كاراتيبي والكناري... أوروبا لم تفِ بعهودها للمهاجرين

16 فبراير 2021
الاكتظاظ في كاراتيبي لم يختلف عمّا كان في موريا (فاسيليس ايه. بولاريكاس/ Getty)
+ الخط -

فشل الاتحاد الأوروبي في تنفيذ وعده بتأمين بدائل لائقة للمهاجرين، على الرغم من الإعلان أنّه لا ينبغي أن تكون هناك مخيمات عشوائية في دول الاتحاد، مثل موريا اليوناني، الذي احترق قبل فترة

عندما نددت مفوضة الشؤون الداخلية الأوروبية، إيلفا يوهانسون، قبل أشهر، بالأوضاع في مخيم موريا اليوناني لطالبي اللجوء، بعد احتراقه، كانت كلماتها تستهدف ما هو أبعد من التنديد، باتجاه عدم السماح بتكرار تجربة موريا الذي كان مكتظاً ويعيش فيه المهاجرون في أوضاع غير إنسانية. لكنّ تلك التصريحات تجاوزها الواقع مع نشوء اكتظاظ مماثل وأوجه قصور كبيرة في المخيم اليوناني الجديد كاراتيبي، بالإضافة إلى مخيمات أخرى تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، كما في جزيرتي ساموس وخيوس. وتمتد الأوضاع الخطيرة إلى جزر الكناري وما يجري فيها من انتهاكات بحق المهاجرين.

أفظع من موريا
يعيش نحو 7700 مهاجر في مخيم كاراتيبي في ضواحي ميتيليني، عاصمة جزيرة ليسبوس اليونانية، بعدما نُقلوا إليه من مخيم موريا الذي تعرّض لحريق مدمر في سبتمبر/أيلول الماضي. لكنّ هذا المكان الجديد يفتقر إلى الحدّ الأدنى من مقومات الصمود مع حلول الشتاء والبرد القارس. الوضع المأساوي للمهاجرين داخل كاراتيبي، أبرزته تحقيقات إخبارية رسمت صورة قاتمة عن وضع قاطنيه الذين ينامون في أكثر من 1000 خيمة نُصبت تباعاً مع وصولهم من موريا، ليعود ويغرق قسم منها في المياه، كما تحطّم عدد آخر نتيجة الأمطار، ناهيك عن غياب التدفئة والكهرباء، والنقص في الأسرّة، وافتقادها النظافة العامة، كما تفتقر إلى العدد الكافي من دورات المياه، وتغيب الرعاية الطبية اللازمة. نقلت شبكة "ايه آر دي" الإخبارية عن مقيمين في المخيم أنّ كثيرين منهم يقضون حاجاتهم في البراري المحيطة، واصفين ما يعيشونه بأنّه "أسوأ من جحيم مخيم موريا".

