لبنان: الأبنية القديمة في مرحلة خطر من الهزات

09 فبراير 2023
يعقّد الوضع الراهن في لبنان مراقبة المباني الآيلة إلى السقوط (حسين بيضون)
+ الخط -

أعادت سلسلة الزلازل التي ضربت تركيا وسورية بدءاً من فجر الاثنين الماضي، وتلقى لبنان ارتداداتها، إلى الواجهة موضوع السلامة العامة في قطاع المباني المُهمَل من قبل الجهات الرسمية، رغم وجود أرقام لافتة بعدد الأبنية التراثية والسكنية المتصدّعة والآيلة إلى السقوط. واعتبرت الهزة القوية التي ضربت لبنان بقوة 4.8 درجات على مقياس ريختر الأقوى منذ أعوام، وخلّفت أضراراً مادية محدودة وخفيفة في بعض المناطق. 
تقول رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، المحامية أنديرا الزهيري، في بيان: "نحن في مرحلة خطر، ولا يمكن أن نستهين بقوة الهزات وتداعياتها على الأبنية القديمة والعشوائية". تضيف: "يتجاوز عدد الأبنية الآيلة إلى السقوط 16,200، بينها 10,460 في محافظة بيروت وحدها، من دون احتساب منطقة المرفأ ومحيطها المتضرر بانفجار 4 أغسطس/ آب 2020، وتليه منطقة الشمال (4000)، ثم تتوزع باقي الأرقام بين محافظات الجنوب وجبل لبنان والبقاع.
في السياق، يوضح رئيس الجمعية اللبنانية لتخفيف أخطار الزلازل، المهندس راشد جان سركيس لـ"العربي الجديد" أن "تواريخ إنشاء الأبنية ليست أبداً معيار المتانة وقوة احتمال الزلازل، إذ توجد أبنية قديمة متينة ومقاومة للزلازل، علماً أن كثيراً من الأبنية الحديثة لن تتحمّل زلزالاً بقوة أكثر من 5 درجات على مقياس ريختر، وهذا الكلام ليس للتخويف، بل قول للحقيقة كاملة".
ويشير إلى أن "أي مسح للمباني المتصدّعة لم ينفذ لمرة واحدة في لبنان، بل حصل ضمن مهمات شملت مناطق محدودة مثل طرابلس، حيث قارب نحو 400 عدد المباني التراثية التي تحتاج إلى عناية وتدعيم وتأهيل. وفي بيروت حُكيَ مرات عن الأمر من دون الوصول إلى أرقام واضحة وخرائط تحدد المواقع، وبالتالي لا يكفي إصدار أرقام لا تستند إلى معطيات مثبتة".
ويلفت إلى أن "موضوع الزلازل والمباني المقاومة لها يفتح الباب على أهمية القيام بمهمات مسح كبيرة تمهد لتوجيه إنذارات إلى أصحاب ممتلكات لا تتوافر فيها الشروط المطلوبة على صعيد المتانة والسلامة. ولو امتلكنا وزارة تخطيط، لحصل هذا الأمر لا محالة".

الصورة
تحتاج أعمال المسح والصيانة والترميم إلى تمويل (حسين بيضون)
تحتاج أعمال المسح والصيانة والترميم إلى تمويل (حسين بيضون)

ويشير سركيس إلى أن نقابة المهندسين في بيروت نفذت عام 2020 مسحاً ميدانياً للمباني التي تضررت كثيراً بفعل انفجار مرفأ بيروت، وصارت تشكل خطراً على السلامة العامة لقاطنيها والجوار. وشملت هذه العملية أكثر من 3 آلاف مبنى بقياسات مختلفة، وتبين وجود حوالى مائة بينها، في حالة تتطلب عناية فائقة، وتراوح حال الأبنية الأخرى بين وسط ومتين، "أما إذا أردنا التصنيف الحقيقي، يجب وضع معايير قياسية تُحدَّد بموجبها الأرقام والأعداد بدقة أكبر".

وعن مدى مراعاة الأبنية، وبعضها حديثة، معايير السلامة العامة، يقول سركيس: "اقرأ تفرح، جرّب تحزن. معايير السلامة العامة موجودة ومكتوبة في النصوص القانونية والتنظيمية، ويفترض احترامها، وهنا لبّ المشكلة في لبنان، فالتطبيق لا يحصل بنسب مقبولة، وهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر في آليات المراقبة وتأكيد الجدية والالتزام المحقق".

