استمع إلى الملخص
- **تأثير الحرب على الحياة اليومية:** رانيا، أم لطفلتين، تحاول توفير أجواء مريحة لأطفالها رغم الوضع النفسي السيء، وتأمل في نجاح مفاوضات وقف إطلاق النار.
- **تحديات الأطفال النازحين:** الأطفال النازحون فقدوا منازلهم وعاداتهم الصيفية، ويحاولون التكيف مع الوضع الجديد في مراكز الإيواء والمدارس.
لم يعرف أطفال جنوب لبنان صيفاً ممتعاً كما جرت العادة، في ظل أصوات القصف والطائرات الحربية وجدار الصوت، فيما حان الوقت للاستعداد للعام الدراسي الجديد.
"انتهت عطلة الصيف قبل أن تبدأ"، يقول أطفال جنوبيّون واصفين يوميّاتهم في خضم الاشتباكات على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. فالاشتباكات المستمرة سرقت الفرحة التي ينتظرها الأطفال بمجرّد أن تقفل المدارس أبوابها.
اليوم، يستعدّ أطفال المدن الجنوبية التي تُعدّ بعيدة عن خطّ المواجهات في القرى الحدودية لموسمٍ دراسيٍّ جديدٍ يبدأ في منتصف سبتمبر/ أيلول المقبل، من بينها مدينة صور التي نزح إليها الآلاف منذ بدء الحرب، هي التي تنعم بهدوء تخرقه أصوات الطائرات وجدار الصوت العنيف التي اعتادها الأهالي، كما يقولون، في ظلّ الخروقات الإسرائيلية اليومية.
نور (14 عاماً) بدأت التحضير للعام الدراسي الجديد بعدما أبلغتها إدارة المدرسة أنه سيبدأ منتصف الشهر المقبل، رغم التهديدات الإسرائيلية بشن حرب واسعة على لبنان ربطاً بالتطورات الأمنية الأخيرة، لكنها لا تزال غير مستعدّة نفسياً لمعاناة الدراسة وفق تعبيرها، إذ لم تتمكن من الاستمتاع بيومٍ واحدٍ في العطلة.
"أصوات الجدارات كانت ترعبنا، وما زلنا نسمع القصف المستمرّ للمناطق القريبة من صور. نحاول الصمود والحفاظ على قوتنا مع الاعتياد على هذه الوتيرة باعتبارها ليست ضربات إسرائيلية مباشرة، لكن لا يمكن إخفاء الخوف. تغيرت يومياتنا. ارتياد الشاطئ لم يعد كما كان إذ إن القلق يلازمنا"، تقول نور. تضيف: "تعبنا نفسياً رغم صغر سنّنا. والآن مع أنّ المصير مجهول، علينا الاستعداد للعام الدراسي الجديد".
نور التي لم تتمكن من إخفاء حزنها وتأثرها بما يجري من أحداث، تعرب عن اشتياقها للصيف واللعب على الشاطئ مع أصدقائها حيث الرمال والشمس تمنحها طاقة إيجابية. ورغم أنها بقيت ترتاد المكان "بحذرٍ"، إلا أن الأجواء مختلفة اليوم. أقرباؤها في القرى الحدودية خسروا منازلهم، ومنهم من استشهد بفعل قصف الاحتلال الإسرائيلي.
تقول رانيا وهي أم لطفلتين، إنها بدأت التحضير للعام الجديد وشراء المستلزمات المدرسية والدفاتر والحقائب، وخصوصاً بعدما أبلغتها إدارة المدرسة في صور أنها ستفتح أبوابها منتصف الشهر المقبل، مع ترقب للمستجدات الأمنية. في المقابل، تشير إلى أن الوضع النفسي ليس بأحسن حال، رغم أنهم لا يتوقعون أن تتوسّع الحرب أكثر، وأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة ستنجح لتنسحب على لبنان.
