يُردّد عراقيون عبارة "فعل كورونا ما لم يفعله إرهاب داعش". يبدو حسن رافد شديد الاقتناع بهذه العبارة، ويكرّر أن كورونا كان أشد قسوة من داعش. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الأعمال الإرهابية التي كان ينفذها عناصر داعش لم تمنعنا من متابعة حياتنا. كان الناس في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق يخرجون إلى أعمالهم ووظائفهم ومدارسهم وجامعاتهم رغم الخطر الذي كان يتهددهم من قبل داعش في أي لحظة".
تخرّج حسن من الجامعة منذ ثلاثة أعوام. ولم ينتظر الحصول على وظيفة حكومية حال مئات آلاف الشباب العراقيين، بل راح يعمل على تنفيذ مشروعه الخاص الصغير، ويحلم بأن يمتلك سلسلة مطاعم في المستقبل. كان يملك نحو 1500 دولار فقط لبدء مشروعه، وهو مطعم متجول من خلال كرفان صغير بعجلات يجره بواسطة دراجته النارية، ويبيع فيه شطائر البرغر، وقد ساعده أقاربه في امتلاك الدراجة والكرفان الصغير. اختار الوقوف عند زاوية طريق يؤدي إلى حديقة عامة في بغداد، كونها نقطة استراتيجية إذ يكثر فيها المارة، وصار يعمل من الساعة الخامسة بعد الظهر وحتى العاشرة ليلاً. يقول: "حرصت على أن يكون شكل العربة جذاباً بألوانه، وعلى نظافة العربة والطعام الذي أقدمه، وارتداء ملابس أنيقة. وخلال أيام قليلة، أصبح عملي مربحاً". يضيف: "النجاح الذي حقّقته عزّز طموحي في الوصول إلى ما أحلم به، وبتّ أجمع المال في سبيل الخطوة الثانية، وهي شراء محل يكون أول مطعم من سلسلة المطاعم التي أحلم بها". إلّا أنّ تفشي فيروس كورونا أثّر سلباً على حلم حسن. مع ذلك، يقول: "لن أيأس. أنا على يقين أنني سأعود وأبدأ من جديد".
من جهة أخرى، وفي ظل قضاء الشباب وقتاً طويلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، باتت الشهرة هاجساً بالنسبة لكثيرين، من بينهم عبد القادر العامري الذي بات يعاني أزمة نفسية جعلته حبيس المنزل. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه استطاع التغلّب على حالته بعدما لجأ إلى طبيب نفسي ساعده على اكتشاف طاقاته وموهبته وإمكانياته، فتحول إلى شخص له الكثير من الأصدقاء والمعارف بسبب مهنته التي اختارها. يضيف: "اخترت التصوير الفوتوغرافي الذي أجده أقرب الفنون إليّ، بعدما نصحني طبيبي النفسي بممارسة هواية أحبها وأحاول أن أجتهد فيها من خلال متابعة فيديوهات على يوتيوب ومرافقة مصورين محترفين.
وخلال ثلاثة أشهر، بتّ على دراية جيدة بالكاميرات وكيفية استخدامها بحرفية". عمل عبد القادر خمسة أعوام مصوّراً للحفلات في قاعات للأعراس، ما مكنه من تكوين سمعة جيدة، وباتت تصله عروض جلسات تصوير من قبل الشباب والعائلات. وحتى مطلع عام 2020، كان جدوله اليومي مزدحماً بالمواعيد، لكنه اليوم بات شبه عاطل عن العمل. يضيف: "حفلات الزفاف والتجمعات والمناسبات ممنوعة. هناك عدد قليل من جلسات التصوير التي لا تتجاوز الجلسات الخمس في الشهر الواحد. أشعر أن كورونا بدأ يقتل حلمي بأن أمتلك استوديو واسعاً مخصصاً لجلسات التصوير".
من جهته، لجأ سامر عبد المنعم إلى الكتب التي تساعد الناس على تحقيق أحلامهم وبناء المستقبل الذي يريدونه لأنفسهم، وقد استفاد كثيراً من أحد الكتب التي قرأها. سامر الذي تعيش عائلته في قرية في محافظة صلاح الدين، شمالي البلاد، لم يكمل دراسته الجامعية.
حين كان يدرس في المرحلة الثانوية عام 2014، سيطر تنظيم داعش على قريته، وهرب برفقة عائلته إلى بغداد وبدأ يعمل عتالاً في السوق ليساعد والده في تدبير معيشة الأسرة. وبعد تحرير قريته، عادت أسرة سامر إلى بيتها عام 2017، فيما قرّر هو السكن في بغداد مع رفاقه الذين يعملون معه في السوق. ويقول سامر لـ "العربي الجديد" إنه لفت نظره كتاب حين كان يمر ذات يوم من أمام مكتبة، يفيد عنوانه بأن الأحلام يمكن تحقيقها من خلال عشر نصائح، وكانت مفيدة بالنسبة إليه. اقتنى عربة يبيع عليها أصنافاً رخيصة الثمن تشمل ألعاباً وهدايا وقلائد وأشياء مختلفة مع إعلان كتب عليه "حاجة بربع"، والربع يعني 250 ديناراً عراقياً، وهو أصغر فئة نقدية. يتابع سامر: "تختلف أسعار السلع التي أبيعها. كنت أتنقل في أماكن محددة خلال اليوم، وحرصت على أن تكون سمعتي جيدة، وتوطيد علاقتي مع التجار، وهو ما نصحني به الكتاب". ويقول: "خلال عام ونصف العام من العمل في هذا المجال، حققت أرباحاً جيدة واكتسبت خبرة في العمل، وأصبحت أضع خططاً لتطوير عملي وصممت على تحقيق حلمي بأن أكون تاجراً أستورد منتجات رخيصة يكثر استخدامها في حياتنا اليومية". إلا أن عمل سامر تراجع بدءاً من عام 2020 بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات الحكومية للحد من تفشي كورونا، ولم يعد قادراً على العمل في أوقات كثيرة. يتابع: "الوضع الاقتصادي إلى تراجع والناس تكتفي بشراء الأساسيات كالطعام والدواء. أما المستلزمات التي أبيعها فتعد ثانوية".