كشف معهد الإحصاء التونسي (حكومي)، اليوم الثلاثاء، تأثيرات جائحة كورونا على النمو الديمغرافي للبلاد، مُسجّلاً تراجعاً في عدد الزيجات مما انعكس سلباً على تطور الولادات خلال عامي 2020 و2021.
وقال المعهد إنّ عدد سكان تونس بلغ إلى غاية يناير/كانون الثاني الماضي، 11 مليوناً و850 ألفاً و230 ساكناً، إذ أثبتت بيانات الحالة المدنية وقياس شمولية تسجيل الولادات والوفيات على المستوى الوطني، أن نسبة تسجيل الولادات تناهز 100 بالمائة في حين أن نسبة تسجيل الوفيات كانت في حدود 95 بالمائة.
ووفقاً للمصدر نفسه، فقد شهدت تونس تراجعاً في عدد الزيجات بما انعكس على مستوى تطوّر الولادات. وأضاف المعهد أنّ جائحة كوفيد-19 خلال سنتي 2020 و2021 ساهمت في ارتفاع نسبة الوفيات وانخفاض نسبة الولادات، مما أدى إلى تراجع نسبة النموّ الطبيعي للسكان في تونس.
وتؤكد الإحصائيات الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي التغيرات الديمغرافية التي تشهدها تونس في السنوات الأخيرة، نتيجة تراجع نسبة الخصوبة العامة وتصاعد موجات هجرة الشباب، إلى جانب تسجيل حركة نشطة للهجرة الداخلية لأسباب اقتصادية وأخرى مناخية.
ويقول الباحث في علم الاجتماع، ماهر حنين، إنّ البيانات التي أفصح عنها معهد الإحصاء متوقعة، مؤكدا "تأثير الجائحة الصحية على نسبة الولادات والوفيات في تونس، إلى جانب بروز ظاهرة هجرة الشباب بشكل مكثف في عدد من مناطق البلاد".
ويؤكد حنين لـ"العربي الجديد"، أنّ "ظاهرة الهجرة سواء النظامية أو غير النظامية بصدد التأثير على الواقع السكاني في البلاد، لا سيما وأن عدة مدن خسرت عددا كبيرا من شبابها الذي فضل الهجرة، مشيرا إلى أن فئة الشباب تشكل في كل المجتمعات القوة العاملة".
ويعتبر الباحث في علم الاجتماع أن "تأثير الجائحة الصحية ديمغرافيا ليس استثناء تونسيا، إذ تسببت الوفيات الناجمة عن كورونا في زيادة نسب الموت في كل بلدان العالم مقابل تراجع نسبة الولادات والزيجات خلال تلك الفترة".
ويرى أن "هذه العوامل تلقي بظلالها اجتماعياً، ويتعيّن أخذها بعين الاعتبار نظرا لتداعياتها المباشرة على تمويل الصناديق الاجتماعية ورعاية المسنين مستقبلا" .
وتفيد أحدث الإحصائيات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي، بأن نسبة الخصوبة انخفضت في تونس بشكل متكرر خلال السنوات الأخيرة، وصولاً إلى 1.8 طفل في سنة 2021، مقارنة بـ2.4 طفل في العام 2013. ويعتبر البعد بين الولادات وتأخر سن الزواج من بين أبرز المؤشرات في هذا السياق.
ونسبة الخصوبة تعني عدد الولادات الجديدة لكلّ ألف امرأة في سنّ الإنجاب في الفئة العمرية من 15 إلى 49 سنة أيا كانت حالتهن المدنية، سواء كن عازبات أو متزوجات أو أرامل أو مطلقات.
والعام الماضي، كشفت أرقام أصدرتها مؤسسة "سيغما كونساي" للإحصاء عن تراجع بـ36 بالمائة في عقود الزواج المحررة في الفترة المتراوحة ما بين 2013 و2021 وتراجع عدد الولادات بـ28 بالمائة على امتداد الفترة ذاتها، وسط تحذيرات من تداعيات ذلك على تركيبة السكان في البلاد.
وانخفض معدل عقود الزواج ما بين عامي 2013 و2021 من 110119 عقدا إلى 71572 عقدا، نتج عنها نقص في الولادات من 222962 إلى 160368 ولادة.
وفسّر مدير مؤسسة "سيغما كونساي" للإحصاء، حسن الزرقوني، تراجع إقبال الشباب التونسيين على الزواج بتأثير موجات الهجرة التي شهدتها البلاد خلال السنوات العشر الماضية على الفئة التي تتراوح أعمارها ما بين 25 و45 عاما.
كما أشار إلى تراجع رغبة التونسيين في الزواج نتيجة الأزمة الاقتصادية على الأسر وارتفاع كلفة الزواج إلى أكثر من 30 ألف دينار أي نحو 10 آلاف دولار لتجهيز محل الزوجية وتأجير المساكن.
واعتبر أن "سن الزواج آخذ في التدهور لكل من النساء والرجال لا سيما في المناطق الحضرية وخاصة في محافظات العاصمة الكبرى"، حيث يبلغ متوسط سن المتزوجين في تونس حاليا 33 عاما مقابل 19 عاما سنة 1970.
ولاحظ الزرقوني زيادة في صعوبات الإنجاب لدى العديد من الأزواج، لأسباب تتعلق بالصحة والتغذية ونمط الحياة والمشاكل الخلقية.
في المقابل، بينت الأرقام الصادرة عن مؤسسة الإحصاء عن تطور في المعدلات السنوية لحالات الطلاق خلال السنوات العشر الماضية من 13 ألف حالة إلى 17 ألفاً.