مع تزايد أعداد المصابين بجائحة فيروس كورونا ومحدودية إمدادات اللقاح الأولية، تساءلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حول من له الأحقية بتناول اللقاح. هل ينبغي لبرنامج التحصين في البلاد التركيز في الأشهر الأولى على كبار السن والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية خطيرة، والذين يموتون بسبب الفيروس بأعلى المعدلات، أو على العمّال الأساسيين، وهي فئة موسّعة تشمل الأميركيين الذين تحمّلوا أكبر نسبة خطر بالإصابة؟
تمّ التأكيد تقريباً، أنّ العاملين في مجال الرعاية الصحية وكبار السن، خاصة المقيمين في مرافق الرعاية طويلة الأجل ، سيحصلون على اللقاحات الأولى، وفقاً للإرشادات الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول. ولكن مع توقّع بدء التطعيم هذا الشهر، فإنّ الجدل بين مسؤولي الصحة الفيدراليين، وجماعات الضغط الخارجية التي تريد أن تتضمنّها الخطة الأولى في البرنامج، تزداد وتيرتها.
غياب المساواة
بحسب "نيويورك تايمز"، يزيد هذا السؤال بشكل متزايد، المخاوف بشأن أوجه عدم المساواة التي كشف عنها الوباء، بدءاً من المعدّلات المرتفعة غير المتناسبة للعدوى، والوفاة بين الفقراء والأشخاص ذوي البشرة الداكنة، إلى التباين في وصول الاختبارات ورعاية الأطفال، وتكنولوجيا التعليم عبر الإنترنت.
إذ يقول، القس ويليام جيه باربر الثاني، الرئيس المشارك لحملة الفقراء، وهي حملة لدعم وكفالة الفقراء: "إنّه لأمر محزن أن يتعيّن علينا اتخاذ هذه الخيارات بين الفقراء العاملين وكبار السن، ولكن إذا اضطررنا إلى اتخاذ القرار، فلا يمكننا أن نترك مرة أخرى العمّال الأساسيين الفقراء وذوي الثروات المنخفضة، ليكونوا في المركز الأخير على لائحة التطعيم".
لا شك في أنّ الاختيار بين الفئات الضعيفة للحصول على اللقاح، يُعدّ أمراً صعباً، خاصة إذا كانت الأولوية القصوى، هي منع الموت أو الحدّ من انتشار الفيروس والعودة إلى بعض مظاهر الحياة الطبيعية. يقول، سكوت جوتليب، المفوض السابق لإدارة الغذاء والدواء: "إذا كان هدفك هو تعظيم الحفاظ على حياة الإنسان، فعندئذٍ ستفضّل إعطاء اللقاح للأميركيين الأكبر سناً، أمّا إذا كان هدفك هو تقليل معدل الإصابات، فعندئذٍ ستعطي الأولوية للعاملين الأساسيين، لذلك يعتمد الأمر على التأثير الذي تحاول تحقيقه".
المفاضلة بين الاثنين مشوّشة، خاصة أنّ فئة "العمال الأساسيين"، تضم ما يقرب من 70% من القوة العاملة الأميركية، إذ لا يقتصر الأمر على المستجيبين للطوارئ فحسب، بل يشمل مشغّلي القاطرات والمبيدات وعمّال الطاقة النووية. بينما يعتبر بعض اقتصاديي العمل ومسؤولي الصحة العامة، إنّه يجب حصر العمّال الأساسيين فقط بأولئك الذين يتفاعلون شخصياً مع الجمهور.
المهن الأساسية والخطوط الأمامية
وفق القانون الأميركي، يدخل نحو 70% من العمّال في الولايات المتحدة، في إطار أصحاب الوظائف الأساسية، ومن ضمنهم هناك فئة أو مجموعة فرعية، تسمى"الخطوط الأمامية"، والتي لا يمكنها إنجاز مهامها من البيت، بل عليها التوجّه إلى مراكز عملها، وهي بالتالي معرّضة أكثر من غيرها للإصابة.
أشارت اللّجنة المستقلّة من الخبراء الطبيين والتي تقدّم المشورة لمركز السيطرة على الأمراض، إلى أنّ جميع أعضاء اللجنة يدعمون فكرة إعطاء الأولوية للعاملين الأساسيين، قبل الأشخاص الذين يبلغون من العمر 65 عاماً وما فوق، والذين يعانون من أمراض مزمنة، في المرحلة الأولى من اللقاح. وحتى الآن، لم تقدّم اللجنة مشورتها إلى مركز السيطرة على الأمراض، لاعتماد خطة التلقيح.
تاريخياً، اعتمدت اللجنة على الأدلّة العلمية لاتخاذ قراراتها. وأشارت ليزا بروسر، أستاذة السياسة الصحية وعلوم القرار في جامعة ميشيغن، إلى أنّ الأعضاء الآن يأخذون بالاعتبار مخاوف العدالة الاجتماعية أيضاً.
ويرى، بيتر زيلاجي، عضو اللجنة وأستاذ طب الأطفال في جامعة كاليفورنيا، أنّه لو تُرك الأمر له، فإنّ "مسألة الأخلاق مهمة جداً بشكل عام، ومهمة بشكل خاص في هذا البلد"، في إشارة إلى أهمية إعطاء اللقاحات للعمّال.
يتعارض هذا الموقف مع الأطر التي اقترحتها منظمة الصحة العالمية والأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب والعديد من البلدان، التي تقول "إنّ الحدّ من الوفيات يجب أن يكون أولوية لا لبس فيها، وإنّ كبار السن والمرضى يجب أن يسبقوا العمّال".
أكّد روبرت ريدفيلد، من مركز السيطرة على الأمراض، في بيان له في الثالث من ديسمبر/كانون الأول، أنّه "يتطلع في إمكانية الدولة، إعطاء الأولوية لـ كبار السن أيضاً".
بمجرّد تصويت اللجنة، سيقرّر ريدفيلد، ما إذا كان سيقبل توصياتها كتوجيه رسمي للوكالة، والمضي في تلقيح العمّال الأساسيين قبل كبار السن، ونادراً ما يرفض المدير التوصية من اللجنة، التي يتمّ اختيار أعضائها الـ 14 من قبل وزير الصحة والخدمات الإنسانية.
تشير التقديرات الرسمية، إلى أنّه هناك حوالي 90 مليون عامل أساسي في جميع أنحاء البلاد، كما هو محدّد من قبل قسم في وزارة الأمن الداخلي، الذي قام بتجميع قائمة الوظائف التي تساعد في الحفاظ على البنية التحتية الحيوية أثناء الوباء. هذه القائمة طويلة، ولن يكون هناك جرعات كافية للوصول إلى الجميع في البداية، لذلك تستعد الولايات لاتخاذ قرارات صعبة. ويبقى القرار النهائي للولايات، وهي من حقّها اختيار الخطة المناسبة لها، فعلى سبيل المثال، تمنح ولاية نيفادا الأولوية لعمّال التعليم والنقل العام على أولئك العاملين في البيع بالتجزئة وتجهيز الأغذية، فيما ترى ولايات أخرى أنّ الأولوية هي لكبار السن.