لبنان: نازحون يشكون التفاوت في الرعاية الصحية

04 أكتوبر 2024
نزحت بعض العائلات من دون جلب أدويتها معها (خيمينا بورازاس/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تفاقمت معاناة المرضى في لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية وانقطاع الأدوية منذ 2021، وزادت مع العدوان الإسرائيلي الذي أدى إلى نزوح كبير وترك المرضى دون رعاية.
- يعاني النازحون من نقص حاد في الأدوية والرعاية الطبية، حيث تتفاوت الخدمات بين مراكز الإيواء والمدارس، مما يترك المرضى دون علاج مناسب لأمراضهم.
- تعمل وزارة الصحة اللبنانية على توفير الأدوية والرعاية الصحية من خلال مراكز الرعاية والعيادات النقالة، بدعم من مساعدات دولية، لكن التحدي يبقى في تلبية الاحتياجات المتزايدة.

شاء القدر أن يُعاني المرضى في لبنان، مراراً وتكراراً، للحصول على الدواء والرعاية الاستشفائية، وتتضاعف آلامهم عبر السنوات. واشتدت المعاناة منذ تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد وانقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية الحيوية عام 2021، وما تبعها من أزمة دواء متكرّرة، وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي الذي تسبّب بموجة نزوح غير مسبوقة وترك مرضى من كبار السن والأطفال والنساء الحوامل من دون أدوية أو رعاية. 
واستفحلت أزمة الدواء خلال أيام النزوح الأولى، بعدما نزح نحو مليون شخص من الضاحية الجنوبية لبيروت ومحافظات الجنوب والبقاع وبعلبك ـ الهرمل إلى الشوارع ومراكز الإيواء، قبل أن تعلن وزارة الصحة العامة اللبنانية عن رقمين للخط الساخن، وتعلن عن توفر الأدوية في مختلف مراكز الرعاية الصحية الأولية. لكنّ صرخات المرضى تفاوتت بين مراكز الإيواء، حيث حظي البعض بالرعاية الطبية، في حين غابت تلك الرعاية عن مراكز أخرى. ولا يزال العديد من النازحين يفترشون الشوارع والأرصفة في ظل فقدان الدواء وانعدام أدنى مقوّمات الحياة. ويستمر النقص الحاد في الفرش والوسادات والبطانيات وغيرها من المستلزمات الأساسية في أكثر من مركز إيواء.
في كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة للجامعة اللبنانية في منطقة اليونيسكو (بيروت)، يحتشد نحو 900 نازح بعضهم فوق بعض، بانتظار الحصول على الأدوية والمستلزمات الطبية الطارئة. وتقول الناشطة الاجتماعية سارة شميساني، لـ"العربي الجديد": "كنت أتفقد أحوال الأطفال النازحين وحاجياتهم من فرش وبطانيات وألعاب ترفيهية وتعليمية، غير أنني فوجئت بمدى النقص الهائل في الأدوية لمختلف الفئات العمرية. صادفت نازحة تشكو من أنها نسيت أدوية ابنتها التي تعاني من مرض انفصام الشخصية، وقد أبدت قلقها من المضاعفات". 
من جهته، يعرب رجل ستيني يعاني من الأملاح الزائدة في الجسم عن خشيته من انتفاخ قدميه نتيجة عدم امتلاكه الدواء وعدم قدرته على شرائه بعد النزوح. بحزنٍ، تتحدث الناشطة الاجتماعية عن "الحالة الحرجة للعديد من مرضى القلب والأعصاب وارتفاع ضغط الدم ومرضى السكري وافتقارهم للأدوية وحقن الإنسولين، بالإضافة إلى عدم توفر أدوية الرشح والحرارة والمسكنات"، مشيرة إلى أن "الحاجات تتزايد، ما يتطلب رعاية طبية وصحية عاجلة".

أما فرح خريس، التي نزحت من الضاحية الجنوبية للعاصمة، فتقول لـ"العربي الجديد": "قضينا أول ليلة من النزوح في الشارع، قبل أن أنتقل برفقة أطفالي الثلاثة إلى إحدى مدارس بيروت، ووصلت الأمور إلى درجة اتهامي بالاستعانة بإحدى الوساطات للحصول على غرفة في المدرسة. نعاني من نقص في كل شيء، ومن ضمنها الأدوية، وحتى أدوية الرشح وارتفاع درجات الحرارة والسعال. مرض أحد أطفالي من جراء الاستحمام بالمياه الباردة داخل المدرسة، ولم نعد نقوى على التحمل". فرح، الوالدة التي كانت تعمل في عيادة أحد الأطباء قبل العدوان الإسرائيلي، تتحسر على حالها وحال أطفالها، وتأسف لـ"تفاوت الخدمات الرعائية بين مدارس يحظى فيها النازحون بالفحوصات والمعاينات الطبية والأدوية، ومدارس أخرى محرومة منها، أو لا يأتيها إلا ما تيسّر من متطوّعين وخيّرين، في وقت يقاسي فيه النازحون المنتشرون أمام مجمّع البيال وجامع محمد الأمين في وسط بيروت وعلى امتداد الكورنيش البحري لبيروت من أبشع الظروف".

نزوح في لبنان (كارل كورت/ Getty)
لم يجدا مركز إيواء لدى نزوحهما (كارل كورت/ Getty)

تحتضن سحر ابنها المريض، البالغ من العمر تسع سنوات، وقد بدت علامات القهر واليأس على وجهها، هي المشرّدة بين شوارع العاصمة، وتردّد بحرقة: "ابني بحاجة إلى حفاضات وأدوية خاصة نظراً لوضعه الصحي الصعب. لكن للأسف، نرى العديد ممّن يتوقفون لتفقد أحوالنا ويملأون الاستمارات ثم يختفون. لا أدوية ولا مساعدات. أرهقنا النزوح والعوز ناهيك عن التوتر اليومي وعدم القدرة على النوم جراء الغارات الليلية العنيفة التي تعصف ببيروت والضاحية الجنوبية".

إلى ذلك، يكشف مدير العناية الطبية في وزارة الصحة العامة في لبنان جوزيف الحلو أن "مراكز الرعاية الصحية الأولية في مختلف المناطق اللبنانية توفر الأدوية المطلوبة للنازحين، بالإضافة إلى العيادات النقالة المجهزة بطواقم طبية وتمريضية، والتي تجول على مراكز الإيواء في البلاد". ويشير الحلو في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الإرباك وأزمة الدواء حصلت مع بداية موجة النزوح الكبيرة واستمرت يومين، والسبب يعود، كما اعترفت الدولة اللبنانية، إلى عدد النازحين الكبير والمفاجئ. نزح في غضون يومين نحو مليون و200 ألف شخص، وهو عدد ضخم لا يمكن استيعابه. لا قدرة لأي دولة حول العالم على تحمّل نزوح ربع سكانها خلال 24 ساعة"، ويؤكد أن "خطة الطوارئ الصحية لم تكن تتوقع هذا العدد الهائل من النازحين بوقت قياسي. مع الأسف، لم تكن المدارس مجهزة لتصبح مراكز إيواء ملائمة، ولا يزال النازحون حتى اليوم يستغيثون للحصول على الفرش والبطانيات والطعام والمياه والكهرباء ومادة المازوت، بينما تعمل وزارة الصحة على توفير الأدوية من خلال مراكز الرعاية الصحية الأولية، إلى جانب تخصيصها الرقمين 1214 و1787 باعتبارهما خطين ساخنين تحت تصرف النازحين".

وعن شكوى النازحين الذين حُرموا من الدواء بسبب نسيانهم الوصفة الطبية، يوضح أنه "من غير الممكن إعطاء الأدوية من دون وصفة طبية، وإلا نلحق الضرر بالمريض". يضيف أنه مع بدء عمل العيادات النقالة، نظمت العملية أكثر، وتولى أطباء متخصصون فحص المرضى وتقييم حالاتهم ووصف الدواء المناسب لهم. أما بالنسبة لمرضى السرطان، فقد وجّهناهم نحو المستشفيات الحكومية، مع استمرار حصولهم على الأدوية على نفقة وزارة الصحة العامة. ونتابع أيضاً علاج مرضى غسيل الكلى". وإذ يستبعد الحلو "انقطاع الأدوية أو عجز القطاع الصحي عن تلبية الحاجات المتزايدة"، يؤكد أن "الرعاية الصحية للنازحين متجهة نحو التحسن، خصوصاً بعد تلقي لبنان أخيراً مساعدات عاجلة شملت أدوية ومستلزمات طبية من العراق والأردن وإيران والكويت والهند وفرنسا، والتي تمّ توزيعها على مراكز الرعاية الصحية الأولية"، ويختم حديثه قائلاً: "لا نواقص طبية حاليّاً، إنما الهمّ الأساسي لكل الشعب اللبناني أن تتوقف الحرب".

المساهمون