الصورة
لا تطبيق لمعايير السلامة العامة في لبنان (حسين بيضون)
لا تطبيق لمعايير السلامة العامة في لبنان (حسين بيضون)

من جهته، يقول رئيس "شبكة سلامة المباني"، المهندس يوسف عزام، لـ"العربي الجديد": "تتمثل المشكلة الكبرى في لبنان بعدم وجود قاعدة بيانات لدى الدولة، وغياب عمليات المسح الجدية، وحتى المحاولات المحدودة التي حصلت في هذا الإطار، وشملت أحدها مسح 400 مبنى في بيروت بعد وقوع مبنى فسوح في منطقة الأشرفية عام 2012 حين قتل أكثر من 20 شخصاً لم تُستكمل، وتوقف العمل فيها لعدم توافر موارد مالية كافية".
ويلفت إلى أن "لا أرقام رسمية بعدد المباني المتصدعة والمهددة والآيلة إلى السقوط، والرقم الوحيد المتداول إعلامياً أو عبر تصريحات بعض المسؤولين هو نحو 16,200 مبنى، القسم الأكبر منها في بيروت، علماً أنه غير صادر بناءً على مسح ميداني وتقني، لذا يمكن أن يكون الرقم أعلى، وخصوصاً في ظل وجود مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، والمناطق غير المرخصة التي لم تؤخذ بالاعتبار، والتي لا تطابق حوالى 80 في المائة منها مواصفات السلامة العامة، ولا تصلح للعيش، وفق ما ذكر بيان سابق أصدره البنك الدولي".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويتوقف عزام عند واقع الأبنية التي توجد في الأحياء الشعبية والقديمة والتي يفترض أن تراقب الجهات الرسمية وضعها من اجل التأكد من سلامتها ومطابقتها المعايير، وعدم انتظار الكارثة للتحرك، إذ لا يمكن توقع العوامل الطبيعية. ويتطرق إلى النقاط العشوائية غير المرخصة والأبنية المخالفة، ويأسف لتنظيم الدولة مخالفات مقابل بدل مادي بدلاً من المحاسبة والمساءلة "فهذه جريمة بحد ذاتها".
في المقابل، يقول مصدر في وزارة الداخلية اللبنانية لـ"العربي الجديد"، إن "الملف بين الأولويات، وتجري متابعته مع الجهات المعنية، لكن الوضع الراهن في لبنان يعقّد الأمور، فالأزمة الاقتصادية والانهيار النقدي يؤثران سلباً في تنفيذ أعمال مسح وصيانة وترميم، من هنا أهمية الحصول على تمويل للقيام بالمشاريع اللازمة".

الصورة
لم ينفذ أي مسح للمباني المتصدّعة في لبنان (حسين بيضون)
لم ينفذ أي مسح للمباني المتصدّعة في لبنان (حسين بيضون)

والاثنين الماضي ترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اجتماعاً طارئاً لـ"اللجنة الوطنية لإدارة الكوارث والأزمات"، وتابع فيه الإجراءات الخاصة بالهزة الأرضية، ووزّع المهمات على الوزارات المعنية، وبينها الداخلية، التي كلّفت البلديات فوراً إجراء مسح للمباني ضمن نطاقها البلدي (مسح أولي ميداني يليه مسح تقني)، وإعلام الوزارة ضمن مهلة 72 ساعة بعدم أهلية أي مبنى للسكن حتى يُبنى على الشيء مقتضاه، وذلك بالتعاون مع مسؤولين في نقابتي المهندسين وشركات القطاع الخاص المعنية.
وقرّر مجلس الوزراء أيضاً تشكيل لجنة برئاسة وزارة الأشغال العامة والنقل تضم مهندسين من نقابتي المهندسين في طرابلس وبيروت والقطاع العام والخاص لإجراء مسح جيوفيزيائي للأبنية المتصدعة وفقاً للأولويات الآتية: مدارس، جامعات، مستشفيات، سدود، جسور، أماكن سكنية.

المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.