لبنانيون في الشارع مجدداً بعد الهزّة الأرضية

21 فبراير 2023
الشارع كان خيار عدد من اللبنانيين إثر وقوع الهزة (حسام شبارو/ الأناضول)
+ الخط -

ليلة عصيبة أمضاها اللبنانيون بعد الهزّة الأرضيّة التي شعروا بها مساء أمس. وهرع عددٌ من المواطنين والمقيمين، لا سيّما في العاصمة بيروت وشمال البلاد وجنوبها، إلى الشوارع وبعض الجوامع والكنائس والباحات والحدائق العامّة والأماكن المفتوحة والملاعب الرياضيّة، وسط حالة من الهلع والقلق والذعر. مشهد تكرّر بعد الزلزالين المدمرين اللذين ضربا جنوب تركيا وشمال سورية في السادس من الشهر الجاري، في وقت يشعر لبنانيون بعدم القدرة على تحمل أي أزمة أو كارثة جديدة في ظل ما يعيشونه يومياً من جراء الأزمة المعيشية والاقتصادية الصعبة، وارتفاع الأسعار الجنوني، وانهيار الدولة.  
وعلى وقع تكبيرات المساجد وقرع أجراس الكنائس وصافرات الإنذار، احتشد مواطنون في الطرقات حاملين أطفالهم أو حقائبهم المعدّة سلفاً، بينما لجأ آخرون إلى السيارات باعتبارها خلاصهم الوحيد، ما تسبّب بزحمة سيرٍ خانقة في شوارع العاصمة والعديد من المناطق. كما سارع البعض إلى إخلاء المباني المرتفعة. ولم يخلُ الأمر كما في المرة السابقة، من إطلاق الرصاص لتنبيه الأهالي، وسط امتعاض العديد من هذا الأسلوب الذي أرعبهم ودفعهم للاحتماء تحت المباني، ما فاقم من خطورة الوضع، كما روى مواطنون لـ "العربي الجديد". 
ويشير مصدر في بلدية بيروت إلى "عدم اتخاذ أيّة إجراءات. فالحدائق والساحات العامّة مفتوحة. كما أن الملعب البلدي (ملعب كرة قدم) مفتوح لوجود عناصر للجيش اللبناني فيه، في حين أنّ حرش بيروت مفتوح بجزءٍ منه. لكن المدينة الرياضية خارج نطاق بلدية بيروت، كاشفاً أنّ "البلدية شكّلت بعد الزلزال المدمّر لجنة لدراسة خطط معالجة الكوارث، لكن لم تصل إلى نتائج بعد، ومعروف في لبنان أنّ عمل اللجان يستغرق سنوات. ولعلّ الهزّة يوم أمس تحرّكهم لوضع خططٍ فعليّة". وأغلقت المؤسّسات التعليميّة أبوابها اليوم الثلاثاء بعد قرار وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، "إقفال المدارس والثانويات والمهنيات والجامعات الرسميّة والخاصّة كافّة".

صراخ وهرولة وبكاء

في مدينة طرابلس (شمالاً)، تصف ريهام الأيوبي، وهي أم لطفلين، حالة الرعب والخوف التي عاشتها، وهي كانت عائدة من عملها في بيروت. تقول: "لدى وصولي، وجدتُ أهل الحي في الساحة. هرعتُ إلى منزل أهلي وكانوا يحتضنون ولديّ. ابني كان نائماً، فحملته أختي فور شعورها بالهزّة الأرضيّة كي لا تقع عليه الخزانة أو ما شابه، فاستيقظ مرتعباً وبدأ يرتجف ويردّد: شو يعني بدنا نموت؟ ابن السنوات الخمس أدرك حتّى أنّها هزّة ولم يعجز عن لفظ كلمة ارتداديّة رغم صغر سنّه". أمّا ابنتي (8 سنوات)، فكانت تنجز دروسها وفجأة شعرت بالكرسي يهتزّ، فأخذت أغراضها المحبّبة وركضت إلى خارج المنزل وهي تبكي". تضيف: "خالتي كذلك غادرت منزلها في منطقة الميناء (طرابلس)، وابتعدت مع عائلتها عن الشاطئ خوفاً من موجات تسونامي".