في هذا "الجحيم الجديد" تعيش كلّ عائلتين في مساحة لا تتجاوز 7 أمتار مربعة، فيما لا يوجد إلاّ عدد قليل من المولدات الكهربائية التي تعمل على البنزين وبعضها معطل، كما يحظر استخدام السخانات الكهربائية بسبب ضعف الشبكة، وفي بعض الأحيان لا يحصل السكان على وجبة ساخنة واحدة في اليوم. يأتي ذلك على الرغم من أنّ السلطات اليونانية وعدت سابقاً بأنّه سيصار إلى حفر قنوات لتصريف مياه الأمطار وتحسين إمدادات الطاقة والمرافق الصحية، لكن لم يتحقق من هذه الوعود إلاّ القليل، بل لم يجرِ استبدال الخيم الصيفية، ورصف الطريق الرئيس بالحصى لا أكثر، كي لا يضطر السكان للمشي في الطين والوحل.
دفعت هذه الأوضاع منظمة "أطباء بلا حدود" للطلب من السلطات "الاستغناء النهائي عن المخيم ونقل السكان إلى أماكن إقامة آمنة وإنسانية، وقبول أولئك الذين يلتمسون الحماية من أجل تخفيف الضغط عن الجزر، وبالتالي توزيعهم في أرجاء القارة الأوروبية، لأنّهم وفي نهاية المطاف سيبقون في أوروبا، والمطلوب أن يحصلوا على سكن لائق". وأشار المسؤول في المنظمة غريغ كافارنوس، إلى أنّ غرفة انتظار "أطباء بلا حدود" في ليسبوس ممتلئة دائماً بالمرضى. وأوضح قائلاً: "على الرغم من أنّني في صحة جيدة، لكن إذا تواجدت في خيمة من دون تدفئة ومن دون طعام مناسب ومن دون إمكانية الحصول على النظافة الشخصية، سأكون بالتأكيد عرضة للمرض". أضاف: "أما على صعيد التعليم فليس الوضع أفضل حالاً، بل إنّ مستقبل أطفال المخيم الذين يحتاجون إلى دورات في اللغة والاندماج حتى يتمكنوا من شق طريقهم في المجتمع بات مسروقاً". التحذير نفسه عبّر عنه مدير العمليات في المنظمة ستيفان أوبرايت، الذي قال إنّ الخيم غير مناسبة أبداً لحماية الناس من الشتاء، لا سيما أنّ ثلث قاطنيها من النساء.
هذا الوضع انعكس نقمة لدى المهاجرين من سلطات الاتحاد الأوروبي، إذ يتهمونها بالتلكؤ في إيجاد حلّ للويلات التي يعيشون فيها، خصوصاً مع تفاقم الأوضاع في ظلّ كورونا الذي قلّص تحركاتهم على الأراضي اليونانية، ناهيك عن القيود الصارمة التي تضيّق عليهم فرصهم الضئيلة أساساً في الحصول على مشورة قانونية مستقلة أو أيّ مساعدة أخرى. وهنا تفيد منظمة "برو آزول" المدافعة عن حقوق المهاجرين، بأنّ المحامين التابعين لها يحاولون البقاء على اتصال مع موكليهم عبر الهاتف، على الرغم من أنّ عملهم يجري في ظروف صعبة جداً.

الصورة

طريق جديد
مع الخطر المتزايد على المهاجرين في طريقهم إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وما أظهرته التقارير ومقاطع الفيديو عن تورط وكالة حماية الحدود الخارجية في الاتحاد الأوروبي "فرونتكس" بإبعاد المهاجرين في بحر إيجه، ارتفعت أعداد من يخوضون طريق المحيط الأطلسي، الأكثر خطورة، من الساحل الغربي الأفريقي، باتجاه جزر الكناري التابعة لإسبانيا. عبر هذا الطريق لقي أكثر من 600 شخص حتفهم العام الماضي، فيما انتهى الأمر بآلاف آخرين منهم على الجزر نفسها من دون الانتقال إلى برّ الاتحاد الأوروبي. وأشار موقع "شبيغل" الألماني الإخباري، أخيراً، إلى وصول آلاف المهاجرين من أفريقيا إلى الجزر، بعد إغلاق المغرب الطريق الأقصر والأكثر أماناً عبر مضيق جبل طارق، وبزيادة أكثر من سبعة أضعاف عن الفترة نفسها من عام 2019. وينام الآلاف ممن وصلوا أخيراً على بطانيات في ردهات الفنادق، وينتظر آلاف آخرون في مركز الاستقبال المؤقت على الرغم من ضيق المساحة.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

في هذا الإطار، قال رئيس عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، خوسيه أنطونيو رودريغز، الذي يعتني بالمهاجرين فور وصولهم، إنّ معظمهم من المغرب فيما عدد قليل من السنغال، ويصلون في حالة من الإرهاق ويتضورون من الجوع بعد رحلات طويلة في البحر، فيجري العمل على تأمين المأكل لهم وإخضاعهم لفحص كورونا. ونقل كثير من المهاجرين إلى منشآت عسكرية وغيرها من المرافق الحكومية، وجرى تشييد عشرات الخيم المجهزة بأسرّة.

