استمع إلى الملخص
- يعمل الطاقم الطبي في المستشفى اللبناني الإيطالي في ظروف صعبة، مع التركيز على الجراحة العامة والعناية الفائقة، رغم الأضرار وانقطاع الطرق المؤدية للمستشفى.
- المستشفى مجهز لاستقبال 100-110 مرضى ويقدم خدمات متنوعة، مع نقل المرضى لمستشفيات أكثر أمانًا عند تحسن حالتهم للحفاظ على الموارد.
رغم ما تشهده مدينة صور من تدمير بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، يرفض أطباء المغادرة ويصرون على البقاء حتى النفس الأخير.
ضاعفت الغارات الإسرائيلية العنيفة التي استهدفت مدينة صور جنوبي لبنان، حجم المعاناة الإنسانية لدى أهالي المدينة وسكانها، وانسحبت على القطاع الطبي والتمريضي الذي يصارع للبقاء من أجل تقديم الرعاية الصحية للجرحى والمرضى في صور والجوار، رغم القصف الكثيف والمتكرر في محيط مستشفيات المدينة.
وكانت مدينة صور قد شهدت موجة نزوح جديدة عقب تحذيرات جيش الاحتلال للسكان بضرورة إخلاء أجزاء كبيرة من المدينة. وعلى وقع الذعر والرعب ومكبّرات الصوت في المدينة الداعية إلى الإخلاء، تداعى العديد من الأهالي والنازحين من المناطق الجنوبية الحدودية، للهرب خارج المدينة أو باتجاه شاطئ صور، ما أعاد إلى الذاكرة المشهد المأساوي لفرار أهالي غزة واحتمائهم بالشاطئ.
بحرقة، يروي طبيب الجراحة العامة والطوارئ في المستشفى اللبناني الإيطالي في مدينة صور، الدكتور إبراهيم فرج، الظروف الصعبة التي يعمل فيها الطاقم الطبي والتمريضي في المستشفى وكل مستشفيات المدينة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان وحتى اليوم. ويقول لـ "العربي الجديد": "وضعنا ليس سهلاً على الإطلاق، إذ إن محيط المستشفى اللبناني الإيطالي يتعرض للقصف بشكل يومي، كونه يقع في آخر مدينة صور لجهة المناطق الحدودية. وقد دُمّرت أبنية مجاورة للمستشفى بعيدة نحو 50 متراً فقط، ما أدى إلى أضرار في المستشفى. وتساقط كل الزجاج في الطابقين الثالث والرابع. وأصبحنا محصورين بالعمل فقط في الطابقين الأول والثاني وفي الطابق السفلي المخصص للأشعة والمختبر والعمليات الجراحية".
ويشير فرج إلى أن "خلية الأزمة حدّدت أسماء الأطباء والممرضين المفترض أن يواصلوا خدماتهم في المستشفى، وعلى مستوى الموظفين والإداريين وعمّال الصيانة، فقد بقي الضروري منهم. أما الأطباء الذين بقوا، فهم من تخصّصات الجراحة العامة والجراحة العظمية والعناية الفائقة والطب النسائي وأطباء الطوارئ، بينهم متخصص في طب الأطفال. الواقع صعب على كل الكادر الطبي والتمريضي، والطريق الوحيد المفتوح باتجاه المستشفى هو الشارع العام الذي تسلكه سيارات الإسعاف، ويؤدي إلى قلب مدينة صور أو باتجاه مدينة صيدا (المدخل الجنوبي)، في وقت إن كل الطرقات خلف المستشفى والتي تؤدي إلى القرى والبلدات المجاورة، مثل قانا والبازورية والبرج الشمالي، هي مقطوعة أو محفوفة بالمخاطر".
