لا يريد اللاجئون السوريون المعتصمون أمام مبنى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين غير مأوى يقيهم البقاء على الأرصفة، بعدما تشردوا نتيجة ظروفهم المعيشية الصعبة
في مقابل مبنى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العاصمة اللبنانية بيروت، يعتصم نحو 150 لاجئاً سورياً بشكل دوري منذ عام تقريباً، بعدما طُردوا من منازلهم لعجزهم عن تسديد بدلات الإيجار. ومن بين هؤلاء 60 لاجئاً ولاجئة يجلسون وينامون على الأرصفة، مستعينين بما يتيسّر من كراتين وأكياس نايلون تطايرت مع أول منخفضٍ جوي، ليسلّط المشهد الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة بحق اللاجئين. بالإضافة إليهم، ما زال اللاجئون الأفارقة يطالبون بحقوقهم ولا يفارقون الشارع نفسه منذ أكثر من عام.
الظروف المأساوية التي ترافق اللاجئين السوريّين، صغاراً وكباراً، تظهر على وجوه الموجودين في المكان. لكّل قصّته. بعض الأمهات أجبرن على إرسال أطفالهن إلى سوق العمل، هن اللواتي حلمن بحصولهم على شهادات. على الرغم من ذلك، تبقى الكثير من العائلات عاجزة عن تسديد بدلات الإيجار الشهري أو شراء الأدوية أو العلاج، أو حتى تأمين مستلزمات الوقاية من تفشي كورونا. ولعلّ خير دليل على حجم المعاناة هو محاولة انتحار أحد اللاجئين الذين اعتصموا أخيراً أمام مبنى المفوضية، والذي ما لبث أن فارق الحياة.
تقول اللاجئة السورية معينة إبراهيم، وهي أم لأربعة أطفال، لـ"العربي الجديد": "وضعنا دون الصفر، ونشتهي ربطة الخبز". تضيف: "زوجي يحتاج إلى عملية جراحية، كما أنه عاطل من العمل. أصبحنا اليوم مشرّدين ولا نستطيع تأمين غذائنا وكثيراً ما نشعر بالجوع. بالإضافة إلى ذلك، لم نتمكن من تسديد بدل إيجار المنزل الذي كنا نسكنه في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين (الضاحية الجنوبية لبيروت) خلال الأشهر الثلاثة الماضية".
وحين قصدت المعنيّين في المفوضية، قيل لها إنه تمّ تحويل الملف إلى مؤسّسة "مخزومي" (منظمة لبنانية غير حكومية)، والتي أوضح المسؤولون فيها أنّ الملف لا يزال قيد الدراسة. "وحتى اليوم، لم يتغيّر شيء". تضيف: "منذ لجوئنا قبل 7 سنوات، لم نحصل على أيّ مساعدة من المفوضية أو غيرها. نتصل بهم مراراً وتكراراً، والجواب: ندرس ملفكم".
إبراهيم، التي باتت أكبر مطالبها تأمين غرفة صغيرة تأويها وعائلتها، ودورة مياه مع مراعاة أدنى معايير الصحة والنظافة الشخصية، تواجه مشاكل وآلاماً من نوع آخر. تحكي بحسرةٍ عن تعرّض ابنها البالغ من العمر 8 سنوات، للاعتداء من قبل أولاد الجيران، الذين ضربوه بآلة حادّة. كذلك، تعرضت ابنتها البالغة من العمر 7 سنوات للتحرش الجنسي لدى ذهابها إلى الدكان.
من جهة أخرى، تقول: "يعمل إبني في محلّ لبيع الخضار والفاكهة، ويحصل في المقابل على بعض منها، ما يؤمن جزءاً من قوتنا اليومي. المهم أننا نأكل ونشرب". أمّا ابني البالغ من العمر 11 عاماً، فيتولى تنظيف الأرضية في أحد محال الحلاقة، في مقابل 10 آلاف ليرة أسبوعيّاً (نحو سبعة دولارات بحسب سعر الصرف الرسمي)"، متسائلةً: "ألا يجب أن يكون أولادي على مقاعد الدراسة؟".
أمّا اللاجئ السوري عبد الفتاح محمد ديب تديلي، فيحمل بين يديه تقاريره الطبية ليختصر معاناته مع آلامٍ مستمرة في الظهر. فلم تنجح العملية الجراحية التي تكفّل بمصاريفها أحد فاعلي الخير عام 2018، في شفائه كليّاً. ويقول لـ"العربي الجديد": "سبع سنوات مريرة قضيتها وعائلتي في لبنان، بلغت أخيراً حدّها الأقصى، فنحن على وشك التشرّد بعدما هدّدت صاحبة المنزل في بلدة شحيم (إقليم الخروب، جبل لبنان)، بطردنا خلال أسبوع، نتيجة عجزي عن دفع بدل إيجار المنزل مدة 5 أشهر. حتى في المنزل، نجلس وننام على الأرض. لا تدفئة ولا أسرّة ولا مساعدات. وما زال ملفي رهناً للمماطلة والإهمال".
تديلي، الذي تحتاج زوجته إلى علاجٍ لآلام قدميها أيضاً، بات يتنقّل من جامعٍ إلى آخر علّه يحصل على دعم ومساندة من أهل الخير. "إلا أن الوضع صعب على الجميع؛ فمن كان يساعدني بـ20 ألف ليرة لبنانية (نحو 14 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي)، بات اليوم بالكاد يساعدني بألفَي ليرة (نحو 1.5 دولار)". يضيف: "أُجبر ابني (20 عاماً)، على ترك المدرسة والعمل لإعانتي ووالدته وحفيدتي التي تركها والدها حين لم يكن يتجاوز عمرها العشرة أشهر خلال وجودنا في سورية. لا نعرف عنه شيئاً، علماً أن الصغيرة تعاني من نقص في هرمون النمو، وتحتاج إلى علاج طويل".
الرجل الستيني الذي استدان مبلغ 5 آلاف ليرة لبنانية (3.5 دولارات)، كبدل للمواصلات من أجل المشاركة في اعتصام اللاجئين، يقول: "لا أملك المال للعودة. ولا أعرف ما إذا كنّا سنعود إلى المنزل أو نبقى في الشارع".
من جهتها، تنام اللاجئة أم محمد منذ 15 يوماً في الشارع، فيما تنام ابنتاها عند عمّهما، بعدما طردتهن صاحبة المنزل في منطقة خلدة (جنوب بيروت). تقول: "ينام كلّ من زوجي وابني عند أصدقاء لهما في مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين. زوجي عاطل من العمل منذ سنة، وابنتي الكبيرة أنهت تعليمها الثانوي، والثانية في الصف الثانوي الثاني، لكنّهما اليوم خارج مقاعد الدراسة لعجزنا عن تسجيلهما. أمّا ابني (14 عاماً)، فقد اضطر إلى التوقف عن متابعة دراسته ليبدأ حديثاً العمل في أحد الأفران".
وإذ تأسف لأنها ما زالت تتلقى الأجوبة نفسها منذ اللجوء إلى لبنان عام 2014، منها: "رفعنا ملفكم، وضعنا إشارة على ملفكم، ملفكم غير مؤهل لأيّ مساعدة، حوّلنا ملفّكم إلى الجهة المعنية"، تقول: "كلّ ما نريده هو سقف آمن وعيش كريم. يكفينا التشرّد والحرمان. إنّها أبسط حقوقنا ولا نطلب المستحيل".