تعيش بعض البلديات الألمانية حالة من التذمر بسبب أرقام اللاجئين المرتفعة. وتحاول الحكومة إيجاد حلول مختلفة عن سياسة "الأبواب المفتوحة". وارتفع عدد الأشخاص الذين تقدموا بطلبات لجوء في ألمانيا العام الماضي أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2016. وتظهر الإحصائيات السنوية لعام 2022 التي نشرها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في 11 يناير/كانون الثاني الماضي، أنه منذ بداية يناير 2022 حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول، سعى 217.774 شخصاً للحصول على الحماية في ألمانيا لأول مرة. وهذا يمثل زيادة بأكثر من 47 في المائة، مقارنة بالعام الذي سبقه، والذي تم فيه تقديم 145.233 طلباً للجوء.
وجاء معظم الذين طلبوا الحماية العام الماضي من سورية (70.976) وأفغانستان (36.358) وتركيا (23.938) والعراق وجورجيا. ووفقاً للمعلومات، فإن 24.791 من هذه الطلبات الأولية تتعلق بالأطفال المولودين في ألمانيا دون عام واحد.
ولم يُضطر ما يقرب من مليون لاجئ نتيجة حرب أوكرانيا، الذين تم قبولهم في ألمانيا العام الماضي، إلى التقدم بطلب للحصول على اللجوء، لكنهم تلقّوا حماية مؤقتة فورية على أساس توجيه من الاتحاد الأوروبي.
وفي عام 2016، وصل عدد طلبات الحماية إلى 722.370 طلبا تقدم بها أشخاص للمرة الأولى. وفي السنوات التي تلت ذلك، انخفض عدد طالبي اللجوء بشكل مطرد.
وبات تزايد القادمين إلى ألمانيا يقلق الطرف الأكبر في الائتلاف الحاكم، أي الحزب الاشتراكي الديمقراطي برئاسة المستشار أولاف شولتز. وتزداد الضغوط التي تعيشها بلدياتها بسبب أرقام اللاجئين والمهاجرين في البلاد، ما يدفعها إلى التقدم بشكاوى إلى الحكومة الفيدرالية والمطالبة بموازنات مالية ثابتة للتعامل مع تلك الزيادة.
وزيرة الداخلية نانسي فيسر وعدت أخيراً أنها بصدد حل المشكلة المستعصية على مستوى أوروبا، بعد استمرار فشل الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على سياسات موحدة لتحمّل أعباء الهجرة واللجوء المتزايدة في القارة الأوروبية منذ 2016. وقالت لشبكة "آرد" التلفزيونية الأسبوع الماضي إن هناك عملا شاقا لخلق سياسات أوروبية مشتركة مع تزايد أعداد الواصلين إلى شواطئ أوروبا، وبشكل خاص نحو اليونان وإيطاليا وإسبانيا. وتأتي المحاولة الألمانية الجديدة بعد نحو 8 سنوات من حالة الذعر الأوروبية التي خلقتها الحشود الكبيرة من اللاجئين. وفشلت محاولات الاتفاق على سياسة تقاسم اللاجئين بين الدول الأوروبية. وما اتفقوا عليه ضمنياً هو تعزيز الحدود الخارجية للقارة من خلال الاتفاقيات الثنائية مع تركيا (عام 2016) لقاء بعض المليارات السنوية.
وفي وقت سابق، شنّت رئيسة الحكومة الإيطالية اليمينية المتشددة جيورجيا ميلوني، هجوماً على فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون، متهمة إياه باستغلال موارد القارة الأفريقية، في وقت تعاني الأخيرة من الفقر، وبالتالي تساهم في خلق موجات هجرة نحو أوروبا من خلال الشواطئ الإيطالية تحديداً. وتبدو ألمانيا الخيار الأسهل وربما المفضل لمعظمهم، في الوقت الذي ترفض فيها العديد من دول الاتحاد الأوروبي تقاسم المسؤوليات عن توزعهم، كما هي الحال مع المجر والدنمارك وأغلب دول أوروبا الشرقية.
وتدرك حكومة شولتز حجم الامتعاض في الولايات الألمانية المختلفة، ما دفع فيسر، خلال ظهورها في برنامج حواري "من برلين" على "آرد"، إلى إطلاق وعود للسعي لحل الأزمة بالتوافق مع حكومات أوروبية أخرى.
وتجاوز عدد طالبي اللجوء إلى ألمانيا خلال الأشهر الأولى من العام الجاري 105 آلاف، الأمر الذي يزيد الضغوط على مسؤولي البلديات الذين يتوجب عليهم الاعتناء بطلبات اللجوء وتخصيص أماكن إيواء للاجئين. وتزداد الاحتجاجات الشعبية الرافضة لتشييد المزيد من معسكرات إيواء للاجئين السوريين والأفغان وغيرها من الدول، كما تكثر الهجمات وعمليات تخريب هذه المراكز. ويشعر مسؤولو البلديات بأن الأعباء باتت كبيرة، ما يجعلهم يتوجهون إلى الحكومة الفيدرالية مطالبين بمعالجة الأمر، ومحاولة إيجاد حلول للتدفق الكبير نحو ألمانيا.
