصلحته ومنع نقل الوباء".
ويلفت البدور إلى أنّ "ثمّة دولاً فرضت التحصين، فوصلت نسبة متلقّي اللقاح فيها إلى 90 في المائة، لذلك كانت الموجة المتعلّقة بمتحوّر دلتا من فيروس كورونا الجديد محدودة فيها، في حين أتت قاسية في الدول التي منحت سكانها حرية تلقّي اللقاح"، ويوضح أنّه "مع متحوّر أوميكرون من الفيروس، بدأت حالات الإصابة تتساوى بين الدول المحصّنة وغير المحصّنة. فجرعتا اللقاح كانتا تحميان من دلتا بنحو 90 في المائة، لكنّهما صارتا تحميان من أوميكرون فقط بنسبة 30 في المائة"، داعياً إلى "تلقّي الجرعة الثالثة". ويرى البدور أنّ "ثمّة أمراً جيداً في ما يخصّ أوميكرون على الرغم من ارتفاع الإصابات، إذ إنّ أعراضه أخفّ ولا يطاول الرئتَين"، متوقعاً "إمكانية وصول نسبة الإصابات به إلى 85 في المائة، ويبقى الأشخاص ذوو المناعة الذاتية". لكنّ البدور يحذّر من "مستقبل مجهول في حال ظهور متحوّر جديد".
من جهتها، تقول المحامية والمستشارة القانونية في مركز العدل للمساعدة القانونية سهاد السكري، لـ"العربي الجديد": "لا يتوفّر نصّ في المنظومة التشريعية يلزم مريضاً بتلقي العلاج، علماً أنّ اللقاح ليس علاجاً إنّما هو إجراء وقائي في محاولة لتفادي الإصابة بالفيروس. بالتالي، إذا كان الأصل هو في عدم توفّر قانون يلزم بتلقّي علاج، فهذا يعني أنّه لا إلزام بتلقّي لقاح، فنستطيع القول إنّه من حقّ الناس تلقّي اللقاح أو رفضه". وترى السكري أنّ "قرار تلقّي اللقاح من عدمه هو قرار شخصي، ومن حقّ الفرد رفضه أو قبوله في سياق حقوق الإنسان. وهذا يعني أنّه لا يجب إلزام الأفراد باللقاح، خصوصاً أنّه حتى اليوم، لم تثبت فعالية اللقاح بشكل مطلق. فلا شيء يثبت بشكل علمي أنّ اللقاح يمنع الإصابة بالفيروس، خصوصاً أنّ ثمّة نسبة من متلقّي اللقاح تعاني من مضاعفات المرض"، وتحكي أنّ "ثمّة اختلافاً وتضارباً من خبير إلى آخر".
وحول إلزام الحكومة مراجعي الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة بتلقّي جرعتَي اللقاح الأساسيّتَين، تشير السكري إلى أنّ "مؤسسات الخدمة العامة هي مسخّرة لخدمة جميع الأشخاص، ولا يجوز وضع استثناءات"، لافتة في هذا المجال إلى "تطبيق القرار حتى في المستشفيات ومؤسسات تقديم الخدمات الصحية". وتؤكد السكري أنّ "القرار الحكومي يتعارض مع حقّ الإنسان بتلقّي الخدمة العامة والتي هي حقّ وحاجة لجميع السكان"، مضيفة أنّ "فرض تلقّي اللقاح وإلزاميته حتى بشكل غير مباشر يتعارض مع حقوق الإنسان".