كندا: انتهاكات المدارس الداخلية في حق سكان أصليين تهز الرأي العام

31 يوليو 2021
في هذا الموقع اكتُشفت رفات مجهولين من السكان الأصليين (جيف روبنز/ فرانس برس)
+ الخط -

مع تكشّف مزيد من المعلومات عن التاريخ المؤلم للمدارس الداخلية حيث كان أبناء السكان الأصليين في كندا يوضَعون فيها، يطالب كنديون مصدومون كثر بخطوات إضافية بهدف تسليط الضوء على الحقيقة سبيلاً لتحقيق المصالحة.

وبالنسبة إلى رئيس مجلس الأمم الأولى في مقاطعة كيبيك ومقاطعة نيوفوندلاند أند لابرادور، غيلان بيكار، فإنّ ذلك يمثّل "بالتأكيد نقطة تحوّل". أضاف أنّ "الناس أكثر استجابة الآن"، فهم "يريدون معرفة الحقيقة" عن هذا الفصل المظلم من تاريخ البلاد.

ولأسباب عدّة، منها تقرير يعود إلى عام 2015، وصلت في السنوات الماضية تفاصيل ذلك الدمج القسري والعنف اللذَين مورسا في تلك المدارس الداخلية إلى جمهور أكبر بقليل. لكنّ غضباً عارماً تفجّر في الأشهر القليلة الماضية، بعد الكشف عن مئات القبور التي تضمّ رفات مجهولين في نطاق عدد من تلك المؤسسات.

وكان عشرات آلاف الأطفال من أبناء السكان الأصليين قد قيدوا قسراً إلى تلك المدارس الكاثوليكية الموزّعة في كلّ أنحاء البلاد، ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر وحتى تسعينيات القرن الماضي، بعدما فُصلوا عن عائلاتهم وثقافاتهم. وقضى آلاف منهم في تلك المدارس، وتعرّض كثيرون إلى اعتداءات جسدية وجنسية، وفق لجنة تحقيق خلصت إلى أنّ الحكومة الكندية ارتكبت "إبادة ثقافية". يُذكر أنّه في عام 2008 وجّه رئيس الوزراء ستيفن هاربر اعتذاراً نيابة عن الشعب الكندي يتعلّق بما وقع في تلك المدارس الداخلية.

ماري كريستين بوافان-فورنييه مواطنة كندية تبلغ من العمر 33 عاماً، وهي من سكان مونتريال، تقول: "كان متوقّعاً أن نكتشف في يوم ما شيئاً كهذا"، من دون أن تخفي صدمتها إزاء ما عُثر عليه. لكنّها قرّرت تحويل تلك الصدمة إلى تحرّك. وبدلاً من تقديم الهدايا لها في عيد ميلادها في وقت سابق من هذا الشهر، طلبت من أصدقائها وعائلتها التبرّع بالمال لمصلحة ملجأ نساء السكان الأصليين في مونتريال، بعد ظهور معلومات إضافية عن "المدارس الداخلية والإبادة الاستعمارية واختفاء نساء وفتيات من السكان الأصليين".

وفي هذا الإطار، رأى القائمون على الملجأ أنّ تلك كانت "خطوة بسيطة" لكن ذات دلالة كبيرة. وأكدت مديرة الملجأ ناكوسيت أنّ "الأفعال أهمّ من الكلام"، واصفة تلك الخطوات بأنّها "مصالحة". يُذكر أنّ الملجأ تلقّى تبرّعات كثيرة في هذا العام بمناسبة العيد الوطني لكندا الذي حلّ في الأوّل من يوليو/ تموز.

وبينما اختار كنديون الردّ على ما تكشّف بدعم السكان الأصليين من خلال تبرّعات مالية، صبّ آخرون غضبهم على الكنيسة الكاثوليكية. ولا تخفي كيم فيرو أنّها قرّرت الخروج من الكنيسة كلياً. وتقول فيرو البالغة من العمر 49 عاماً: "لا أرى فائدة من البقاء تحت سقف الديانة الكاثوليكية"، مؤكدة أنّ اكتشاف المقابر أخيراً جعلها تتّخذ قرارها النهائي. تضيف: "هذه رسالة أريد توجيهها" إلى المعنيين. وتلفت فيرو، المولودة في عائلة كاثوليكية، إلى أنّ "أرضهم وأطفالهم وثقافتهم وأسماءهم وحياتهم سُلبت منهم. كلّ شيء أُخذ منهم".

من جهتها، تؤكد البروفسورة في الأنثروبولوجيا في جامعة مونتريال ماري-بيير بوسكيه أنّ اكتشاف القبور التي تضمّ رفات مجهولين أتى "صدمة كبرى" للمجتمع الكندي. تضيف أنّ "الناس أدركوا أنّ إرث المدارس الداخلية لم يكن فقط صوراً بالأبيض والأسود لأطفال في صفوف في كلّ أنحاء البلاد، بل صار واقعاً ملموساً".

وتشير إلى أنّ "هذه ليست الصورة التي كانت لدى الكنديين عن بلدهم. كندا ليست بلداً يُدفن فيه الأطفال سراً". وتتابع بوسكيه أنّ هؤلاء يصنّفون بلدهم "ديمقراطية متعدّدة الثقافات، مع ماضٍ نيّر ومساحات مفتوحة جداً، وليس بلداً قائماً على الإبادة. وقد أدركنا أخيراً أنّ ذلك خرافة. ما تكشّف قاسٍ جداً". وتتوقّع بوسكيه أن يرغب كنديون كثر في الاطلاع على ماضي السكان الأصليين في البلاد، مع تواصل الأبحاث المتعلّقة بالمدارس الداخلية. ويقدّر خبراء أنّ نحو 15 أل0ف طفل أُلحقوا بتلك المدارس، وأنّ أكثر من أربعة آلاف منهم قضوا في تلك المؤسسات.

وفي الجامعات، تُرجم ذلك الإدراك بارتفاع كبير في عدد المنتسبين إلى برامج دراسات حول السكان الأصليين. ووصل عدد المنتسبين إلى قسم دراسات السكان الأصليين في جامعة ألبرتا إلى 40 ألفاً في الأسبوع الذي بدأ في الخامس من يوليو/تموز الجاري، بحسب ما يفيد الأستاذ في القسم بول غارو، وهو من السكان الأصليين من شعب "ميتيس" وتعود أصوله إلى سيسكاتشوان. يضيف أنّه في العادة، يتسجّل نحو ألف شخص شهرياً لدراسة المادة. ويوضح غارو أنّ "العدد 40 ألفاً يدلّ على أنّ ثمّة أشخاصاً يستجيبون إلى شيء ما، ولا أستطيع التفكير إلا بأنّه ما اكتُشف في المدارس الداخلية"، معبّراً عن دهشته إزاء "العدد الضخم".

(فرانس برس)

المساهمون