كوارث القطارات في مصر... تاريخ دموي طويل

26 مارس 2021
تصادم قطارين في سوهاج (فرانس برس)
+ الخط -

يكاد لا يمر عام من دون أن تشهد مصر حوادث قطارات تؤدي إلى سقوط العديد من الضحايا، وسط إهمال المعنيين لتحسين خدمات هذا القطاع. اليوم الجمعة، قتل 32 شخصاً وأصيب 91 آخرون في حادث تصادم قطارين في مركز طهطا في محافظة سوهاج، جنوب البلاد. 

إلا أن هذه الحوادث تتكرر في البلاد. ففي التاسع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، استيقظ المصريون على خبر مصرع خمسة مواطنين، وإصابة أربعة آخرين، في حادث تصادم سيارة نقل بجرار  قطار في مزلقان بدران في منطقة الكرنك، شمالي مدينة الأقصر، ونقل جثامين الضحايا إلى المشرحة والمصابين إلى المستشفى لتلقي العلاج.

آنذاك، أصدرت الهيئة القومية لسكك حديد مصر بياناً قالت فيه إن السيارة المحملة بالركاب عبرت شريط القطار من مكان "غير مخصص لعبور السيارات، أثناء مسير الجرار رقم 2420 على الخط النازل ما بين محطتي الأقصر والكرنك"، مشيرة إلى أن "هناك مزلقاناً من الجهة القبلية على بعد كيلومترين من مكان الحادث، وأنها سبق أن أغلقت هذا المعبر غير القانوني أكثر من مرة بمحاضر رسمية، إلا أن الأهالي يعاودون فتحه مخالفين تعليمات الهيئة".

وذكرت إحصائية رسمية مصرية عام 2017 أن عدد حوادث القطارات بلغ 12236 حادثاً بين عامي 2006 و2016. وقالت في الإحصائية، الصادرة عن الهيئة القومية لسكك حديد مصر، بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أنّ أكثر عدد حوادث وقع في عام 2009، في حين شهد عام 2012 أقل عدد من الحوادث نتيجة تكرار توقف الخدمة بعد أحداث الثورة.

وفي فبراير/ شباط 2018، اصطدم قطاران في محافظة البحيرة، شمال مصر، وخرجت عربتان من قطار ركاب عن القضبان، واصطدمتا بقطار بضائع كان يمر في المحطة نفسها، وأدى الحادث إلى مصرع 12 راكباً.

وفي أغسطس/ آب 2017، شهدت مدينة الإسكندرية اصطدام قطار قادم من القاهرة بقطار آخر متجه من الإسكندرية إلى بورسعيد. وأسفر الحادث عن مصرع 41 راكباً، وإصابة أكثر من 120 بجروح. وفي فبراير/ شباط 2016، انقلبت عربتا قطار ركاب كانتا قادمتين من أسوان جنوبي البلاد إلى القاهرة، بعد خروجهما عن سكة الحديد. وأدى الحادث إلى إصابة 72 شخصاً بجروح.

وفي مارس/ آذار عام 2015، اصطدمت حافلة مدرسية بقطار بضائع في محافظة الغربية، بعد اجتياز قائد الحافلة حاجزاً - غير قانوني - للعبور أنشأه صاحب مزرعة مجاورة. وأودى الحادث بحياة سبعة أطفال، وأصاب 25 آخرين.

وقبل عامين، وقع حادثان في مدينة البدرشين. ففي يناير/كانون الثاني 2013، خرجت العربة الأخيرة من قطار يُقل جنوداً من قوات الأمن المركزي عن القضبان، ما أدى إلى وفاة 17 جندياً وإصابة أكثر من مائة آخرين. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، اصطدم قطار بسيارة وحافلة، ما أدى إلى سقوط 27 قتيلاً وإصابة 34 آخرين.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2012، اصطدمت حافلة مدرسية بقطار ركاب في محافظة أسيوط، بعدما اقتحم سائق الحافلة حاجز المزلقان بالتزامن مع مرور القطار، وراح ضحية الكارثة 44 تلميذاً (مرحلتا رياض الأطفال والابتدائية)، بالإضافة إلى مقتل السائق ومشرفتين، عدا عن سقوط 13 مصاباً. وتقدم وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديدية باستقالتهما آنذاك.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2009، شهدت مدينة العياط كارثة مروعة بعد اصطدام قطارين، ومصرع 18 شخصاً وإصابة 50 آخرين. واستقال وزير النقل آنذاك، محمد منصور، بعد انتقادات عنيفة في البرلمان، الذي حمّله مسؤولية الحادث. كذلك قدّم ثمانية من العاملين بالسكك الحديدية للمحاكمة بتهمة الإهمال.

 

وفي يوليو/ تموز 2007، شهدت مدينة قليوب كارثة أخرى عندما اصطدم قطاران وقتل 58 شخصاً وأصيب 140 آخرون. وفي أغسطس/ آب 2006، اصطدم قطاران في مدينة قليوب أيضاً، واختلفت التقديرات بشأن أعداد القتلى، إذ تحدثت مصادر عن وقوع أكثر من خمسين قتيلاً، في حين ذكرت أخرى أن عدد القتلى يفوق الثمانين، وأسفر الحادث عن إقالة رئيس هيئة السكك الحديدية آنذاك، والحكم على 14 موظفاً في الهيئة بالسجن لمدة عام بعد إدانتهم بالإهمال.

