كابوس "نقاط التحوّل" في مناخ كوكبنا

25 أكتوبر 2021
جدارية بالقرب من مقرّ انعقاد "كوب 26" في غلاسكو (جيف جاي ميتشل/ Getty)
+ الخط -

تكمن الأولوية المعلنة الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 26) في غلاسكو باسكتلندا، المقرّر ما بين 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري و12 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في التوصّل إلى التزامات تجعل من الممكن الاستمرار في حصر الاحتباس الحراري بنحو 1.5 درجة مئوية. لكنّ أكثر ما يقلق العلماء والمتخصّصين هو عبور "نقاط تحوّل" تليها سلسلة من التفاعلات التي من شأنها أن تقلب كوكبنا رأساً على عقب.

ويقول الخبير تيم لينتون، المتخصص في هذا المجال، من جامعة إكسيتير البريطانية، إنّ "نقاط التحوّل المناخية تغيّر قواعد اللعبة وتشكّل تهديداً وجودياً. بالتالي، علينا القيام بكلّ ما في وسعنا لتجنّب عبورها". ومناخ كوكب الأرض نظام معقّد يتألّف من ظواهر مترابطة من المحتمل أن تكون غير مستقرّة، كما لو كان شخص يتأرجح على كرسي حتى يسقط إلى الخلف. وتعرّف الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، نقطة التحوّل، بأنّها "تجاوز عتبة حرجة، فيُعاد عندها ترتيب النظام بقسوة، و/أو بطريقة لا رجعة فيها". وفي مسودة تقرير سوف يصدر أوائل عام 2022، حصلت وكالة "فرانس برس" على نسخة منها،  حذّر خبراء من الأمر، قائلين "لقد شهدنا عدداً من نقاط التحوّل بالنسبة إلى الشعاب المرجانية والجليد القطبي، ومن المحتمل أن تكون ثمّة نقاط أخرى على المدى القصير، نظراً إلى توقّعات ارتفاع درجة الحرارة".

من جهته، بدأ مؤسس معهد بوتسدام لبحوث تأثير المناخ، هانز يواكيم شيلنهوبر، وهو من أوائل العلماء الذين حلّلوا هذه الظاهرة قبل نحو 15 عاماً، بتركيب قطع اللغز في مكانها بذهنه. ويقول: "أدركت أنّ آلية الكواكب، الرياح الموسمية ودوران المحيطات والتيار النفاث والأنظمة البيئية الكبيرة، مليئة بأنظمة لاخطية. وهذا ما يؤدّي إلى نقاط لاعودة عدّة (...)". وعلى سبيل المثال، تضعف الحواجز الجليدية في القارة القطبية الجنوبية، وهي امتداد للأنهر الجليدية على المحيط، بسبب الاحتباس الحراري. إذا دُمّرت قد تترسّب الأنهر الجليدية الضخمة في المياه، ما يرفع مستويات سطح البحر أمتاراً عدّة. وفي القطب الشمالي، التربة الصقيعية آخذة في الذوبان، ويمكن لهذا الأمر أن يتسبّب في انبعاث مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون المخزّنة فيها في الغلاف الجوي. كذلك ثمّة بالوعة كربون أخرى مهدّدة بالاحتباس الحراري، وهي الغابة المدارية. فقد صارت منطقة الأمازون البرازيلية أخيراً مصدراً صافيا لانبعاث ثاني أكسيد الكربون.

وقد حدّد الخبراء نحو 15 نقطة تحوّل مهمة، بعض منها يتعلق بمنطقة وبعض آخر مرتبط بالكوكب بأكمله، لكنّها كلّها مترابطة. والأكثر عرضة إلى التهديد الفوري هي الشعاب المرجانية والغطاء الجليدي في غرينلاند وغرب القارة القطبية الجنوبية والأنهر الجليدية في جبال الألب والجليد البحري الصيفي في القطب الشمالي وغابات الأمازون المطيرة. ويبدو أنّ ثمّة أنظمة أخرى تقاوم بشكل أفضل مثل التيارات المحيطية التي تنظّم حرارة الأرض أو التيار النفاث في القطب الشمالي والرياح العلوية التي تحدّد الكتل الهوائية شبه المدارية الدافئة والهواء القطبي مع عواقب مناخية كبيرة. أمّا الأكثر مقاومة فهو الغطاء الجليدي في شرق أنتاركتيكا الذي يحتوي على ما يكفي لرفع مستوى سطح البحر بمقدار 56 متراً.

وتكافح النمذجة المناخية الحالية التي تركّز على التغيّرات طويلة الأمد من أجل تحديد نقاط الانهيار هذه، بالإضافة إلى عواقبها، الأمر الذي يجعل من الصعب أخذ الظاهرة في الاعتبار. لكنّ "صعوبة توقّع نقاط التحوّل لا تعني أنّه يجب تجاهلها" وفق تيم لينتون. وفي تقريرها الأخير الذي نُشر بداية أغسطس/آب ىالماضي، أولت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ اهتماماً أكبر لهذه المسألة، محذّرة من أنّه "لا يمكن استبعاد نقاط التحوّل في النظام المناخي".