وتشير رانيا إلى أنّ العطلة الصيفية طبعاً لم تكن كما كل عام، ولم يتمكن الأطفال بشكل عام من الاستمتاع بها والقيام بالنشاطات المعتادة، لكنها كانت تحرص على أخذ طفلتيها إلى الشاطئ للسباحة واللعب قليلاً في فترة بعد الظهر، كي لا تبقيا في المنزل طوال الوقت تفكران في الأصوات التي تسمعانها من قصف يطاول القرى القريبة من صور.
وتردد رانيا، حالها حال كثيرين: "اعتدنا في تاريخنا اللبناني والجنوبي على الحرب والاعتداءات الإسرائيلية. كنا نأمل ألا يعيش أولادنا هذه الأجواء لكن للأسف هذا ما يحصل. علينا أن نكون إلى جانبهم ونحرص على تأمين أجواء الراحة لهم. والحياة يجب أن تستمرّ ونحاول الاستمتاع بها رغم كل الظروف".
أما الأطفال النازحون من القرى الحدودية التي تشهد قصفاً وتدميراً من قبل الاحتلال الإسرائيلي إلى مراكز الإيواء وتحديداً المدارس، فقد خسروا منازلهم وعاداتهم الصيفية، وابتعدوا عن أصدقائهم، وانتقلوا إلى أماكن جديدة اضطروا فيها إلى تكوين صداقات جديدة وابتداع أفكار للتسلية وتمضية الوقت في الصيف.
غالبية الأطفال في مدرسة صور الرسمية يمارسون لعبة كرة القدم، يركضون ويضحكون ويحاولون الاستمتاع بوقتهم، والتلهي عن الأصوات التي تسمع من قصف وجدارات صوت وطائرات تحلق باستمرار في الأجواء الجنوبية. لكن بمجرد سؤالهم عن أحوالهم، يقولون: "اشتقنا إلى منازلنا وأصدقائنا واللعب في ساحة القرية"، مشددين على أن هذا أسوأ صيف يمرّ عليهم. أحد الأطفال وعمره ست سنوات، وهو نازحٌ من قرية بيت ليف في قضاء بنت جبيل في محافظة النبطية، منذ عشرة أشهر، يتأثر لدى سؤاله عن يومياته حتى أنه لم يتمكن من إخفاء دموعه. يقول: "اشتقت للدراجة الهوائية، وأريد أن أعود إلى المنزل. هنا كوّنت أصدقاء لكني لم أحب الجميع. البعض ليس لطيفاً معي. أريد العودة ولقاء رفاقي من جديد في الساحة. هناك الصيف أجمل بكثير".
وفي إطار التحضيرات للعام الدراسي، يقول مسؤول في مكتبة الاتحاد، في صور، محمد مغنية، لـ "العربي الجديد"، إنّ "موسم شراء المستلزمات والكتب المدرسية يبدأ عادة بعد 15 أغسطس/ آب، باعتبار أن المدارس تفتح أبوابها بأوقات مختلفة، منها في الأوّل من سبتمبر/ أيلول، وأخرى في منتصفه أو آخره. بالتالي، هم يقبلون على التحضيرات قبل أسبوع أو أسبوعين". ويشير إلى أنّ "المدارس هنا ستفتح أبوابها بشكل طبيعي خصوصاً إذا لم تتوسّع الحرب ولم تحصل تطورات عسكرية من شأنها أن تغيّر واقع الحال ميدانياً. بالتالي، طالما أن العام الدراسي سينطلق فإنّ الأهالي سيقبلون على شراء اللوازم المدرسية. وتوقعنا أن يبدأ هؤلاء بالمجيء إلى المكتبات بدءاً من الاثنين المقبل".
ويتوقع مغنية أن يكون الإقبال على المكتبات أكثر هذا العام في المناطق التي تشهد نزوحاً باعتبار أنّ الأطفال انتقلوا إلى المدارس التي تُعد آمنة في المناطق الجنوبية، الأمر الذي سيزيد الحركة بطبيعة الحال.