تفرض السلطات الروسية منذ الخميس الماضي عطلة تمتد حتى 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لمحاولة الحدّ من انتشار فيروس كورونا الذي تتواصل أرقام إصاباته في الصعود في أنحاء البلاد، ما جعل إجمالي عدد الإصابات يتجاوز 8.5 ملايين منذ بدء الجائحة.
ووصلت إجراءات الوقاية من التفشي المتجدد لكورونا إلى حد العودة إلى نظام الإغلاق الشامل والإجراءات الصارمة في بعض الأقاليم، والتي كانت فرضت حين توسعت رقعة الجائحة في ربيع عام 2020.
في العاصمة موسكو التي تعد البؤرة الرئيسة لانتشار كورونا في روسيا، تشمل الإجراءات الجديدة إغلاق القاعات الرياضية والمراكز التجارية وصالونات تزيين الشعر، وتعليق عمل عيادات الأطباء باستثناء تقديم الخدمات الطارئة، إضافة إلى حصر عمل المطاعم في تسليم الطلبات، وإعلان عطلة مدرسية. لكنها لا تمنع تنزه سكانها بحرية في الحدائق والشوارع والانتقال بين الأحياء.
لكن أطباء يشككون في احتمال أن تمنع هذه الإجراءات مواصلة كورونا تمدده مع تسجيل نحو 40 ألف إصابة جديدة يومياً، ما يثير تساؤلات كثيرة في روسيا التي واكبت سلطاتها الوضع العام السائد في العالم بعدما تحوّل كوفيد- 19 إلى شغلها الشاغل طوال أكثر من عام ونصف العام، ونفذت حملة تطعيم واسعة شملت حوالى 50 مليونا من أصل 146 مليون مواطن حتى الآن.
يعتبر رئيس منظمة "تحالف حماية الأطباء" سيميون غالبيرين، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه يصعب التنبؤ بنتائج العودة إلى نظام الإغلاق وتوسيع حملة التطعيم التي وصفها بأنها "علاج اليأس"، في حين يتوقع أن يتحول كورونا مع مرور الزمن إلى مرض موسمي مثل الإنفلونزا. ويقول: "لا يمكن معرفة نتائج الإغلاق الحالي، علماً أنه ليس الأول من نوعه في روسيا والعالم. كما أنّ أحداً لا يعرف إلى متى ستستمر الجائحة، وحملة التطعيم تشبه علاج اليأس وسط حالة الذعر الشديد، خصوصاً أن أي لقاح في العالم لم يجتز كل مراحل الاختبارات السريرية، لذا يصعب تقييم فاعلية أي منه في شكل دقيق وحاسم. ولا ننسى عدم توفر لقاح مضاد لأمراض معدية كثيرة، بينها فيروس المناعة المكتسبة الذي لم يتم اختراع لقاح مضاد له حتى الآن".
وحول رؤيته لأسباب فشل العالم في التصدي لجائحة كورونا، يقول غالبيرين: "يتطلب علم الأوبئة الكلاسيكي فرض نظام حجر صحي صارم يشمل الحظر الشامل للتحركات مع تزويد السكان بمؤن، وفرض عناصر أجهزة الأمن إجراءات تطبيقه بالقوة، وهذا لم يحدث أثناء جائحة كورونا. من هنا نعيش حالياً وضعاً غير مسبوق، فكورونا ليس مرضاً خطيراً مثل حمى إيبولا، لكننا لا نستطيع التغلب عليه منذ فترة طويلة. ومع مرور الزمن، سيتحول كورونا إلى مرض موسمي مثل الإنفلونزا، لكن ليس واضحاً متى سيحدث ذلك في ظل تكيّف الفيروس، وانتشار متحوّرات جديدة له واحدة تلو أخرى".
ويلفت غالبيرين إلى مجموعة من النتائج السلبية غير المباشرة لجائحة كورونا، مثل تعطل الخدمات الطبية الدورية بسبب تحويل عدد من المستشفيات لاستقبال مرضى كورونا، والخسائر الاقتصادية الناجمة عن نظام الإغلاق، وتدهور الوضع الديموغرافي في ظل تزايد الفجوة بين أعداد الوفيات والمواليد.
وعموماً، تثير العودة إلى نظام الإغلاق انقساماً كبيراً في آراء الروس. وأظهر استطلاع للرأي أجراه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" ونشرت نتائجه صحيفة "إر بي كا" أن نصف المواطنين لا يؤمنون بجدوى فرض أيام عطلة لتحقيق استقرار في الوضع الوبائي، بينما يعتبر النصف الآخر أن هذا الإجراء ضروري للحدّ من عدد الإصابات، علماً أن نسبة المؤيدين الشباب للإجراءات المشددة من الفئة العمرية التي تتراوح بين 18 و24 عاماً بلغت 70 في المائة.
وبين الإجراءات التي اعتبر الروس أنها ذات منفعة كبيرة في تحسين الوضع الوبائي في الأقاليم، زيادة الترويج لحملات التطعيم وجعله إلزامياً والذي أيدته نسبة 16 في المائة منهم، وتحسين مستوى الخدمات الطبية (9 في المائة)، وتشديد نظام الالتزام بالكمامات (8 في المائة)، وفرض القيود مثل الحجر الصحي والإغلاق الكلي، وزيادة عدد أيام العطلة (7 في المائة)، وأيضاً إغلاق الحدود الخارجية للبلاد (5 في المائة). وأبدى 72 في المائة من الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم عزمهم قضاء فترة الإغلاق في منازلهم، بينما قال 25 في المائة منهم إنهم سيواصلون عملهم، و9 في المائة إنهم سيذهبون إلى بيوتهم الصيفية، و3 في المائة إنهم سيمضون الوقت خارج مدنهم.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مرسوماً قضى بإعلان عطلة في أنحاء البلاد خلال الفترة الممتدة من 30 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، بسبب تزايد الإصابات بفيروس كورونا، مع منح سلطات الأقاليم صلاحيات إعلان أيام عطلة إضافية، انطلاقاً من الوضع الوبائي في مناطقهم.
وأورد موقع جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية أنّ روسيا تأتي في المرتبة الثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة وبريطانيا على صعيد عدد الإصابات الجديدة في الأسابيع الأربعة الأخيرة بنحو 860 ألفاً.