المكان مساحة أرض صغيرة مهجورة ومهملة مقره أمام بيت متواضع في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، حيث لا شيء يدل على وجود مقهى في ساحة بالمخيم، لكنه يستقبل البنات مساءً بعد عودتهن من العمل وإنجازهن مهماتهن كي يأخذن قسطاً من الراحة المفيدة، ويروّحن عن أنفسهن من ضغوط المهمات اليومية.
تقول صاحبة فكرة مقهى "قهوة بنات"، أمل قصاص (22 سنة)، إن كل المحتويات من فرش ولوحات وأشياء أخرى مصنوعة يدوياً. مقاعد الأرض هي إطارات للدراجات الهوائية جرى تجميعها وتلوينها، والفرش المستخدم لجلوس الزوار بطانيات مطرزة، أما زينة الجدران فلوحات صغيرة معلقة على أبواب خشب.
وتضيف قصاص المتحدرة من بلدة طبريا الفلسطينية، والنازحة من سورية: "جئت قبل 11 سنة مع عائلتي إلى لبنان، ونعيش في مخيم برج البراجنة ببيروت. تابعت تعليمي في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم (أونروا) حتى الصف العاشر، ثم تركت المدرسة بسبب خطبتي التي فسختها لاحقاً، لأقرّر تعلم التجميل في معهد سبلين للتدريب المهني".
وتتابع: "بعدما أنهيت التعليم عملت في صالون تجميل، لكن صاحبة المحل كانت تتنمّر عليّ بسبب جنسيتي ولهجتي في الكلام التي طلبت تغييرها، وهو ما رفضته بالطبع، علماً أنها كانت تعطيني أجراً أقل من الموظفة اللبنانية، فتركت العمل. وحين انتقلت إلى عمل آخر أصبت بالتهاب في الأمعاء، واحتجت إلى الخلود إلى راحة فرفضت صاحبة المحل أن تعطيني إجازة، في وقت استمر تمييزي عن الموظفة اللبنانية على صعيد الراتب فقررت التوقف عن العمل في المحلات بعد ذلك، والعمل من البيت فقط. لكن ذلك لم ينفع مادياً".
وتوضح: "نصحني شخص بأن أفتح محلّاً خاصاً بي، واستدنت مبلغاً مالياً من أجل تجهيز غرفة واسعة في الطابق الأول لمنزلنا، وكررت الاستدانة مرات لإنهاء المشروع فزادت دفعاتي الشهرية. ثم قررت أن أفتح في الساحة التي يطل عليها محلي مقهى للبنات حتى يكون دخلي أكبر، ويسمح بتسديد ديوني".
المقهى متنفّس للبنات
وتتابع: "صحيح أن فكرة المقهى أتت بسبب حاجتي إلى رفع دخلي المادي، لكنني كنت مقتنعة أيضاً بأهمية إنشاء متنفّس للبنات اللواتي لا يستطعن البقاء خارج بيوتهن إلى وقت يتجاوز الساعة السابعة مساءً في فصل الشتاء تحديداً، في حين أن وجود المقهى في المخيم يسمح بسهر الفتيات حتى الساعة العاشرة، لأن الأهل يعلمون بمكان وجود بناتهم وأنهن في أمان".
فارق كبير في الأسعار
وأصرّت أمل على أن "مشروع المقهى ناجح، لأن البنات اللواتي يأتين يلحظن الفارق في الأسعار بيننا وبين المقاهي خارج المخيم. كما أن المساحة المتاحة لهن على صعيد الوقت أكبر، ويسمح الأهل بامتدادها لوقت إضافي خلال فترة الليل. والحقيقة أن الأسعار رمزية جداً في قهوة بنات التي تتوفر فها مشروبات باردة وساخنة ونراجيل وعصائر ومكسرات صينية، وتستطيع جميع الفتيات تحمّل الأسعار بخلاف مقاهٍ أخرى".
وتقول إحدى زائرات المقهى التي تقيم في مخيم برج البراجنة؛ أم أحمد، لـ"العربي الجديد": "إنجاز فتاة مشروع مقهى وتشغيله بنجاح إنجاز جيد. وفي كل الأحوال، تحظى قهوة بنات بأهمية كبيرة في المخيم ووجودها ضروري جداً، لأن النساء يستطعن قصدها في أي وقت. وأنا مثلاً آتي إلى هنا في شكل دائم من دون أن أتكلّف أجرة الطريق التي باتت مرتفعة جداً، وهو ما يشكل أحد أسباب تروّينا في التفكير بالخروج من المخيم لقضاء أي أمر. والأسعار هنا مقبولة، والمقهى يساعد في تخفيف الضغوط النفسية التي نعيشها بسبب متطلبات العمل الصعب والوضع الاقتصادي الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم".