من الصعب في لبنان القول إن وزيراً تلقى من الضغوط ما تلقاه وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب. والضغوط جاءته من كل حدب وصوب: المدارس الرسمية والخاصة، الجامعة اللبنانية والخاصة، الهيئات التعليمية في القطاعات المذكورة والإدارات أيضاً، ثم هناك الأهل، ناهيك بالهيئات الدولية التي تراقب الأداء الحكومي خصوصاً في مدارس تعليم أبناء اللاجئين السوريين. ومعضلات القطاع التعليمي سابقة لوباء كورونا ومتفاقمة معه. وأمام كل هذا كان القطاع يفتح أبوابه ويغلقها تبعاً لدرجة انتشار أو انحسار الوباء، وكان هذا يقاس بالأيام فقط.
العام الماضي جرى ختمه "على زغل"، وتمّ ترفيع كل الطلاب في خطوة "همايونية". وأعطت الوزارة إفادات نجاح تسمح لطلاب الشهادات بالانتقال إلى مرحلة أعلى بما فيها دخول الجامعات، ما ذكّر اللبنانيين بسنوات الحرب الأهلية، عندما كان يتعذر تنظيم امتحانات لهؤلاء. لكن المشكلة تتجاوز طلاب الجامعات أو الشهادات الرسمية، باعتبار أن الجسم الأساسي للمتعلمين بينهما في مراحل التعليم التمهيدي والأساسي. وهنا برزت مشكلات التنافر في المواقف بين القطاعين من جهة، وبين مجريات التعليم العالي الرسمي والخاص. وكل حاول الضغط بالاتجاه الذي يلائم مصالحه ومواقفه. المهم أن الوزير عمد عبر الوزارة إلى اقتراح اعتماد التعليم المدمج بين التعليم عن بُعد والتعليم المباشر، عبر قسمة طلاب الصفوف إلى نصفين أحدهما يحضر فيغيب الآخر والعكس. لكن هذا الأسلوب أدى إلى إنهاك المعلمين والأساتذة الذين باتت واجباتهم المدرسية متباينة وأقسى مما كانت عليه قبلاً، نتيجة ساعات التحضير الطويلة والدوام على الأونلاين لما يقارب 7 ساعات يومياً.
والتعليم المدمج كما قدمه الوزير يتضمن ثلاثة مسارات للطلاب أولها التعليم عن بُعد عبر البثّ التلفزيوني لحصص تعليمية تتركز على صفوف الشهادات على وجه التحديد عبر تلفزيون لبنان. والثانية من خلال المنصات الإلكترونية بعد أن قدمت شركة "مايكروسوفت" تطبيق Microsoft teams بشكلٍ مجاني للأساتذة. أما الثالثة فمن خلال الوسائل التقليدية أو الورقية عبر تبادلها بين المدارس والطلاب عن طريق الأهل، ثمّ إعادتها من جديد لتصحيحها.
لكن هذا التحديد لم يمنع من ظهور كم من المشكلات يصعب حصره، وتبدأ هذه بالجسم التعليمي غير المؤهل بمعظمه لمهمة التعليم عبر المنصات الإلكترونية على نحو كاف، وتمر على طبيعة المناهج المصممة بالأساس للتدريس المباشر، وتصل إلى ما تقدمه البيئة المجتمعية من دعم ومقدرات وتجهيزات تواصل مفقودة، وتستقر أخيراً لدى التلامذة والأهل، وكلها عوامل تحول دون تحقيق النتائج المرجوة.
المهم أن التعليم عن بُعد قاد إلى توسيع الفوارق بين مدارس النخبة أو ما يطلق عليه مدارس الخمس نجوم، وبين مدارس الفقراء، بما فيها المدارس الحكومية والمجانية. وهو ما ينطبق على الجامعات أيضاً. والمؤكد أن وضع البنية التحتية في لبنان ليس في الأرياف، بل في العاصمة نفسها يحول دون الحصول على تكافؤ فرص حقيقي بسبب أوضاع التيار الكهربائي وشبكات الإنترنت وعجز الأهل عن شراء التجهيزات الإلكترونية لأبنائهم. والمفارقة أن الوزير نفسه اكتشف وجود 7 آلاف جهاز كومبيوتر مخزنة ويعاني قسم منها التلف نتيجة الرطوبة لأن أحداً لا يريد توزيعها على الطلاب في المدارس الحكومية.
(باحث وأكاديمي)