وفي عاصمة الشمال، تخبر إيمان حمد كيف كانت برفقة زوجها وأولادها في السيارة، حين بدأت الهزّة وهرع المواطنون من أطفال وكبار إلى الشارع، واكتظّت محطّات الوقود بالسيارات لملء خزّاناتها والهرب بعيداً، فيما لجأ البعض إلى الجوامع. ونحن بدورنا بقينا في الشارع حتّى استقرّ الوضع".
وفي بلدة برمانا (جبل لبنان)، تتحدث المواطنة رنا غنوي عن شعور الخوف بعد عودتها من العمل في بيروت، قائلة: "كنتُ أنتظر في سيارتي إلى حين وصول شقيقتي وعائلتها لأبيت عندها، نظراً لبعد المسافة من عملي إلى منزلي في جنوب البلاد. وكنتُ على اتصالٍ مع أولادي قبل أن يخلدوا إلى الفراش. فجأة بدأت الهزّة الأولى، واعتقدتُ أنّ سيارتي اهتزّت لمرور أخرى بجانبها، غير أنّ الهزّة الثانية كانت قويّة جدّاً واهتزّت السيارة والأشجار، فبدأت بالصراخ ومناشدة زوجي عبر الهاتف الذي بادر إلى تهدئتي، في حين خاف الأولاد علي وطلبوا مني البقاء داخل السيارة". 
رنا التي تقصد بيروت يومين في الأسبوع لإنجاز عملها، تصف كيف أنّها ولبرهة نسيت كلّ ما تملكه من خبراتٍ في مجال الإسعافات. وتقول: "لازمني القلق والتوتّر نحو نصف ساعة قبل أن أتمالك أعصابي. فالإنسان لحظة وقوع الكارثة يتملكه الخوف من النهاية ويصير أكثر تعلقاً بالحياة".

ليلة في السيارة (حسام شبارو/ الأناضول)
ليلة في السيارة (حسام شبارو/ الأناضول)

"تروما" الزلازل تلازم الصغار والكبار

وللشاب إبراهيم قصته مع الزلازل، هو الذي عاد إلى بلدته البقاعيّة بعدما كان مقيماً في بيروت. وتعرّض لإصابة استدعت عمليّة جراحيّة لدى وقوع الزلزالان في 6 فبراير/شباط الجاري. ويقول: "كنتُ أسكن في شقة في الطابق السابع، فركضتُ كما سائر الأهالي والسكّان خوفاً من انهيار المبنى فوق رؤوسنا. إلا أنّني وقعتُ على الدرج، وأُصبت بكسرٍ تطلّب دخولي المستشفى".
يتابع: "ليلة أمس، كنتُ في فراشي في المنزل، كوني ما زلتُ غير قادرٍ على التحرّك. فجأة، بدأ السرير يهتزّ وبدأت الثريّا تتمايل، ما أعاد إلى ذهني ما حصل خلال وجودي في بيروت، وتذكّرتُ كيف كان سكان المباني المجاورة يصرخون مرتعبين، ويردّدون الله أكبر، وكيف رُفع أذان المساجد وانطلقت نداءات المواطنين لإخلاء المنازل. إنّها بالفعل أزمة نفسيّة نختبرها بشكلٍ دوري هذه الفترة ولا تفارق مخيّلتنا. حتّى إنّ ابن شقيقتي الذي لم يتجاوز الأربعة أعوام، كان يردّد: خالو بيتنا سيهبط بالزلزال. الخوف يسيطر على الصغار والكبار، ولا وقت للتفكير بشيء سوى كيفية النجاة".

لبنان (حسام شبارو/ الأناضول)
محاولة لطمأنة الصغار (حسام شبارو/ الأناضول)

الذّعر نفسه تتحدّث عنه روى شبارو (17 عاماً)، المقيمة مع أهلها في الطابق الأول بأحد مباني العاصمة، وتشير إلى أنّها كانت في المطبخ، وشعرت بصوتٍ يصدر من خزانة الأواني، قبل أن تبدأ بالارتجاف وتهرع لوالدتها وهي تغلق أذنيها. ويروي والدها كيف تحوّلت الأمسية الشعريّة الموسيقيّة في أحد مسارح بيروت إلى صراخ لدى وقوع الهزّة، قبل أن تعود المياه إلى مجاريها.

لا داعي للهلع

وكان "المركز الوطني للجيوفيزياء"، التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، قد أفاد بأنّ "هزة أرضيّة سجّلت في السابعة والدقيقة الرابعة بالتوقيت المحلي، مساء أمس، بقوة 6.3 على مقياس ريختر، حدّد موقعها على الساحل التركي، على بُعد 200 كيلومتر من شمال لبنان وقد شعر بها المواطنون". وتابع في بيانه: "يهمّ مركز الجيوفيزياء أن يوضح أنّه من الطبيعي حدوث هزّات ارتداديّة بعد هذه الهزّة، ويمكن أن يشعر المواطنون ببعضٍ منها، لكن ليس هناك أي خطر من أمواج تسونامي في لبنان، بحسب نظام الإنذار المبكر من التسونامي في البحر المتوسط". ونشر المركز على تطبيق Lebquake حصول هزّة أرضية عند الساعة 4:23 بالتوقيت المحلي، فجر اليوم، قبالة شواطئ جنوب لبنان، تبعد 64 كيلومتراً عن صيدا، وقوّتها 4 درجات على مقياس ريختر.
وأفادت مؤسّسة الأبحاث العلمية الزراعية في لبنان بأنّ "الهزّة التي شعر بها اللبنانيون أمس هي هزّة عادية للبنان. لذلك، لا داعي للخوف من زلزال كبيرٍ، لأنّ لبنان حاليّاً لا يعيش بمرحلة زلازل، إنّما مرحلة هزّات اعتياديّة. فلا داعي لتصديق كلّ الأخبار غير الصحيحة عن زلزال مدمّر أو تسونامي".

المساهمون