امتحان صحي جديد يخوضه لبنان المحاصر بالأزمات، هذه المرة عبر الانتشار المتسارع لمرض الكوليرا الذي تخطي عدد الإصابات المسجلة به حاجز المائتين، وبلغ عدد الضحايا 5 وفيات من بين المصابين.
حذر وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض من مخاطر انتشار الكوليرا في ظل تردي الخدمات الصحية واهتراء البنية التحتية، ولا سيما إمدادات المياه ومرافق الصرف الصحي، فضلاً عن ارتفاع مستويات التلوث. وبلغت حصيلة الإصابات التي سجلتها وزارة الصحة اللبنانية، حتى أمس الأول الخميس، 220 إصابة، فضلاً عن 5 وفيات بسبب الكوليرا، وغالبيتها تم رصدها في مناطق شمال البلاد، ومنها مخيمات اللاجئين، كما سجلت إصابات في عرسال، وزحلة، وكسروان، وبعبدا.
يقول وزير الصحة اللبناني لـ"العربي الجديد"، إن "هناك انتشارا متسارعا للوباء، ومن الطبيعي أن يتزايد عدد الحالات وتتسع رقعتها على صعيد المناطق بمرور الوقت لتصل إلى مرحلة معينة تنخفض بعدها، ومن هنا تتضح أهمية الوقاية للحدّ من الانتشار، وتخفيض عدد الإصابات"، ويؤكد على "الجهوزية لمواجهة الكوليرا على صعيد المستشفيات تبعاً لخطط وضعتها وزارة الصحة بالتعاون مع الوزارات المعنية والشركاء الدوليين، ومنها إرسال فرق دعم، وإتاحة أسرّة جديدة حسب الحاجة، وهناك 8 مستشفيات في المرحلة الأولى، 3 منها أساسية في الشمال، في حلبا، والمنية، ومستشفى طرابلس الحكومي، وهناك مستشفيات جاهزة في أكثر من منطقة في حال ارتفاع أعداد الحالات، ويمكنها استضافة أعداد أكبر".
ويشدد الأبيض على أن هناك إجراءات تتخذ على صعيد السجون للحدّ من انتشار الكوليرا، خصوصاً لناحية التأكد من احتواء المياه على الكلور المعقم، مشيراً إلى أن "أبرز أسباب الوفاة تتصل بتأخر المريض في الذهاب إلى المستشفى بينما هناك ضرورة لذلك بمجرد حصول إسهال مائي حاد، ومن الخطر أن ينتظر المصاب لوقت طويل، فهذا يعرضه لجفاف شديد يمكن أن يتسبب بالوفاة، وعلينا تنبيه الناس إلى أنه يجب عدم التعامل مع الكوليرا باعتباره إسهالا عاديا، وبالتالي التساهل مع ضرورة تلقي العلاج، فمعظم من يصابون بالعدوى يبدون أعراضاً خفيفة أو معتدلة".
ويلفت وزير الصحة إلى أن "التركيز بالدرجة الأولى على مؤسسات المياه، ومنظمة يونيسف تقوم بتزويد محطات الضخ بالكلور، ولكن المطلوب إنهاء مشكلة انقطاع التيار الكهربائي حتى نتمكن من ضخ مياه نظيفة، فعند انقطاع الكهرباء، وبالتالي توقف محطات التكرير، يضطر الناس والمؤسسات والمدارس وغيرها للجوء إلى مصادر مياه أخرى قد تكون غير نظيفة. المواطنون للأسف منهكون بالمشاكل الاقتصادية والمعيشية، ومحرومون من الكثير من الخدمات الأساسية المفترض على الدولة تأمينها، لكن ما زال عليهم اتباع الإجراءات والإرشادات التي عمّمتها وزارة الصحة، ومنها وضع قطرتين من الكلورين في كل ليتر مياه، إذ إن التجاوب الشعبي يمكن أن يكون عاملاً أساسياً في الحد من انتشار المرض، وإلا سنكون أمام انتشار أكبر من الذي نراه حالياً".
ويضيف الأبيض أن "التعاون مطلوب مع وزارة الطاقة في تأمين الكهرباء لمحطات الضخ، وكذا وزارة الزراعة المطلوب منها فحص المزروعات لحسم مسألة احتوائها على الجراثيم، خصوصاً بعدما ثبت أن هناك تلوثاً في مياه ري المزروعات، وبدورنا طلبنا عبر الحكومة الحصول على كميات من اللقاح، وهناك وعود بتأمينه، مع إعطاء الأولوية للأماكن المغلقة، والمناطق الأكثر تأثراً وضعفاً".
وحسب منظمة الصحة العالمية، يرتبط انتقال الكوليرا ارتباطاً وثيقاً بقصور سبل إتاحة المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي، وتشمل المناطق المعرضة للخطر الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية، ومخيمات النازحين واللاجئين، ويؤدي المرض إلى إسهال حاد يمكن أن يقتل في غضون ساعات إذا لم يتم علاجه، وينجم عن تناول الأطعمة أو شرب المياه الملوثة بضمات بكتيريا الكوليرا، ويعد توفير المياه ومرافق الصرف الصحي المأمونة أمراً حاسماً للوقاية منه مثل غيره من الأمراض المنقولة عبر المياه، ويتم علاج الحالات الوخيمة بالحقن الوريدي والمضادات الحيوية.
