كورونا "تعذيب زائد" بسجون تونس

12 ديسمبر 2021
أية مطالب بإطلاق سجناء "مقبولة" في تونس (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

لدى انتشار جائحة كورونا في ربيع عام 2020، لم تملك تونس، بخلاف دول عدة في العالم، أي جهوزية سياسية وصحية واجتماعية واقتصادية وقانونية لمواجهتها. وكان من الطبيعي أن يشمل ذلك السجون ومراكز التوقيف، والذي ظهر من خلال عدم اتخاذ التدابير الملائمة داخلها، وغياب أي إطار قانوني لتطبيقها داخل أماكن الاحتجاز أو خارجها. 
وكان حجم التأثيرات السلبية للجائحة مضاعفاً على هذه الأماكن التي تضم أفراداً محرومين من حريتهم، وفي حال ضعف وهشاشة.
وقد فضحت تقارير حقوقية مقدار الوضع الكارثي في السجون التونسية منذ الثورة وقبلها، والذي تعمّق خلال جائحة كورونا بسبب مشاكل عدة، في مقدمها معضلة الاكتظاظ الشديد الذي تتجاوز نسبته 150 في المائة من سعتها.
وكشف تقرير أصدرته المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب عن تأثير الجائحة على وضع السجون خلال الفترة بين مايو/ أيار ويوليو/ تموز الماضيين، وعن الحاجة الماسة إلى ضرورة وضع خطة طوارئ فعّالة للسجون من أجل التعامل مع أزمات مماثلة. 

من الصرامة إلى اللامبالاة
يقول الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب منذر الشارني لـ"العربي الجديد": "رغم تعاقب أزمات السجون منذ الثورة، وبينها اندلاع سلسلة الحرائق فيها التي أسفرت عن عشرات الوفيات حرقاً واختناقاً، وفرار حوالى 11 ألف سجين، ومواجهتها تحديات المعتقلين الإرهابيين، لم تتوفر أي خطة لمواجهة حالات طوارئ أمنية وصحية على غرار جائحة كورونا التي عمّقت أكثر الوضع الكارثي للسجون". 
يُضيف على هامش مؤتمر صحافي نظم لتقديم تقرير بعنوان "السجون التونسية تحت وطأة الجائحة": "لم تنحصر أزمة الوضع الكارثي في السجون خلال فترة الوباء على غياب الأطر القانونية، بل امتد أيضاً إلى مشاكل تطبيق الإجراءات الوقائية للمعتقلين الجدد، والتي خضعت لمعايير صارمة حتى يونيو/ حزيران 2020، قبل أن يسود سلوك اللامبالاة والتراخي، مثل إهمال وضع الكمامات وهجر بوابات التعقيم وعدم إجراء تحاليل كشف الفيروس، وعدم توفير مواد تعقيم وتنظيف".
ويكشف عضو المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب شكري لطيف في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "عدد المطعمين في السجون التونسية وفق الهيئة العامة للسجون والإصلاح بلغ 5 آلاف حتى منتصف أغسطس/ آب الماضي، علماً أن الأرقام الرسمية تحدد عدد المصابين بكوفيد-19 بـ270 سجيناً و100 عنصر من أجهزة إدارة المعتقلات، وهو ما تشكك به الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تعتبر أن الإصابات تتجاوز هذه الأرقام". 
ويوضح: "في شأن معايير النظافة وتدابير الوقاية، لم تحصل سجون على أي وسائل للحماية والتعقيم، ووزعت أعداد غير كافية من الكمامات على سجناء في مراكز احتجاز أخرى، والتي استعملت أكثر من اللازم، مع ملاحظة منح كمامة واحدة شهرياً في أحد المراكز لدى مقابلة السجين لطبيب. كما تأخر وصول مواد وتجهيزات التعقيم إلى بعض السجون في بداية الجائحة".

الصورة
الحقوق الصحية للسجناء مهدورة في تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
الحقوق الصحية للسجناء مهدورة في تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

كل أنواع التضييق 
في السياق، أدى انتشار الجائحة والخوف من العدوى إلى التضييق على حق السجناء في النفاذ إلى العدالة. ويقول عضو المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب الأستاذ لطفي الهمامي لـ"العربي الجديد" إن "عدداً من السجناء واجهوا صعوبات في تقديم عرائض وشكاوى لقضاة التحقيق أو للنيابة العمومية أو المحاكم. كما اشتكى عدد كبير منهم من قلة المعلومات المتوفرة حول أوضاعهم القانونية ومواعيد الجلسات والتهم الموجهة إليهم، وحقوقهم في الدفاع".
ويذكر تقرير "السجون التونسية تحت وطأة الجائحة" أن "إدارات السجون واجهت صعوبات في نقل الموقوفين بين سجون الحجر وتلك العادية أو المحاكم بسبب طول المسافة التي تفصل بينها، كما واجهت مشاكل في توفير وسائل النقل وضمان الأمن خلال عمليات النقل، وضمان عدم انتقال الفيروس من سجن إلى آخر".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

على الصعيد النفسي، أوضح التقرير أن "الوقع النفسي والصحي للجائحة كان كبيراً على السجناء، ما جعل مواعيد مقابلة طبيب السجن تشهد فترة انتظار طويلة لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر بالنسبة إلى الحالات العادية. كما اشتكى نزلاء ألزموا بالحجر الصحي أو العزل من غياب أي معلومات حول أوضاعهم الصحية وحرمانهم من التواصل مع العالم الخارجي بعد وقف كل الأنشطة والورش، ما أثرّ سلباً على أوضاعهم النفسية".

المساهمون