استقبل التونسيون عيد الفطر في ظل تداعيات جائحة كورونا، التي منعتهم من ممارسة عاداتهم وطقوسهم في هذه المناسبة.
وللعام الثاني على التوالي يذعن التونسيون لأحكام جائحة كورونا، إذ يفرض عليهم الفيروس التزام منازلهم في عيد الفطر.
وبسبب الحظر الشامل ومنع التنقل بين المحافظات، لن يتمكن التونسيون هذا العام من ارتياد الأماكن الترفيهية ولا حتى معايدة العائلة، إذ تغلق الأسواق أمام زوارها، لتكتفي العائلات بتبادل تهاني العيد عبر شاشات الهاتف أو اللقاءات الخاطفة بين أفرادها، وفق تدابير الوقاية التي تشدّد السلطات الصحية على احترامها، ومن بينها تعليق صلاة العيد.
ومنذ يوم الأحد الماضي بدأ في تونس تنفيذ قرار حظر التجول الشامل، إذ توقفت الحركة بين المحافظات من خلال النقل الجماعي والخاص، كما أغلقت المحلات التجارية أبوابها بهدف كبح الوباء وتخفيف الضغوطات على القطاع الصحي.
وتعدّ الزيارة خلال فترة العيد وطقوس الأيام الأخيرة من شهر رمضان شأناً مقدساً لدى أغلب العائلات التونسية مع اختلاف أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وعادة ما تشهد حركة النقل ازدحاماً مرورياً مع حلول إجازة عيد الفطر بين مختلف المحافظات، انطلاقاً من العاصمة تونس أو المدن الكبرى نحو باقي المحافظات الداخلية.
وبسبب الظروف الصحّية، تقول بسمة باش شاوش (42 عاماً)، إنها ستلتزم بتدابير الحجر ولن تسعى إلى مغادرة بيتها مكتفية بتقاسم الفرحة مع زوجها وابنيها داخل شقتها الصغيرة، على الرغم من اشتياقها للاجتماع بعائلتها التي تقطن في مدينة بوسالم، شمال غرب البلاد. وتشير إلى أنّ عيد الفطر يكاد يكون المناسبة السنوية الوحيدة التي تلتقي فيها مع أشقائها في بيت العائلة، حيث يتعرّف أبناؤها إلى أصولهم هناك، كما تقوم بزيارة قبر والدها.
وتضيف، في حديث لـ"العربي الجديد": "هذا العام التزمنا أنا وأشقائي بقضاء العيد بعيداً عن والدتنا رغم تلقيها لقاح كورونا حفاظاً على سلامة الجميع"، مؤكدة أن أشقاءها الثلاثة يقطنون في ثلاث محافظات مختلفة، وعادة ما تجمعهم الأعياد في بيت العائلة، لكن الحجر الشامل سيدفعهم إلى التواصل عبر تطبيق واتساب لتبادل التهاني. وتعتبر بسمة أنّ عائلتها محظوظة مقارنة بعائلات أخرى فقدت أفراداً من ذويها بسبب الفيروس، فيما يخيم جوّ من الحزن على هذه المناسبة الذي يعمقه شعور البعد وعدم القدرة على مواساة العائلات المنكوبة ومعاضدتها في مصابها.
تجدر الإشارة إلى أن قرار الحجر الصحي لن يؤثر على عادات الكبار فقط بل سيكون للأطفال نصيب من تداعيات هذا القرار، إذ لن يتمكنوا من ارتياد أماكن الترفيه ولا التقاط الصور التذكارية في قاعات التصوير التي تتزين وتعد منصات خاصة بهذه المناسبة. كما لن يجد الأطفال متاجر بيع الألعاب في استقبالهم بسبب قرار الإغلاق الذي طبّق قبل أيام من موعد عيد الفطر، الذي يعد مناسبة ينتظرها الصغار قبل الكبار، وتعني لهم الملابس الجديدة والهدايا والمهبة (العيدية)، كما يمثل العيد فرصة للمّ الشمل واجتماع العائلات. وجرت العادة أن تقام مواسم الأفراح بالتزامن مع العيد تبركاً بهذه المناسبة الدينية المهمة.
وقبل انتشار وباء كورونا كان التونسيون، وخصوصاً سكان الأحياء القديمة، ينظمون في صباح عيد الفطر ما يُسمّى بخرجة العيد، إذ يتم جمع أكبر عدد ممكن من المصلين للتوجه إلى المساجد. وتُعرف خرجة العيد بأنَّها مسيرة يتجمع فيها المصلون من النساء والرجال، ويرددون هتافات العيد أثناء مرورهم بالأحياء السكنية، لتلحق بهم جموع الأهالي لأداء صلاة العيد.
من جهتها، تشير المتخصصة في علم الاجتماع صبرين الجلاصي إلى التعلق الكبير الذي يجمع التونسيين بعاداتهم، خصوصاً تلك المتعلقة بالأعياد الدينية. وتضيف: "نجد أن التونسيين حريصون في كافة الظروف على إحياء هذه المناسبات دون نقصان، وهو ما يفسر حالة الازدحام التي سُجّلت في محطات النقل قبل ساعات قليلة من إعلان قرار الحجر الشامل".
وتؤكد الجلاصي لـ"العربي الجديد"، أن "عيد الفطر هو أكبر مناسبة للقاءات العائلية لدى شريحة مهمة من التونسيين بلّ أنها ترتقي إلى مستوى القدسية لدى بعضهم، كما أنه من الصعب فصل أفراد المجتمعات بين عشية وضحاها عن عادات متأصلة فيهم، وهو ما يفسّر لجوءهم إلى كافة الحلول حتى غير القانونية من بينها، بهدف التحايل على قرار الحجر ولقاء عائلاتهم دون مبالاة بالوضع الصحي وخطورة التنقل على صحتهم وصحة ذويهم".
ويجسّد التونسيون تمسكم بعادات عيد الفطر في كل تفاصيل هذا اليوم، من زيارات واقتناء الملابس الجديدة وشراء الطعام والحلويات الخاصة بالمناسبة، معتبرين أن قطع هذه العادات بالنسبة لهم أمر عظيم لا يتم إلّا في الحالات القصوى، على غرار المرض والموت.
ورغم عدم التزامهم بتدابير الوقاية، ينتقد التونسيون قرارات الحكومة بفرض الحجر الشامل وبطء حملة التلقيح، محملين السلطات مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الصحية في البلاد، كما يرفضون أي تضحية تستهدف احتفالية العيد وبهجته.
ويعتبر الرافضون للحجر أنّ شاشات الهواتف وتطبيقات التواصل الاجتماعي لا تعوّض عن اللقاءات العائلية التي باتت ممنوعة بقرار حكومي.