يكثر مشهد عبث الأطفال بالنفايات في مدينة صيدا (جنوب لبنان) بشكل كبير، في ظل أزمة النفايات التي عادت إلى شوارع لبنان. وفي منطقة الهلالية، شرق مدينة صيدا، أطلقت مجموعة من النساء مبادرة تهدف إلى الحفاظ على حقوق هؤلاء الأطفال، وضمان التوقّف عن العبث بالنفايات المتراكمة في المستوعبات.
هؤلاء النساء كن قد التقين في ساحة إيليا (مركز لاعتصام المحتجين في المدينة) خلال انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 (سلسلة احتجاجات اندلعت بداية بسبب الضرائب المخططة على البنزين والتبغ والمكالمات عبر الإنترنت على تطبيقات مثل واتساب قبل أن تتوسع)، واكتشفن أنهن يقمن في حي واحد في منطقة الهلالية، وصارت تجمعهن هموم مشتركة كتأمين الكهرباء والمياه وإزالة النفايات التي تتراكم يوماً بعد يوم في الشوارع.
أطلقت هؤلاء النساء مبادرة لجمع النفايات من الشوارع وتنظيفها ونقل مستوعبات النفايات من مكان إلى آخر، ووضع براميل زرعت بالنباتات، لأن مياه الأمطار تصب في ذلك المكان، وتؤدي النفايات إلى سد المصارف فتغرق الأرض بالنفايات والمياه.
تقول مهندسة الاتصالات غيدا اليمن، والتي تقيم في الهلالية وتعمل في مجال الترجمة في الوقت الحالي: "التقيت إيمان حنينة خلال الانتفاضة، وعدنا والتقينا في الحي الذي نسكنه، وتحدثنا عن أزمة النفايات والسعي لإيجاد آلية لحل هذه المشكلة المنتشرة ليس فقط في حينا بل في كل لبنان".
تتابع: "أمام منزلنا تجمّع لمستوعبات النفايات، ويبلغ عددها خمسة مستوعبات. وكل المباني المجاورة تلقي نفاياتها فيها. ومع الوقت، امتلأت المستوعبات بالنفايات ورميت أكياس على الأرض، وبحثنا عن سبب امتلائها بهذه السرعة، لنكتشف أن بعض الأهالي يرفضون وضع مستوعبات قريبة للنفايات، لترمى الأكياس في المستوعبات القريبة من بيوتنا، علماً أن البلدية لا تحرك ساكناً. ومن جراء تراكم النفايات، أحضر جارنا جراراً لرفع النفايات من المكان، ووضع مادة الكلس بسبب انتشار الروائح الكريهة والحشرات. إلا أن المشكلة لم تنته، فنظمنا اعتصاماً في الخامس عشر من شهر أغسطس/ آب الماضي، ودعينا إليه وسائل الإعلام".
تضيف أنّه "بعد الاعتصام الذي طالبنا فيه بإزالة النفايات، فكّرنا في إطلاق مبادرة لفرز النفايات لأننا نعلم مسبقاً أنه في حال توجهنا إلى بلدية الهلالية، سيتم التحجج بأوضاع البلد ومشكلة معمل الفرز في المدينة، حيث تتكدس النفايات. وبالفعل، هذا ما جرى إبلاغنا به بعد الزيارة. وفي وقت لاحق، اكتشفنا وجود 300 مستوعب للفرز في حديقة الهلالية مقدمة هبة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. في الوقت نفسه، بدأنا نزور الأحياء في المنطقة، وأعلنا عن مبادرة الفرز للتخفيف من مشكلة انتشار النفايات".
هكذا، بدأت غيدا بالتغيير أمام بيتها، وعملت على تنظيف الشارع، ونقلت المستوعبات من مكان إلى آخر، ووضعت براميل مكان المستوعبات زرعتها بالشجيرات.
من جهتها، تقول أستاذة اللغة العربية في التعليم الثانوي الرسمي إيمان حنينة: "منذ عام 2015، أدركت خطر النفايات في المدينة، وكنت قد شاركت بجميع التحركات في المدينة. ومنذ ذلك الوقت، عرفت أننا أمام كارثة تزحف ببطء نحو المدينة، ولم نر أية حلول لهذه المشكلة. حينها، عقدنا لقاءات مع خبراء بيئيين شرحوا لنا خطورة الأمر. وحين قدموا لنا بعض الحلول، صار هناك جبل آخر للنفايات في المدينة".
تتابع: "مؤخراً، أبلغت بلدية صيدا 13 قرية من قرى شرق المدينة عدم استقبال العوادم في مكب النفايات في المدينة، على أن تكتفي باستقبال النفايات العادية فقط. شعرنا بالاشمئزاز، الأمر الذي دفعنا للاعتراض على الأمر والتحرك، إذ إننا لن نستسلم لهذا الواقع. نظمنا اعتصاماً تجاوب معه عدد محدود من الناس، وقدمنا حلولاً للبلدية لإزالة المستوعبات الموجودة في مكان واحد، وتوزيعها بحسب خطة فرز حتى نمنع الأطفال من النزول إلى المستوعبات والعبث بها، فكان الجواب بأن عدد الأطفال الذين يبحثون في النفايات في المنطقة عشرة، ويعملون في أوقات محددة. ولم تتمكّن الجمعيات وأهالي الأطفال من مساعدتنا".
وتضيف: "رأيت الأطفال ليلاً يفتحون أكياس النفايات ويأكلون منها، وهذه مشكلة. فليس لهؤلاء الأطفال من يحميهم. وقد صرنا أمام ثلاث مشكلات: عدم جمع النفايات، تجميع النفايات في مكان واحد، والعبث بها من قبل الأطفال، وهذا انتهاك لحقوق الإنسان. نحن لا نقبل هذا الأمر. لذلك، كان الحل بشراء 10 مستوعبات للفرز وتوزيعها في كل شارع في المنطقة. وتختم حديثها قائلة إن "البلديات تجبي المال لكنها لا تقدم الخدمات، وبتنا نتولى القيام بمسؤولياتها، كأن ننظف الشوارع ونرش المبيدات وغير ذلك. كل ما نطلبه هو إزالة النفايات".