ودعا وزير الصحة اللبناني المنظمات الدولية التي تعمل مع اللاجئين إلى تأمين المياه النظيفة ومستلزمات النظافة الشخصية واللقاحات لهم، فضلاً عن تنظيف الحفر الصحية باعتبار أن المخيمات من الأماكن الرئيسية التي ينتشر فيها الكوليرا.
من جهتها، تقول نائبة ممثل يونيسف في لبنان إيتي هيغينز، لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة الصحة تقود مواجهة تفشي الكوليرا في لبنان بدعم من المنظمة ووكالات الأمم المتحدة الأخرى، ونعمل على تطوير تدابير التأهب والوقاية والاستجابة الفعّالة على جميع المستويات للسيطرة على المرض، ومراعاة صحّة جميع العائلات، وخصوصاً الأطفال".
وتشير هيغينز إلى أن "تزايد حالات الكوليرا في لبنان يشكل مصدر قلق ليونيسف نظراً إلى الأزمات المتداخلة المعقّدة التي يمرّ بها البلد، ومن هنا تتمثل استجابة المنظمة الفورية في تعزيز أنظمة المياه والصرف الصحي القائمة لمنع الانتشار السريع للكوليرا، واستراتيجية الاستجابة سيتم تعديلها لزيادة التركيز على توفير المياه في حالات الطوارئ، وتدابير الصرف الصحي، بحيث يتم استكمال مكوّن المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في مرافق الصحة والتعليم، والتواصل بشأن المخاطر والتدخلات المجتمعية في النقاط الساخنة".
وتناشد "يونيسف" المعنيين للحصول على مبلغ إضافي قدرة 29.3 مليون دولار أميركي على وجه السرعة من أجل تمويل الاستجابة الطارئة للكوليرا خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
وتشدد هيغينز على أن استجابة المنظمة ترتكز على جعل جميع الأشخاص الذين يعيشون في لبنان بمأمن من الكوليرا، وخصوصاً الأطفال الذين يعتبرون من بين الأكثر ضعفاً، وأنه جرى توزيع نحو 100 ألف لتر من الوقود على محطات ضخ المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي في المواقع التي توجد فيها حالات كوليرا مؤكدة أو مشتبه بها، كما تم شراء الإمدادات الطبية الطارئة للعلاج، بما في ذلك 150 ألف وحدة من أملاح معالجة الجفاف عن طريق الفم، و50 مجموعة من مجموعات علاج الكوليرا، وستدعم هذه الإمدادات علاج 5 آلاف مصاب ممن يعانون من الإسهال المتوسط والشديد.
وتركز المنظمة على تحسين الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي الآمن عبر دعم مؤسسات المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، وتأمين مادة الكلور للشاحنات والصهاريج التي تنقل المياه، خصوصاً في مناطق تسجيل الإصابات، بالإضافة إلى توفير مواد التعقيم، ونشر التوعية بالمدارس.
وخصّصت "يونيسف" 30 طناً إضافياً من الكلور السائل لتوزيعها على مؤسسات المياه، وتم تسليم 14 طناً منها لثلاث منشآت بالفعل. تقول هيغينز: "هناك 4.8 ملايين قرص كلور قيد الشراء لتوزيعها على المجتمعات الضعيفة في لبنان، سواء المجتمعات اللبنانية أو غير اللبنانية، من أجل ضمان تخزين آمن للمياه في الخزانات المنزلية.
بدوره، يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، لـ"العربي الجديد"، إن المستشفيات تجهّزت بالأمصال والأدوية اللازمة، والجميع على استعداد لاستقبال حالات الكوليرا، مشيراً إلى أن التكاليف لم تحسب بعد، لكن الأكيد أنها ستكون أقل من كلفة علاج كورونا، خصوصاً أن مدة البقاء في المستشفى بالنسبة للمصابين بالكوليرا أقل من مصابي كورونا، وتراوح بين 3 و5 أيام.
ويضيف هارون: "سنقوم بواجبنا رغم الوضع الصعب الذي تمرّ به المستشفيات، إذ علينا استيعاب الإصابات في حال انتشار الكوليرا بشكل أكبر، وسنوفر كل إمكاناتنا لهذا الغرض، ومن المفيد أن غالبية الأمصال تصنع في لبنان، ما يجعلنا قادرين أكثر على المواجهة".
على صعيد متصل، حذرت مصلحة الأبحاث العملية الزراعية "لاري"، في بيان، من أن مجاري المياه والقنوات والأنهار مليئة بالأوساخ، وملوثة بمياه المجارير، وبما أن تمديدات مياه المجارير والأمطار مغلقة بالأوساخ، فإن ذلك يؤدي إلى فوران المجارير وحدوث سيول منها تدخل إلى السيارات والمنازل، موضحة في بيانها أن "هطول الأمطار المتوقع قد يؤدي إلى تشكل بحيرات من المياه الآسنة التي تساهم في انتشار التلوث، وبالتالي تفشي أمراض مثل اليرقان والكوليرا، ويضاف إلى ذلك ري المزروعات بمياه المجارير، ومن هنا على كل مواطن التأكد من نظافة المياه التي تصل إلى منزله، إضافة إلى تنظيف الصهاريج".