رسم التقرير السنوي الذي نشرته أخيراً منظمة "أوكسفام إيبيس"، الفرع الدنماركي من منظمة "أوكسفام" العالمية التي تنشط في قضايا الحقوق والمساواة والتعليم والعمل، وحمل عنوان "عدم المساواة تقتل"، صورة غير جيدة لواقع الفقراء في العالم بعدما تحدث عن توسيع جائحة كورونا "الفجوة القاتلة" بين الأشد فقراً والأكثر ثراءً.
وعرض التقرير الذي تضمنته 60 صفحة لأمثلة عن توسّع هذه الفجوة. وأورد أن "252 رجلاً بات لديهم ثروات تفوق ما تملكه مليار فتاة وامرأة في أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وأن استحواذ نسبة واحد في المائة من الأثرياء على الثروة العالمية تضاعف 20 مرة مقارنة بنحو 50 في المائة من الأشد فقراً.
ولفت إلى أن غياب المساواة في العالم يتسبب في وفاة شخص كل 4 ثوانٍ. وأشار إلى أن مرض كوفيد- 19 قتل أميركيين من أصل أفريقي أكثر من البيض، بسبب الاختلال في المساواة والرعاية الصحية ونوعية الحياة في ظل الجائحة.
وبالتزامن مع صدور التقرير، أعلنت رئيسة فرع أوكسفام إيبيس" في كوبنهاغن، ترينا بيرتو ماك، أن "الوباء يعمل مثل عدسة مكبّرة، فهو لم يخلق نفسه فجوة انعدام المساواة، بل زادها تحت ضغوط تكثيف تجميع الثروات في القمة وتوسع الفقر في القاع".
على صعيد الأرقام، أشارت المنظمة إلى أن 160 مليون إنسان دفعوا إلى خانة الفقر، مع تسجيل "حجم خسائر في الأرواح لا يمكن مقارنته سوى بما حصل في الحرب العالمية الثانية". واعتبرت أن "الأنظمة الاقتصادية العالمية تساهم في ضغوط تكريس عدم المساواة في المجتمعات وتدفعها نحو التمزق، ما يشكل عنفاً مقنّعاً، علماً أن أصحاب المليارات زادوا منذ انتشار كورونا".
ولمّحت "أوكسفام إيبيس" إلى أن سياسة اللقاح العالمي تمارس "فصلاً عنصرياً يؤدي إلى الموت". وشددت على أن شركات الأدوية الكبرى تستمر في احتكار اللقاحات والسيطرة عليها. واستشهدت بتقارير أعدتها مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي و"كريديت سويس" والمنتدى الاقتصادي العالمي، والتي شددت على أن "الجائحة أدت إلى اختلال في توازن بلدان في أنحاء العالم تحمّل السكان الأفقر والجماعات التي تتعرض لعنصرية أعباءه الأكبر. وغياب المساواة في مواجهة كورونا يساهم في قتل مزيد من الناس، ليس لأن العالم يفتقر إلى رخاء، بل لأن توزيع هذا الرخاء غير متساوٍ".
واعتبرت ترينا أن مواجهة غياب المساواة "قد تحصل عبر فرض ضرائب تصاعدية على أصحاب المليارات، علماً أن هذا الاختلال يعرقل أيضاً التطور الديمقراطي للمجتمعات الفقيرة، ما يؤدي إلى موت الناس من الفقر والوباء بشكل أكبر. وقد شهد العام الماضي زيادة في أعداد من باتوا من أصحاب مليارات بواقع ملياردير جديد كل 26 ساعة، وفيما وصلت مجتمعات إلى فقر شديد وفقد ناس كُثر وظائفهم ازدهر سوق الأسهم أكثر من السابق".
وكانت المنظمة انتقدت سياسات الاتحاد الأوروبي في مواجهة الجائحة العالمية، وحمايتها شركات الأدوية بدلاً من مساعدة الملايين ممن يحق لهم الحصول على اللقاحات، على الأقل عبر رفع احتكار تصنيعه في الدول المتقدمة.
وكشفت تزايد استغلال الجائحة للتربح المالي، وهو ما شددت عليه ترينا بقولها إن "أصحاب الأصول المالية استفادوا من الوباء من خلال سوق الأسهم التي شهدت طفرة شديدة، وأبقوا قبضتهم المسيطرة على الاقتصاد عبر أسعار فائدة منخفضة وشراء السندات".
وأخيراً، يكشف التقرير أن "حزم المساعدات المالية التي طرحت لمواجهة كورونا أظهرت فرقاً كبيراً بين قدرات الحكومات، ففي حين استفاد منها الذين يعيشون في مجتمعات متقدمة، لم يحصل غالبية الناس على شبكة أمان للعيش الاجتماعي. فملايين الناس وجدوا نفسهم بلا ضمان عندما أصبحوا عاطلين عن العمل".
ونقل تقرير "أوكسفام إيبيس" أن ملايين النساء جرى فصلهن من العمل ويواجهن صعوبة في العودة إليه، ما يشير إلى تنامي ظاهرة عمل ملايين الرجال والنساء في دول فقيرة في ظروف صعبة وبلا عقود.
يذكر أن منظمة "أوكسفام" العالمية تأسست على مبدأ أن أساس العالم غني بالموارد، وأن الفقر ليس أمراً حتمياً. وقد نمت المنظمة وتعززت لتصبح اليوم إحدى أكبر المنظمات الخيرية الدولية المستقلة في مجالي الإغاثة والتنمية. وهي تتبنى مع شركائها المحليين المواقف المنحازة للشعوب الفقيرة والمستضعفة في المحافل الدولية، من دون أي اعتبارات أو انتماءات سياسية أو دينية، وتتعاون مع الهيئات المعنية في الأمم المتحدة، وتشارك في اجتماعاتها الدولية، وأيضاً مع منظمات دولية عدة أخرى بينها لمنظمة التجارة العالمية، والمنتدى الاقتصادي العالمي، ومؤتمر الأمم المتحدة السنوي حول التغير المناخي. وتبذل "أوكسفام" قصارى جهدها للتأثير في السياسات العالمية التي تعالج مشاكل الفقر في العالم.