الطبيب المتخصص في جراحة الحرب في إيطاليا، والمتحدر من بلدة البازورية (جنوب)، يردّد بحزم: "لن أترك موقعي ولن أتخلى عن دوري ومهامي الإنسانية حتى آخر نفس. سأغادر المستشفى بعد أن يقطعوا الطريق الأخير المؤدي إليه. حتى اليوم، عايشت ست حروب، من الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وحرب الأيام السبعة عام 1993، وكل الحروب المتقطّعة ما بين هذه السنوات، وصولاً إلى عناقيد الغضب عام 1996، وحرب تحرير الجنوب عام 2000، وحرب يوليو/ تموز عام 2006 والحرب الإسرائيلية الراهنة. ورفضت ثلاث مرات طلب السفارة الإيطالية مغادرة البلاد".
ويوضح أن "المستشفى اللبناني الإيطالي يتّسع لنحو 100 إلى 110 مرضى، ويضمّ كل التخصصات الطبية ويوفر العلاج لمرضى غسيل الكلى، إلى جانب قسم لحديثي الولادة و20 سريراً في غرف العناية الفائقة. كما كان المستشفى يجري بين 350 و380 عملية جراحية في الشهر، ويحتوي على براد مخصص لحفظ الموتى ويتّسع لست جثث. وخلال هذه الفترة، نقوم بعلاج الجرحى والحالات الطارئة من المدنيين في صور والبلدات المجاورة. وكان لدينا حتى يوم الأربعاء نحو 20 مريضاً، لكننا نحرص على ألا يبقى الجرحى والمرضى وقتاً طويلاً في المستشفى، إنما نعمل على نقلهم إلى مستشفيات أخرى أكثر أمناً عندما تسمح أوضاعهم الصحية. المعركة طويلة على ما يبدو، ونحاول الحفاظ على موارد المستشفى قدر الإمكان، حتى لو أننا لا نعاني اليوم أي أزمة في المعدات والمستلزمات الطبية والأدوية".
ويلفت طبيب الجراحة العامة والطوارئ إلى أنه على اتصال يومي بزملائه في مستشفيات صور، "التي تعرضت بدورها لقصف أبنية محاذية لها. فالواقع متشابه في كل مستشفيات المدينة التي لا تزال تواصل خدماتها الصحية والطبية، رغم كل المخاطر". ويأسف لمشهد لجوء قوافل من المواطنين للاحتماء بشاطئ مدينة صور، "وهو مشهد ذكّرنا بمأساة نزوح أهالي غزة نحو الشاطئ". وعن إحدى تجاربه المريرة، يسرد الطبيب اللبناني الإيطالي كيف أن طفلاً كان مُصاباً بوجهه ويديه إصابة بليغة شوّهت معالم وجهه الطفولي، حتى أصبح بلا وجه وبلا يدين وقد فقد نظره، قال له بصوتٍ خافتٍ فور خروجه من غرفة العمليات: "عمّو الحكيم ليش طافي علييّ الضو (لماذا أطفأت النور عليّ)؟ كتير عتمة". يضيف: "بسرعة البرق أجبته، كذباً بأن الاشتراك بالمولد الكهربائي في المستشفى لا يحتمل أكثر، وطلبت منه الصبر قليلاً. لكن المحزن أن "اشتراك الحياة لدى الطفل انطفأ للأبد بعد ساعاتٍ معدودة. بكيتُ عليه وعلى نور عينيه، وبكيتُ وما زلت أبكي، لأنني لم أقدّم له اعتذاري عن كل الكذب في هذا الوطن الأعمى".
وكان المستشفى اللبناني الإيطالي قد شهد منذ نحو ست سنوات عملية إعادة تأهيل شاملة لمعظم أقسامه، من الطوارئ والجراحة العامة والعمليات الجراحية والأشعة والمختبر، إلى العناية الفائقة ورعاية حديثي الولادة والطبابة والاستشفاء، وصولاً إلى العيادات الخارجية وقسم غسيل الكلى والصيدلية ومختبر الأنسجة وقسم الأطفال والتوليد النسائي. وتم تجهيز الأقسام المذكورة بأحدث الأجهزة الطبية الحديثة، وافتتاح قسم جديد لعلاج القلب (العناية القلبية والقسطرة القلبية)، كما تم رفد المستشفى باختصاصيين في مختلف المجالات من إداريين وأطباء وممرضين، لضمان معايير الرعاية والجودة للمرضى.