الصورة

فرونتكس تحت الضوء
ولطالما اتهمت منظمات المجتمع المدني وكالة "فرونتكس" بالتورط في عمليات وحشية في اليونان وكرواتيا والمجر وبلغاريا وغيرها ضد المهاجرين، والآن تم إثبات الادعاءات بشكل أكبر بالكشف عن تورطها في عمليات صدّ غير قانونية على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. وتتوقع المفوضية الأوروبية في بروكسل أن يقدم رئيس الوكالة، فابريس لاغيري، حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تعليقه على تورط وكالته في عمليات صدّ المهاجرين في بحر إيجه، وفق ما ذكرت يوهانسون، مشيرة إلى أنّه بالتأكيد يجب أن يتحمل رئيس "فرونتكس" المسؤولية الكاملة إذا تم التثبت من أنّ مسؤولين كبارا في الوكالة كانوا على علم بالممارسات غير القانونية لحرس الحدود اليونانيين. وصدت "فرونتكس"، منذ إبريل/نيسان الماضي، ما لا يقل عن ست عمليات هجرة. وتظهر مقاطع الفيديو اعتراض سفينة "فرونتكس" قارباً مطاطياً محملاً بعدد من المهاجرين من دون أن تنقذهم، بل مرت قربه بسرعة عالية وغادرت المكان. وعلى الرغم من هذه المقاطع الموثقة، لم تتعامل "فرونتكس" مع القضية بجدية، وجرت إحالة جميع الحوادث المبلغ عنها إلى خفر السواحل اليوناني الذي بدأ تحقيقاً داخلياً.
كلّ ذلك يأتي وسط انتقادات من نواب عدة في البرلمان الأوروبي، يطالبون بتحقيق شامل وشفاف، مشيرين إلى ضرورة معرفة ما حدث للعمل على منع تلك الانتهاكات في المستقبل. واعتبر النائب عن الحزب الاشتراكي الألماني، ديتمار كوستر، أن ما يحصل هو محاولة تستّر فريدة من نوعها لتحويل الانتباه عن تحمل المسؤولية وعدم احترام حقوق الإنسان. أما صوفي إنت فيلد، من كتلة "رنيو أوروبا" الليبرالية، فقالت: "لا يمكن أن نكون قد أوجدنا من فرونتكس وحشاً غير مسؤول، يقف فوق القانون... نحن في أوروبا لا يمكننا إنشاء وكالة حماية حدودية تضم 10 آلاف عنصر مسلحين ينتهكون الحقوق الأساسية، ثم نعطي بيلاروسيا دروساً".
كلّ ذلك يترافق مع تجاهل طلبات التدابير المؤقتة للمهاجرين الذين يلتمسون الحماية، وفق ما أشارت إليه منظمة "برو أزول". كذلك، فإنّ هناك حديثاً الآن عن مخطط يوناني، بدعم أوروبي، لبناء مخيم دائم في ليسبوس ينتهي العمل به في صيف 2021، ويكون خاضعاً للسيطرة الشاملة والمغلقة جزئياً، من أجل تقييد حرية المهاجرين في التنقل، وبالتالي جعلهم غير مرئيين إلى حدّ كبير في الشوارع العامة.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

تبقى الإشارة إلى أنّ ألمانيا ستوفر مليارات اليوروهات لمكافحة أسباب الهروب من الدول الأصلية، ودمج من تقبل طلبات لجوئهم، وقد يصل المبلغ المرصود إلى 64.5 مليار يورو حتى عام 2024. وسيعتمد مبلغ 20.1 مليار يورو لعام 2021، و16.4 مليار يورو لعام 2022، على أن يصل في عام 2024 إلى ما قيمته 25.4 مليار يورو، كلّها تخصص لمكافحة أسباب الهروب من البلد الأصلي، من بينها ما سيخصص للتنمية المستدامة في تلك البلدان، كما ستعتمد مبلغ 22.9 مليار يورو للمساعدات الاجتماعية للمهاجرين في أوروبا، و8.2 مليارات يورو لدمج طالبي اللجوء المقبولين.

المساهمون