لا ترأف الموجة الجديدة من فيروس كورونا باليمنيين، وبلادهم المنهكة من الحرب، كما لم تفعل الموجة الأولى
منذ مطلع مارس/ آذار الجاري، يتجه الوضع الوبائي للخروج عن السيطرة في اليمن، مع تصاعد إصابات فيروس كورونا الجديد، بشكل لافت، وسط مخاوف من انهيار النظام الصحي، وهو المتهالك أساساً من جراء النزاع المتواصل منذ نحو ستة أعوام.
منذ تسجيل أولى الإصابات في إبريل/نيسان 2020، لم تسجل السلطات الصحية اليمنية سوى 2310 إصابات بالفيروس و634 وفاة، لكنّ الموجة الثانية من كورونا، جعلت منسوب الإصابات اليومية يقفز إلى مستويات عالية، على الرغم من تكتم السلطات الحوثية في صنعاء، حول حقيقة الوضع الصحي في مناطق نفوذها. ومنذ أول مارس/ آذار الجاري حتى التاسع عشر منه، سجّلت السلطات الصحية التابعة للحكومة المعترف بها دولياً (حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، مقرها عدن)، 907 إصابات جديدة، أي أقل بقليل من نصف الأرقام التي سُجّلت خلال عام كامل، فيما جرى الكشف عن 99 وفاة، وفقاً للإحصائيات الرسمية التي اطلعت عليها "العربي الجديد". وباتت محافظة حضرموت التي سجلت أول إصابة العام الماضي، بؤرة رئيسية لتفشي الفيروس، بعد تسجيلها 1577 إصابة و402 وفاة (منذ 11 شهراً)، تليها عدن بـ528 إصابة، لكنّ تعز كانت الثانية في عدد الوفيات بـ93.
وبعيداً عن مناطق الحكومة المعترف بها، تفشى الوباء في المناطق الخاضعة للحوثيين، بعد توجيهات رسمية برفع الجاهزية القصوى في المرافق الصحية وتجهيز مراكز العزل بالمستشفيات. وتتكتم الجماعة على أرقام الإصابات بالفيروس تحت مزاعم الحفاظ على معنويات السكان. وخلال الموجة الثانية، نال الفيروس من رئيس حكومة صنعاء (تابعة للحوثيين) عبد العزيز بن حبتور، مع عدد من طاقمه، وجرى عزله منزلياً منذ 3 مارس الجاري وفقاً لمصادر "العربي الجديد". ولا تعكس الأرقام المعلنة، حقيقة انتشار الوباء على الأرض، خصوصاً في ظلّ تدهور المرافق الصحية والتساهل المجتمعي مع الفيروس، والتعامل مع أعراضه باعتبارها نزلات برد موسمية عابرة وحُمّيّات معتادة، حتى أنّ اليمنيين لا يلتزمون بأيّ تدابير احترازية غالباً.
وعلى الرغم من الرقم الضئيل المعلن للإصابات مقارنة بالدول المجاورة، فإنّ الموجة الثانية، دفعت وزير الصحة في حكومة هادي، قاسم بحيبح، للإعلان عن خروج المرافق الصحية عن السيطرة، بعد نفاد أسطوانات الأوكسجين وأجهزة التنفس الاصطناعي، بعد وصول غرف العناية المركزة في مراكز العزل، إلى طاقتها الاستيعابية. وتشكل أسطوانات الأوكسجين المعضلة الرئيسية للمرافق الصحية في اليمن، ومع تصاعد أرقام الإصابات خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، تزايد الاحتياج خصوصاً في العاصمة المؤقتة عدن، فوصل الاستهلاك فيها خلال ثلاثة أيام فقط إلى 2000 أسطوانة، وفقاً لمصادر في وزارة الصحة. تقول المصادر لـ"العربي الجديد" إنّ الإصابات الحرجة في غرف الرعاية المشددة تحتاج إلى نحو 12 أسطوانة في اليوم الواحد، وهذا التحدي، دفع الوزارة للاتفاق مع منظمة الصحة العالمية على بناء أربعة مصانع أوكسجين مصغرة، يخصص إنتاجها لمراكز العزل، خلال الفترة المقبلة.
يمتلك اليمن حالياً عدداً من محطات تصنيع الأوكسجين الصغرى، التي تنتج نحو 150 أسطوانة في اليوم الواحد، لكنّ هذا الرقم لا يكفي لمحاربة فيروس كورونا، خصوصاً في ظلّ شح أجهزة التنفس الاصطناعي التي لم يصل منها سوى عشرات إلى المحافظات خلال الموجة الأولى. وفي ظل الإمكانات الصحية الشحيحة، تدعو السلطات السكان إلى تفادي الانهيار الكامل للمستشفيات من خلال الالتزام بالإجراءات الاحترازية والإغلاق الجزئي للمدارس والجامعات والأسواق، والتباعد الاجتماعي بقدر الإمكان. ولا تجد النصائح الرسمية آذاناً صاغية، ومن النادر مشاهدة أشخاص يمنيين خلال الموجة الثانية يضعون أقنعة الوجه في الشوارع والأماكن العامة، على الرغم من التفشي الواسع للحمّيّات في معظم أحياء المدن، خصوصاً تعز وعدن.
ساهم تأخر وصول الوباء إلى اليمن في المرحلة الأولى، في تكوين قناعات لدى بعض السكان بعدم وجود المرض من الأساس، وهو ما جعلهم يتمادون في التساهل بالإجراءات الاحترازية، مع مواصلة عاداتهم اليومية. يقول كمال البعداني، وهو من سكان حي الجمهوري في تعز لـ"العربي الجديد" إنّ عشرات الأسر تعاني من أعراض كورونا، مع ذلك، تواصل حياتها كالمعتاد، وتختلط مع غيرها، كما ترفض إجراء فحوص الكشف عن الفيروس.
ويبدو الوضع الصحي في اليمن، معقداً أكثر مع تفشي عدد من الأوبئة التي تحمل أعراضاً مشابهة لفيروس كورونا، خصوصاً الدفتيريا وحمى الضنك، علماً أنّ مراكز العزل لا تستقبل سوى الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا. وفي هذا الإطار، يقول مسؤول الإعلام الصحي في مدينة تعز، تيسير السامعي لـ"العربي الجديد"، إنّ نحو 140 إصابة سجلت في المدينة خلال العام الجاري، فيما هناك 14 إصابة ما زالت في مراكز العزل حتى أول من أمس الجمعة. وفي ظل تصاعد الإصابات المؤكدة، مع الاشتباه بمئات الحالات أيضاً، لا سيما المخالطين، يقول السامعي إنّ الفرق الصحية تجري تتبعاً للحالات المشتبه فيها مع وضعها تحت الرقابة.
من جهتهم، يتوقع عاملون في القطاع الصحي أن تشهد المدن اليمنية انفجاراً أكبر في أعداد الإصابات خلال الأيام المقبلة، خصوصاً الفترة التي تشهد ازدحاماً في الأسواق قبيل حلول شهر رمضان (13 إبريل/ نيسان المقبل) حتى نهايته، داعين إلى تسريع إنهاء العام الدراسي الحالي، وتقديم موعد الامتحانات النهائية قبل حلول الكارثة. وبدأت بعض المدارس الأهلية في مدينة تعز، بالفعل، في تقديم موعد الامتحانات، خصوصاً لتلاميذ المراحل الدراسية الأولى خشية على صحتهم، لكنّ غالبية المدارس الحكومية، التي تشهد اكتظاظاً، لم تعلن بعد عن أيّ خطوات احترازية.
وعلى الرغم من خروج المرافق الصحية عن الجاهزية وعدم تطبيق الإجراءات الاحترازية، ما زال اليمن محروماً حتى الآن من لقاحات فيروس كورونا التي وصلت إلى غالبية دول العالم. يتوقع مصدر حكومي لـ"العربي الجديد" أن تصل الدفعة الأولى من اللقاحات المقدمة من مبادرة "كوفاكس"، في نهاية إبريل/ نيسان المقبل. وتضم الدفعة الأولى 360 ألف جرعة فقط تكفي لـ180 ألف مواطن. وبحسب وزارة الصحة اليمنية، فإنّ الأولوية في تقديم اللقاحات ستكون من نصيب الأطباء وكبار السن الذين يعانون بالفعل من أمراض تنفسية.