اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان: مشروع قانون "الهجرة السرية" يسيء إلى سمعة المملكة المتحدة
نشرت اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في مجلسي النوّاب واللوردات تقريرها المفصّل حول مشروع قانون الهجرة السرية (غير الشرعية)، المعروف بقانون "أوقفوا القوارب"، والذي طرحه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ووزيرة الداخلية سويلا برافرمان في 7 مارس/ آذار 2023.
وكان مشروع القانون الذي دافع عنه سوناك أمام حكومته وفي مجلس العموم والمحافل الدولية، قد أثار موجة غير مسبوقة من الانتقادات لما يشكّله من خطر على الالتزامات الدولية للمملكة المتحدة، إلا أنه شقّ طريقه عبر حكومة "المحافظين" ومن خلال مجلس العموم، وصولاً إلى مجلس اللوردات.
واعتبر التقرير الذي نشر أمس الثلاثاء أن مشروع القانون "ينتهك عدداً كبيراً من التزامات المملكة المتحدة في حقوق الإنسان ويخاطر بخرق التزامات أخرى".
ويفصّل التقرير الوارد في 152 صفحة مشروع القانون الجديد بحذافيره وبكافة بنوده، ويلقي الضوء على أوجه الخلل فيه، ويقدّم حلولاً قانونية بديلة عن تلك "غير الشرعية" التي "تسيء إلى سمعة المملكة المتحدة كدولة عطوفة تحمي الفارّين من الحروب والاضطهاد".
الحرمان من نظام اللجوء
وتستهل اللجنة تقريرها بالقول إن "الحكومة البريطانية محقّة في قلقها من الخسائر البشرية في القناة الإنكليزية، ونحن كذلك"، إلا أنها تنتقد بشدة القانون الجديد الذي يهدّد كل طالبي اللجوء بالإيقاف والترحيل الفوري إلى رواندا، وفق الخطة الشهيرة، أو إلى بلدانهم إن كانت "آمنة".
واعتبرت اللجنة أن من شأن مشروع القانون أن "يحرم الغالبية العظمى من اللاجئين من الوصول إلى نظام اللجوء"، ما يمثل "انتهاكاً صارخاً لعدد كبير من الالتزامات الدولية". كما ينتقد التقرير وزيرة الداخلية التي "لم تتمكن هي نفسها من التصديق على أن مشروع القانون متوافق مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان"، مشيراً إلى أن مواجهة الهجرة السرية تقتضي أولاً "الالتزام بتوفير الطرق الشرعية والقانونية والآمنة، وتحديد مسارات جديدة في أقرب وقت ممكن".
ولما كان دور اللجنة هو "فحص التشريعات للتأكد من توافقها مع قانون حقوق الإنسان"، يحثّ التقرير الحكومة على إعادة النظر بالأحكام المختلفة لمشروع القانون قبل اعتماده، بما يتوافق مع الالتزامات والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.
مزيد من المخاطر والاستغلال للاجئين
ويؤكد التقرير أن كل الأدلة المتوفرة لدى اللجنة، باستثناء دليل واحد، "تعارض وتنفي مشروع القانون" الذي تبنّاه سوناك وبرافرمان، حيث إن المشروع الجديد بحسب اللجنة "لن يحقق أهدافه المعلنة المتمثلة في ردع اللجوء غير القانوني وكسر نموذج الأعمال التجارية لمهربي البشر وإنقاذ الأرواح". بل على العكس من ذلك، سيؤدي إلى "اعتماد الأشخاص القادمين إلى المملكة المتحدة على طرق أكثر خطورة مما يعرضّهم للمزيد من المخاطر، ومما يصبّ في مصلحة مهرّبي البشر".
من جهة أخرى، يرى التقرير أن هذا المشروع سيثني طالبي اللجوء عن التقدّم بطلبات رسمية لتسوية أوضاعهم بعد أن يصلوا إلى شواطئ المملكة، ما سيعرّضهم حتماً وبشكل أكبر لمخاطر "الاستغلال". كما يشير التقرير إلى "الآثار السلبية المترتبة عن قانون كهذا على الفئات الضعيفة"، بمن فيها ضحايا الاتجار والعبودية الحديثة والأطفال والمثليون والمتحولون، متّهماً وزير الداخلية بالفشل في "تقييم هذه الآثار قبل طرح مشروع القانون وتمريره عبر مجلس العموم".
ويعبّر التقرير عن "بالغ القلق" من البند الثاني جنباً إلى جنب مع البندين الرابع والخامس "اللذين ينصّان على عدم قبول طلبات اللجوء وعدم الاعتراف بحقوق الإنسان وترحيل طالبي اللجوء من المملكة المتحدة"، حيث إن تلك البنود "تعاقب كل من يصل إلى المملكة المتحدة عبر الطرق غير القانونية، بمن فيهم الأطفال وضحايا العبودية الحديثة، من خلال حرمانهم من الوصول إلى نظام اللجوء والحماية الإنسانية"، ما ينتهك "الهدف والغرض الرئيسي من اتفاقية اللاجئين التي علينا الالتزام والامتثال لها".
وتعترض اللجنة على الحجة التي يتذرّع بها مشروع القانون في عدم استقبال أي لاجئ "قادم عبر بلد ثالث آمن"، أي عبر دول الاتحاد الأوروبي، لأن "مؤسسي اتفاقية اللاجئين أقرّوا بأن اللاجئين قد ينتقلون عبر دول متعددة قبل طلب اللجوء"، وهذا هو "الموقف القانوني القاطع كما حدده مجلس حقوق الإنسان وأكّدته محاكمنا المحلية".
إبعاد الأطفال اللاجئين
من جهة أخرى، تعترض اللجنة على البند الثالث المتعلق بإبعاد الأطفال اللاجئين "غير المصحوبين بذويهم"، مطالبة الحكومة بحذف هذا البند أو بتعديله على الأقل بحيث لا يمتلك وزير الخارجية سلطة إبعاد الطفل وترحيله إلا إن كان ذلك "في مصلحته".
وفيما يخص التعريف الرسمي لمصطلح "البلدان الآمنة"، اعترضت اللجنة على إدراج الحكومة لأي دولة لديها معدل ناجح كبير في طلبات اللجوء ضمن "البلدان الآمنة"، مطالبة باتخاذ "معايير واضحة منصوص عليها" عند إدراج الحكومة لأي دولة ضمن ذلك التعريف. كما طالبت بحذف ألبانيا على سبيل المثال من قائمة الدول الآمنة وبتعديل البند 57 بما يتوافق مع "معايير صارمة وموضوعية تستند إلى معلومات موثوقة وتشمل على الأقل اعتراف تلك البلدان (الآمنة)، ومصادقتها على معاهدات الأمم المتحدة الأساسية لحقوق الإنسان، وكذلك اتفاقية اللاجئين"، حيث "يجب أن يتمتع الأفراد بإمكانية الوصول إلى نظام لجوء عادل وفعال والحصول على المشورة والتمثيل القانونيين مجاناً".
تصنيف الدول بـ"الآمنة"
في المقابل، تعترض اللجنة على تصنيف الحكومة للدول الثالثة على أنها آمنة "بشكل عام"، في ظل "غياب أي تقييمات فردية للمخاطر التي يمكن أن يتعرّض إليها الأفراد عبر الإعادة القسرية"، لا سيما الفئات الأكثر ضعفاً كالأطفال والنساء والأقليات الدينية والناجين من التعذيب والاعتقال وغيرها.
وعبّرت اللجنة عن "قلقها البالغ" إزاء "توسيع سلطات احتجاز المهاجرين بموجب مشروع القانون، والنية الواضحة لاستخدام الاحتجاز كأمر طبيعي"، خاصة أن المحتجزين هم على الأرجح "ضحايا حقيقيون للاضطهاد أو انتهاكات حقوق الإنسان".
فرض الحظر النهائي على طالبي اللجوء
وإلى جانب تلك البنود المثيرة للجدل، تنتقد اللجنة البند الذي يتيح للحكومة فرض حظر نهائي على أي طالب لجوء يصل إلى المملكة المتحدة "بطريقة غير شرعية"، ما يحرمه من حق العودة إلى أراضيها "إلى الأبد"، وتطالب بتعديله.
وكانت برافرمان قد وصفت طالبي اللجوء بـ"الغزاة على شواطئنا"، كما صرّحت بعد أيام قليلة من تولّيها المنصب بأنها تحلم باليوم الذي تحلق فيه طائرة الترحيل إلى رواندا. لكن اللجنة اعتبرت "من غير المناسب على الإطلاق" تصنيف ضحايا الحروب والاضطهاد والقمع والعبودية الحديثة على أنهم "تهديد للنظام العام لمجرد أنهم وصلوا إلى المملكة المتحدة عبر طرق غير نظامية"، لا سيما بالنظر إلى حقيقة أن وزارة الداخلية لم توفّر "الطرق الآمنة المطلوبة".
وقد يمثل هذا التقرير الذي لم ينتشر بعد على نطاق واسع، خرقاً استثنائياً في مواجهة سياسة حكومات "حزب المحافظين" المتعاقبة في ملف الهجرة، خاصة بعد عام على إطلاق "خطة رواندا" الخاصة بترحيل اللاجئين إلى البلد الأفريقي، وتدخّل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في اللحظات الأخيرة، ما منع أول طائرة ترحيل من الإقلاع الصيف الماضي.
من جهة أخرى، من شأن تقرير مفصّل كهذا أن يلقي الضوء من جديد على "إخفاقات" الحكومة البريطانية في معالجة أبرز الملفات الداخلية، وتخلّيها عن التزاماتها الإنسانية تجاه الناخبين من جهة؟ والمهاجرين من جهة أخرى.