ومؤخراً، رفع رؤساء حكومات 16 ولاية ألمانية، نيابة عن بلدياتهم، مطالب إلى شولتز بضرورة تأمين المزيد من الأموال للتعامل مع الضغوط المتزايدة، وتحمّل جزء من الفاتورة الثقيلة على مستوى البلديات. ووافقت حكومة شولتز على منح البلديات نحو مليار يورو إضافي لمواجهة تدفق اللاجئين، إلا أن البلديات اعتبرت المبلغ ضئيلاً، مطالبة بأن يكون الدعم دائماً.
تأجيل النقاش الألماني بشأن الدعم المالي الثابت للبلديات لا يعني أن برلين لن تتحرك على مستوى خفض نسبة القادمين إليها من خارج حدود الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن حكومة شولتز، وعلى الأقل من هم في صفوف حزبه، تتجه نحو الموافقة على "إجراءات حازمة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي"، وفقاً لمقترحات فيسر، ما سيعدّ نقلة في خطاب برلين من اللاجئين عموماً.
وبحسب تصورات فيسر، ستنضم ألمانيا إلى جهود المفوضية الأوروبية لحشد الدعم من أجل تطبيق سياسات لجوء أكثر صرامة. وفي أحد المقترحات الأوروبية التي توافق عليها ألمانيا لتخفيف وصول اللاجئين إلى داخل مجتمعات اللجوء، سيتعين معالجة طلبات اللجوء بشكل فوري على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية، وبالتالي تسفير فوري لمن ترفض طلباتهم. وذكرت فيسر في برنامج "من برلين" أن الحكومة "وافقت على وجوب احتجاز اللاجئين وتسجيلهم وتحديد هوياتهم على الحدود". ويحمل حديث فيسر رغبة في صفوف حزبها وبموافقة شولتز على تغيير نهج برلين في التعاطي مع سياسة الباب المفتوح حيال اللاجئين والمهاجرين الجدد إلى بلادهم. وقالت إن التعاون الأوروبي يجب أن يقوم على أن القضية "مسألة تضامن"، متوقعة انضمام المزيد من دول الاتحاد الأوروبي إليها، ومن بينها فرنسا وإيطاليا وبلجيكا والسويد وإسبانيا وجمهورية التشيك.
وفي وقت سابق، قال شولتز أمام البرلمان الألماني إنه يتوجب على الأوروبيين "استكمال العمل على نظام اللجوء، ولنقم بذلك قبل الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي العام المقبل"، خشية استفادة الأحزاب القومية المتشددة من نتائجها على خلفية معارضتهم سياسات اللجوء والهجرة الحالية. وتقوم المقترحات الألمانية الأخرى على "إقناع دول المنشأ باستعادة مواطنيها المرفوضين". ويراهن شولتز على قبول أوروبي لفكرة "جعل الهجرة قانونية" على أساس ما يسميه بـ"الهجرة الذكية والمضبوطة إلى بلداننا"، بعدما أظهرت تقارير عدة حاجة أوروبا إلى الأيدي العاملة الماهرة من خارج القارة مع ارتفاع نسبة الشيخوخة فيها.
يشار إلى أن وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي أعربوا، خلال اجتماعهم في استوكهولم في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، عن رغبتهم في تكثيف إعادة المهاجرين غير القانونيين إلى بلدانهم الأم. ومضى بعضهم إلى أبعد من ذلك داعين إلى تقييد إصدار التأشيرات لمواطني الدول "غير المتعاونة".
وعلى الرغم من التفاؤل الألماني بتمرير المقترحات الجديدة في صيغة تعاون أوروبي لضبط قدوم لاجئين جدد، يبدو التشكيك سيد الموقف على مستوى القارة. فكثيرة هي الدول الرافضة لانتهاج سياسات تقاسم الكلفة والحصص، ومن بينها المجر واليونان وبولندا. كما ترفض بعض الدول تحمّل مسؤولية دراسة طلبات اللجوء على حدودها الدولية. ويذهب المشككون في إمكانية تطبيق المقترحات، والتي تشمل أيضا تعاونا مع دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، إلى أن الألمان في الأصل يحتاجون للاتفاق داخل الائتلاف الحاكم، في ظل معارضة حزب "الخضر" لسياسات متشددة قبل طلب التوافق الأوروبي.
وينتقد البعض مقترحات فيسر على اعتبار أنها تمهيد للتشدد حيال سياسات الهجرة.
يشار إلى أن قادة الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي، وهو أكبر تكتل معارض في ألمانيا حالياً، دعوا مؤخراً إلى عقد قمة بين المستشار شولتز والولايات الألمانية بشأن اللاجئين، في ظل المشكلات المتزايدة التي يتم مواجهتها في ما يتعلق بتوفير إقامة للاجئين.