أما عام 2002 فشهد أكثر كوارث السكك الحديد دموية والتي عرفت بكارثة "قطار الصعيد"؛ ففي شهر فبراير/ شباط، اندلعت النيران في إحدى عربات القطار بعد مغادرته مدينة العياط في محافظة الجيزة. وسبب الحريق هو استخدام أحد الركاب موقداً نارياً، واستمر القطار في السير مشتعلاً لمسافة تسعة كيلومترات، وامتدت النيران إلى باقي العربات.

أدى الحادث إلى مقتل أكثر من 360 شخصاً، إلا أن بعض المصادر  ذكرت أن عدد الضحايا يتجاوز  الألف قتيل، وإن لم يصدر بيان رسمي، الأمر الذي أثار شكوكاً حول الحصيلة النهائية لعدد الضحايا الفعلي. وانتهى الأمر باستقالة وزير النقل آنذاك، إبراهيم الدميري، ورئيس الهيئة القومية لسكك حديد مصر، وقُدم 11 موظفاً في الهيئة للمحاكمة بتهم الإهمال، قبل أن تبرئهم المحكمة في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه. وذكرت أن سبب الحادث هو سنوات الإهمال وسوء الإدارة. وجاء في الحكم أن "الجناة الحقيقيين ما زالوا طلقاء".

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1999، اصطدم قطار كان يتجه من القاهرة إلى الإسكندرية بشاحنة نقل وخرج عن سكة الحديد نحو الأراضي الزراعية، ما أسفر عن وقوع 10 قتلى وإصابة 7 آخرين كانت حالتهم خطرة. وفي إبريل/ نيسان من العام نفسه، أدى تصادم قطارين إلى مقتل 10 من ركاب وإصابة أكثر من 50 آخرين، كان معظمهم حالاتهم خطرة.

تصادم قطارين في مصر (فرانس برس)
(فرانس برس)

 

وفي أكتوبر/ تشرين الأول عام 1998 اصطدم قطار بحاجز إسمنتي في مدينة كفر الدوار، وأدى الحادث إلى مقتل 50 شخصاً وإصابة 80 آخرين. وفي فبراير/ شباط 1997، وتحديداً في محافظة أسوان، أدّى خطأ بشري وخلل في الإشارات إلى وقوع تصادم بين قطارين شمال مدينة أسوان، ما أدى إلى سقوط 11 قتيلاً على الأقل والعديد من الإصابات.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 1995، قتل 75 راكباً وأصيب المئات في تصادم قطار بمؤخرة قطار آخر. وأكدت التحقيقات وقتها أن المسؤولية تقع على عاتق سائق القطار الذي تجاوز السرعة المسموح بها رغم وجود ضباب كثيف، ما جعله عاجزاً عن اتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب.

وفي ديسمبر/ كانون الثاني 1993، قتل 12 شخصاً وأصيب 60 آخرون في تصادم قطارين على بعد 90 كيلومتراً شمالي القاهرة.

وتتجاهل الحكومة تطوير وسائل النقل أو العمل على تحسين خدماتها. وعلى العكس، تعمد إلى رفع الأسعار  من دون الاكتراث لمعاناتهم المستمرة منذ قرار تحرير سعر الصرف، وما تبعه من زيادات غير مسبوقة في أسعار كافة السلع والخدمات.

وتشير إحصائيات غير حكومية إلى مقتل نحو ستة آلاف مصري، وإصابة أكثر من 21 ألفاً آخرين، غالبيتهم من الفقراء والمهمشين، بسبب حوادث القطارات خلال السنوات العشر الأخيرة. وتحتل مصر مركزاً متقدماً بين أسوأ عشر دول على مستوى العالم في ارتفاع معدلات حوادث القطارات التي تؤدي إلى الوفاة، وهو ما أدرجها على "الخريطة السوداء" لحوادث القطارات.

وفي أغسطس/ آب 2017، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاحه عدداً من المشاريع: "بدل ما أصرف 10 مليارات جنيه عشان أعمل ماكينة للإشارات، وأطور سكة الحديد، أروح أحطهم في البنك (أضعهم) بفائدة تصل إلى 20 في المائة سنوياً، وأزودهم بقيمة ملياري جنيه". ويروّج المسؤولون في هيئة السكك الحديدية أن خسائرها تتجاوز 10 مليارات جنيه في العام، بما يُنذر بزيادة أسعار  بطاقات القطارات.

 

في غضون ذلك، تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يحتد فيه وزير النقل كامل الوزير على مواطنة طالبته بخفض سعر تذكرة المترو، على هامش افتتاح محطة "هليوبوليس" بالخط الثالث لمترو القاهرة. وقالت: "أنا مرافقة لابني المريض بالتوحد الذي يتلقى جلسات منتظمة للتخاطب"، مضيفة: "إبني يقطع تذكرة مخفضة بنصف جنيه، وأنا أقطع تذكرة بخمسة جنيهات، وكل ما أطلبه هو المساواة معه".

وعندما وقعت كارثة "محطة مصر" في نهاية فبراير/ شباط من عام 2019، والتي راح ضحيتها 22 مواطناً، طرحت تساؤلات حول السياسات التي ساهمت في تدهور سكك الحديد لتصبح سبباً في سلسلة طويلة من كوارث القطارات، وخصوصاً أن الحادث جاء في المحطة المركزية في قلب العاصمة، التي عادة ما تحظى بأكبر تركيز للموارد وعوامل التأمين.