كذلك، فإنّ عبور هذه النقاط يخاطر بإطلاق تفاعلات متسلسلة. بالتالي، فإنّ ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند هو الذي يُعَدّ سبب تباطؤ "الدوران الانعكاسي للخط الأطلسي"، وهو نظام معقّد لتيارات المحيطات الذي ينظّم الحرارة بين المناطق المدارية ونصف الكرة الأرضية الشمالي. و"من المحتمل جداً" أن يستمرّ هذا التوجّه قرناً من الزمن، وفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، التي تشير في تقديراتها إلى أنّ الدوران الانعكاسي للخط الأطلسي قد يتوقّف بشكل كامل، الأمر الذي يتسبّب في فصول شتاء أشدّ قسوة في أوروبا، واضطراب الرياح الموسمية في أفريقيا وآسيا.

وبالنسبة إلى الهيئة الأممية نفسها، فإنّ النظام المناخي بكامله "قد يسقط في حالة حرّ دائم". وقبل ثلاثة ملايين سنة، وهي المرّة الأخيرة التي احتوى فيها الغلاف الجوي للأرض على نسبة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، كانت درجة الحرارة أعلى بثلاث درجات، على أقلّ تقدير، ممّا هي عليه اليوم. وكان مستوى سطح البحر أعلى بمقدار خمسة أمتار إلى 25 متراً. ويقول أستاذ علم الأحياء القديمة في جامعة ليستر البريطانية، يان زالاسيفيتش، إنّ "مزيجاً من الانبعاثات غير المنضبطة وانبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن ذوبان التربة الصقيعية والغابات، إذا انعكست عملية احتجاز الكربون، قد تضعنا في مسار مماثل لما يزيد قليلاً عن قرن". لذلك، فإنّ الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري "ليس خياراً اجتماعياً أو اقتصادياً، بل هو حدّ كوكبي" كما يؤكد العالم المناخي يوهان روكستروم الذي يؤكد أنّه "إذا انتقل نظام الأرض من التبريد الذاتي إلى التسخين الذاتي، فإنّنا سوف نفقد السيطرة".

في الوقت الحالي، لا تؤخذ الكلفة الاقتصادية لنقاط التحوّل في الاعتبار عند تقييم المخاطر المرتبطة بتغيّر المناخ. لكنّ ثمّة من يريد ذلك، من أمثال غيرنوت فاغنر، خبير اقتصاد المناخ في جامعة نيويورك. بالنسبة إليه، فإنّ "الكلفة الاجتماعية للكربون"، وهي القيمة النقدية للضرر الناجم عن انبعاث طنّ واحد من ثاني أكسيد الكربون، لا بدّ من أن تُرفَع بنسبة 25 في المائة، على أقلّ تقدير، للأخذ في الاعتبار احتمال حدوث تحوّلات مستقبلية. وثمّة آخرون يريدون الاعتقاد بأنّ مفهوم الانهيار هذا قد ينعكس بطريقة أكثر إيجابية على مكافحة أزمة المناخ. وهذا ما يسمّيه باحثون "نقطة تحوّل اجتماعي"، أي عندما تصير حركة اجتماعية و/أو اقتصادية غير قابلة للإصلاح. ويبقى أنّه من انخفاض أسعار الطاقات المتجددة أو السيارات الكهربائية إلى الوعي بحالات الطوارئ المناخية التي تجسّدها حركة شباب عالمية أطلقتها غريتا ثونبرغ، تتعزّز الآمال في حدوث نقطة تحوّل... في الاتجاه الصحيح.

وفي سياق متصل، أعلنت الأمم المتحدة، اليوم الإثنين، أنّ تركيز الغازات المسبّبة لمفعول الدفيئة في الجوّ بلغت مستويات قياسية جديدة في العام الماضي، وذلك في تحذير موّجه إلى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 26) بشأن تفاقم الاحتباس الحراري. وجاء في أحدث نشرة بشأن الغازات المسبّبة لمفعول الدفيئة صادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أنّ المعدّل السنوي للزيادات في العام الماضي تجاوز المعدّل السنوي للفترة الممتدة بين عامَي 2011 و2020 وقد تواصل الاتجاه ذاته عام 2021.

وقد أوضحت المنظمة في بيان بالغة العربية أنّه "لم يكن للتباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا أيّ تأثير ملحوظ" على نموّ معدلات غازات الاحتباس الحراري. أضافت أنّ الزيادة السنوية في تركيز غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز تجاوزت في العام الماضي المعدّل المسجّل في الفترة بين 2011 و2020. وتابعت أنّ بلداناً عدّة "تضع حالياً أهدافاً محايدة للكربون ويؤمل أن يشهد مؤتمر الأطراف السادس والعشرون زيادة كبيرة في الالتزامات. وعلينا تحويل التزامنا إلى عمل سوف يكون له تأثير على الغازات التي تؤدّي إلى تغيّر المناخ. وعلينا إعادة النظر في نظمنا الصناعية والخاصة بالطاقة والنقل وطريقة حياتنا ككلّ. والتغييرات المطلوبة ميسورة التكلفة اقتصادياً وممكنة من الناحية التقنية". وشدّدت على أنّه "ليس هناك وقت نضيّعه". 

(فرانس برس)

المساهمون