قوارب الهجرة من ليبيا إلى أوروبا.. "جحيم فوق الماء"

22 مايو 2024
سفينة أوشن فايكينغ تنقذ العشرات من جحيم قوارب الهجرة، 20 مايو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- صيام ومحمد، شابان يتيمان من بنغلادش، خاضا رحلة شاقة من بلدهما إلى ليبيا ثم عبر البحر المتوسط بحثًا عن حياة أفضل في أوروبا، مواجهين ظروفًا قاسية وخطيرة بما في ذلك العنف من مهربي البشر.
- تعرضا للضرب والترهيب واضطرا للعمل تحت ظروف قاسية في ليبيا قبل أن يقررا المخاطرة بحياتهما في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط على أمل الوصول إلى أوروبا.
- بعد رحلة مروعة استمرت ثلاثة أيام، تم إنقاذهما بواسطة سفينة الإنقاذ أوشن فايكينغ والآن يواجهان تحديات جديدة في إيطاليا، حيث يأملان في تقديم طلب لجوء رغم تشديد سياسات الهجرة واللجوء.

صيام ومحمد شابان من بنغلادش، ورغم انتمائهما إلى ذات البلد، غير أنهما لم يتعارفا إلا داخل أحد قوارب الهجرة في عرض البحر المتوسط، ولم يخطر ببالهما أن يكونا عرضة للموت وأن ينتهي بهما المطاف في أوروبا، فقد انتقلا من بنغلادش إلى ليبيا أملاً في حياة أفضل ومساعدة عائلتيهما، غير أنهما عايشا الجحيم في ليببا وكادا يعانقان الموت في رحلتهما نحو أوروبا.

تعهّد صيام ومحمد، وهما يتيمان، إعالة عائلتيهما في بنغلادش، حيث يعيش نحو نصف السكان على أقل من دولار يومياً. يقول محمد من على متن إحدى سفن الهجرة إنّ "كل شيء يعتمد عليّ... العلاج الطبي والغذاء وكل شيء". وأمل الشابان اللذان وصلا عبر رحلات جوية من الإمارات إلى ليبيا كلّفت بضع مئات من اليورو العثور على وظائف هناك في الزراعة والنفط أو البناء، لكنهما وجدا نفسيهما بدلاً من ذلك عالقين في تجارة الهجرة التي تسحق آلاف الأشخاص من دون أي رحمة كل عام في بلد يعاني الفوضى منذ عام 2011.

قوارب الهجرة... مقابر سيارة

يقول محمد (25 عاماً) بعد ساعات من إنقاذه قبالة مالطا بواسطة سفينة الإنقاذ أوشن فايكينغ: "ضربوني على ساقيَّ ولكموني في جسدي مرّات عدة"، في إشارة إلى مهرّبي البشر في ليبيا، حيث تعرّض للترهيب على مدى أشهر والتهديد باقتلاع أظفاره، مستذكراً أنه قال لنفسه: "سأموت إذا بقيت هنا" في إشارة إلى ليبيا، البلد الذي اعتقد في البداية أنه سيوفر له المال الكافي لإرساله إلى عائلته، مضيفاً: "لذلك قررت، مهما حدث، مغادرة هذا المكان".

من جهته، يقول صيام (20 عاماً) إنه عثر على وظيفة عامل نظافة في مستشفى في بنغازي، لكن "لم أحصل إلا على نصف راتبي. عندما سألت عن المبالغ المستحقة، صفعوني". وبات الهرب مخرجه الوحيد. لكن المخاطرة بحياته في أحد طرق الهجرة الأكثر خطورة في العالم له ثمن: 5000 دولار.

الصورة
أوشن فاكنغ  تنفذ العشرات من قوارب الهجرة 20 مايو 2024 (فرانس برس)
أوشن فايكينغ تنقذ العشرات من قوارب الهجرة قبالة مالطا، 20 مايو 2024 (فرانس برس)

خلال محاولات محمد للهرب من جحيم ليبيا، حُبس في أبنية مسبقة الصنع غير صحية وسُلِّم من مهرّب إلى آخر. نجح أخيراً في الفرار من سجّانيه مع شخصين رافقاه، وبقي من دون مأوى ولا مال ليبيع كل ما بقي لديه: هاتفه وملابسه التي قبل بها مهرّب في نهاية المطاف، وأخيراً، وجد نفسه على متن قارب من الألياف الزجاجية، إلى جانب صيام، في طريقهما إلى صقلية.

وتوسلت عائلة صيام للحصول على المال من أي شخص يمكنه المساعدة، مضيفاً: "باعت عائلتي بعد ذلك منزلي. باعوا منزلي لينقذوني"، موضحاً: "إذا كان بإمكانك تقديم المال، تدفع وستكون حراً. وإلا فسيضربونك"، مبيّناً أنّ المهرّبين "يعدّون تسجيلات مصوّرة وهم يضربونك ويبلغون عائلتك بأن تدفع المال وإلا فسيقتلونك".

معانقة الموت في قوارب الهجرة

يتذكّر الشابان كيف جلسا معاً في القسم السفلي المتآكل من القارب حيث شعرا بالبرد الشديد واستحمّا بالمياه المالحة، فيما طغت رائحة الوقود في الجو. يقول محمد: "كانت الأمواج عالية جداً في المحيط، على ارتفاع خمسة أو ستة أمتار. وكان القارب صغيراً  جداً". وبعد ثلاثة أيام أبحر القارب فيها بسرعة 600 كيلومتر. نفدت المياه والطعام والوقود، وبدأت المياه تدخل إلى القارب. استُخدم كل شيء من القوارير إلى الإسفنج والملابس لإنقاذ القارب.

الصورة
أوشن فاكنغ  تنفذ العشرات من قوارب الهجرة 20 مايو 2024 (فرانس برس)
يأمل صيام ومحمد قبول طلب لجوئهما إلى إيطاليا، 20 مايو 2024 (فرانس برس)

وبفضل توافر هاتف، تمكّن المهاجرون من إبلاغ الخط الساخن المخصص للمهاجرين الذي يتعقّب القوارب في المتوسط "ألارم فون" بموقعهم عبر نظام تحديد المواقع العالمي. وعند قرابة الساعة الرابعة صباحاً من يوم الاثنين، لاحظت سفينة أوشن فايكينغ التي تشغّلها منظمة إنقاذ المهاجرين "إس أو إس ميديتيرانيه" القارب الصغير الذي يستغيث وبدأت الاقتراب.

يستذكر محمد أنه تساءل إن كانوا قراصنة، قائلاً لنفسه: "ما الذي يمكن أن يأخذوه منا؟ لم يبقَ لدينا أي شيء". وانتُشِل المهاجرون الـ35 الذين كانوا على متن القارب من البحر، إذ بدوا غير قادرين على الوقوف ومرهقين". يقول صيام لأولئك الذين أنقذوه: "أنتم نعمة... أحببتمونا كثيراً. أنقذتم حياتنا".

يأمل الرجلان الآن تقديم طلب لجوء، وهي مهمة ستكون صعبة في عهد حكومة رئيسة الوزراء اليمينية المتشددة في إيطاليا جورجيا ميلوني، حيث صنّفت إيطاليا هذا الشهر بنغلادش التي رُحِّل معظم المهاجرين القادمين إلى إيطاليا منها العام الماضي، على أنها "بلد آمن"، ما عقّد طلبات اللجوء. لكن الأمر لم يثنِ محمد الذي يأمل أن يصبح خبازاً، ليقول: "اقتربت كثيراً من الموت. وجودي هنا ولادة ثانية".

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون