لبنان: اللاجئون السوريون في مواجهة الصقيع

15 نوفمبر 2021
هكذا تصير مخيمات اللاجئين شتاء (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

مرة جديدة، يدفع اللاجئون السوريّون في لبنان ثمن حرمانهم أبسط مقوّمات الحياة الكريمة. وبعدما ارتفعت أسعار مادّتَي الغاز والمازوت بشكلٍ كبير من جراء رفع الدعم الحكومي عن المحروقات، طرأت مشكلة أساسية أساسها عجز اللاجئين عن تحمّل الأعباء الباهظة لتأمين وسائل التدفئة والإضاءة والطهو، ما يتركهم في مهبّ العواصف والصقيع وسط أزمة معيشيّة خانقة. إذ أنّ مساعدات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان تبقى قاصرة عن تلبية احتياجات المسجّلين وغير المسجّلين لديها.

الوقود غير مشمول
توضح المتحدثة بإسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دلال حرب، في حديثها لـ "العربي الجديد": "في ظلّ الأزمة الاقتصادية في لبنان، تزيد المفوضية من مساعدتها لتشمل أكبر عدد من العائلات الأكثر ضعفاً وتضرراً، بما فيها العائلات اللبنانية. كما تُخطّط لدعم البلديات من خلال الألواح الشمسية وإصلاح المولّدات الكهربائية ودعم إدارة مياه الصرف الصحي ومياه الشرب والري وإدارة النفايات بالإضافة إلى مواد الإغاثة الأساسية (بما في ذلك البطانيات والثياب الشتوية). لكن هذا لا يكفي. لذلك، نواصل كمفوضية دعوة المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم الإضافي والمستمر".
وتكشف أنّ "المفوضيّة ستقدّم مساعدات نقدية للأسر اللبنانية واللاجئة الأكثر ضعفاً، ما يسمح لها بالاختيار بناءً على حاجاتها وأولوياتها، إلا أنّه لم يتمّ تضمين الوقود أو الغاز في مواد الإغاثة الأساسية التي تقدّمها المفوضية مباشرةً إلى العائلات". تضيف حرب: "في سبتمبر/ أيلول 2021، تمكّنت المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي والشركاء من زيادة قيمة المساعدات النقدية والغذائية للاجئين الأكثر ضعفاً، ويعيش 9 من كلّ 10 لاجئين سوريين في فقرٍ مدقع. وتسمح هذه الزيادة بدعمهم بمبلغ أقرب إلى سلة الإنفاق الأدنى للبقاء - أو خط البقاء - الذي ما يزال يتجاوز قيمة مساعدات المفوضية. ومن خلال التمويل المتاح حاليّاً للمساعدات الإنسانية، تستطيع المفوضية الوصول إلى 57 في المائة من أسر اللاجئين بمساعداتٍ نقدية شهرية، علماً أنّ العدد المسجّل لدى المفوضية يبلغ 851.717 لاجئاً سورياً، وتوقّفت الأخيرة عن التسجيل منذ عام 2015 بناءً على طلب الحكومة اللبنانية آنذاك".

مساعدات خجولة
من جهته، يقول مدير "فريق صوت اللاجئ السوري في لبنان" (مجتمع مدني) أبو أحمد صيبعة، لـ "العربي الجديد"، إنّ "اللاجئين السوريين في بلدة عرسال (الحدود اللبنانية السورية) يواجهون سنويّاً عواصف ثلجية قاسية تنقطع معها أواصر الحياة بين الأحياء والمخيمات". ويشير إلى أنّ "المفوضيّة قدّمت العام الماضي مساعدة شتوية لكل عائلة لاجئة بلغت قيمتها 950 ألف ليرة لبنانية (الدولار الأميركي= 1500 ليرة بالسعر الرسمي، ونحو 22 ألف ليرة بالسعر الفعلي) لشراء مادة المازوت، علماً أن سعر الأخيرة كان مدعوماً ولا يتجاوز 14 ألف ليرة لبنانية، للتنكة الواحدة (20 ليتراً)". ويشير إلى أن "المفوضية، كما علمنا، ستقدّم مساعدات لشريحة من اللاجئين، على أن تبلغ قيمة المساعدة لكل عائلة خلال العام الحالي ما قيمته ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف ليرة لبنانية، أي ما يعادل 12 تنكة مازوت تقريباً، وهي مساعدة بالكاد تكفي شهراً واحداً. وبات سعر التنكة اليوم نحو 14 دولاراً أميركيّاً. 

تأمين وسائل التدفئة لن يكون سهلاً هذا الشتاء (بلال جاويش/ الأناضول)
تأمين وسائل التدفئة لن يكون سهلاً هذا الشتاء (بلال جاويش/ الأناضول)

ويتابع صيبعة أنّ "كلّ أسرة لاجئة تحتاج يوميّاً ما بين 7 إلى 8 ليترات مازوت، أي ما تبلغ كلفته نحو 137 ألف ليرة لبنانية. وفي حال استخدام التدفئة طوال الشهر، تحتاج كل عائلة لما لنحو ثلاثة ملايين و850 ألف ليرة لبنانية شهريّاً، لافتاً إلى أنّ "اللاجئين يعانون في الوقت الحالي نقصاً حادّاً في المازوت، وهذا ما يقلقهم، بينهم كبار السن والأشخاص ذوو الإعاقة الذين هم في حاجة ماسّة للتدفئة".

الحطب بديل عن الغاز
ويوضح صيبعة أنّ "عدد اللاجئين السوريين في بلدة عرسال وحدها يبلغ نحو 12 ألف عائلة أي ما يقارب 70 ألف نسمة" مؤكداً أن "الوضع المعيشي للاجئين صعب للغاية ولا تكفي المساعدات المقدّمة من المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي". يضيف أنّ "ارتفاع سعر المازوت جعلنا نتكبّد فواتير باهظة لقاء الاشتراك بمولّدات الكهرباء. ومع ارتفاع سعر قارورة الغاز بشكلٍ جنونيّ، لجأ العديد من اللاجئين لاستخدام الحطب من أجل تجهيز المؤن الشتوية كالمكدوس والمربّى".

ويشدّد رئيس اللجنة الاجتماعية السورية في طرابلس (شمال) محمد نحلاوي أنّ "المفوضية تقدّم عادة مبلغاً زهيداً للتدفئة بالكاد تغطّي كلفة شهرٍ واحد، ولقسمٍ من العائلات المسجّلة لديها"، محذّراً من أنّ "الوضع سيكون مأساوياً هذا العام. ولغاية تاريخه، لم نُبلّغ بأي تحضير أو جهوزية استعداداً للأمطار والعواصف، وخصوصاً للقاطنين في الجرود والقرى شديدة البرودة".
ويركّز على "أهمية التنسيق بين المنظمات المعنيّة باللاجئين وإعداد بيانات متكاملة حولهم، بهدف توزيع المازوت بشكل أسبوعي أو شهري، حتى لا تحرم أيّ عائلة لاجئة من المساعدات. أمّا أزمة الغاز في جرود الضنية وعكار وطرابلس (شمال لبنان)، فحالها حال المناطق اللبنانية كافّة، بعدما ارتفع سعرها وفُقدت بعض الأحيان. وعلى سبيل المثال، طلبت منّي عائلة لاجئة تأمين قارورة غاز لتسيير أمورها اليومية، إذ إنّ ربّ الأسرة يعاني من فشل كلوي. واستغرق الأمر 15 يوماً حتّى تمكّنتُ من شرائها من السوق السوداء وبأضعاف السعر. هناك مَن بدأ بالعودة إلى الحطب للطهو بعدما حُرم من أبسط مقوّمات العيش".
ويختم نحلاوي حديثه قائلاً: "اللاجئون السوريّون يعيشون حياة قاسية، وعلى المفوضية والمنظمات الدولية أن تجد حلّاً يخفّف من معاناتهم. ولم يعد في إمكان كثيرين منهم دفع بدل إيجار المنزل، وباتت تقطن أكثر من عائلة في بيتٍ واحدٍ، ما تسبّب بمشاكل وضغوط نفسية عديدة".

المساهمون