يزداد الخوف والقلق في السودان من جرّاء استخدام كميات كبيرة من قنابل الغاز المسيّل للدموع التي تطلقها قوات الشرطة لتفريق المناهضين للانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ومنذ ذلك الوقت، تشهد العاصمة الخرطوم وعدد من المدن السودانية، احتجاجات شعبية عقب الانقلاب العسكري لقائد الجيش السوداني الفريق الأول عبد الفتاح البرهان، أدت حتى الآن إلى مقتل ما لا يقل عن 73 شخصاً، منهم 4 قتلوا نتيجة تعرضهم للغاز المسيل للدموع. وأُصيب المئات نتيجة اختناقهم بالغاز بحسب تقارير طبية صادرة عن لجنة أطباء السودان المركزية الأكثر اهتماماً برصد ضحايا ومصابي الثورة.
ويسكن سعيد محمد أحمد مع زوجته وأطفاله في أحد أحياء منطقة وسط الخرطوم، حيث تدور مواجهات بين الشرطة والمحتجين على مقربة من الحي. ويقول لـ "العربي الجديد" إن أهالي منطقته هم الأكثر تضرراً من الاستخدام الكثيف للغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص الحي. ويؤدي إطلاقها إلى إصابتهم بأمراض الجهاز التنفسي وتلويث الجو بالغاز لمدة تستمر يومين إلى ثلاثة أيام. وبات الكثير من الأطفال يشعرون بالقلق من جراء العيش في أجواء مماثلة.
ويوضح أحمد أنّ الأخطر من كلّ ذلك هو أنّ أربعة مستشفيات في وسط الخرطوم، استمرت في التعرض لإطلاق كثيف لعبوات الغاز المسيل للدموع. ويصعب على المرضى، ومنهم أولئك الذين يعانون من أمراض الرئة وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي، تحمل استنشاق الغاز المسيل للدموع. كما لا تستطيع إدارة المستشفيات إجلاءهم إلى مستشفيات أخرى، ما يعرضهم في النهاية إلى مخاطر صحية مضاعفة. ويشدّد على أهمية أن تراعي الشرطة وغيرها من القوات تلك العوامل والحرص على تفادي المجمعات السكنية والمجمعات الطبية بقدر الإمكان، في حال أرادت حرمان المتظاهرين السلميّين من حقهم الأساسي في حرية التعبير والتجمع طبقاً لأحكام الدستور.
وفي حي آخر من أحياء الخرطوم، وهو الخرطوم 2، اضطرت عائلة عبد الكريم إلى استئجار شقة مفروشة في منطقة العمارات لنقل والدتهم السبعينية إليها في الأيام التي تشهد تظاهرات وسط الخرطوم، بعدما تأثرت صحتها سلباً من جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع. ويطالب رب الأسرة أحمد عبد الكريم الدولة بتدريب أفراد الشرطة على كيفية استخدام الغاز المسيل للدموع والعمل على الحد من الأضرار الصحية والبيئية.
وفي حي بري، شرقي الخرطوم، الذي يشهد تظاهرات مناهضة للانقلاب العسكري، يقول ياسر أبو بكر لـ"العربي الجديد" إنه أعد داخل منزله مخبأ خاصاً للأطفال لوضعهم داخله في حال اقتربت قوات الأمن من المكان، بالإضافة إلى توفير أدوية وأجهزة التنفس في حال التعرض للغاز المسيل للدموع، مبدياً استنكاره الشديد لرمي المنازل بتلك المواد الضارة بصحة الأطفال.
وفي حي صالحة بأم درمان، إلى الغرب من الخرطوم، تقول آية يس لـ "العربي الجديد" إنّها تعاني من حساسية مزمنة، وكثيراً ما تستنشق الغاز المسيل للدموع لدى خروجها من المنزل، وسرعان ما تشعر بالتعب والإرهاق. وتشير في حديثها لـ "العربي الجديد" إلى أنه يتوجب على السودانيين معرفة المواد المستخدمة في تصنيع الغاز المسيل للدموع ومدى ضرره على الإنسان والحيوان والبيئة.
ومنذ فترة، أُثيرت شكوك حول طبيعة الغاز المسيل للدموع الذي يطلق على المتظاهرين. وحذرت تقارير طبية من أعراض ظهرت لدى متظاهرين تختلف طبيعتها من شخص لآخر، وتؤثر على الجهاز التنفسي وتتعلق بمدى تأثير الغاز على الجهاز العصبي.
من جهته، يقول الصيدلاني محمد صقير، وهو عضو لجنة صيادلة السودان المركزية، لـ "العربي الجديد" إنّ لجنتهم أعدت دراسة عن التأثيرات الصحية للغاز المسيل للدموع بهدف زيادة التوعية حول مخاطره وكيفية الحد من الأضرار. ويشير في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أنّ الغاز المسيل للدموع عبارة عن مجموعة من المواد التي تهيج الأغشية المخاطية للعيون، الأمر الذي يسبب إحساساً لاذعاً وحرقة بالعينين والإدماع.
وتعتمد قوة الغاز المسيل للدموع على تركيز المادة الفعالة في العبوة المستخدمة. فهناك نسخة بدائية هي "سي إن" وهي قوية وغير محسوبة العواقب بدرجة كبيرة، وهي سابقة في إنتاجها على النسخة الشائعة الآن وهي "سي إس". وهناك "سي آر" المعروفة بأنها الأشرس بين أنواع الغاز المسيل للدموع، وتزيد قوتها ست مرات عن قوة "سي إس"، وهي نادرة الاستخدام ومحرمة دولياً لآثارها بعيدة المدى فضلاً عن أنّها تسبب السرطان. والواقع أنّها لم تستخدم إلّا في الحالات التي اتسم فيها الصراع بالكراهية بين الأطراف وليس مجرد الاختلاف.
ويؤدي الغاز المسيل للدموع إلى تهيج الأغشية المخاطية للعيون، ما يسبب إحساساً لاذعاً وحرقة بالعينين مصاحبة بالدموع. كما قد تهيّج الجهاز التنفسي العلوي، ما يؤدي إلى السعال والاختناق وضعف عام في الجسم. ويسبب التعرض لسحابات كثيفة من الغاز حتى بتركيزه الأقل "سي إس" تقع أعراض أقوى مثل التقيؤ والإغماء. وتبدأ الأعراض عادة بعد 20 إلى 30 ثانية من الاستنشاق، لكنّها تزول بالكامل بعد عشر دقائق من الهرب إلى مكان مفتوح جيد التهوية. غير أنّ الخطورة تكمن في استنشاق الغازات لمرات عدة في المكان عينه.
ويشار إلى أنّ المجهود البدني المصاحب لاستنشاق الغاز المسيل للدموع أو اللاحق عليه مثل الجري أو العدو يساهم في زيادة ضربات القلب واحتياج الجسم إلى كمية أكبر من الأوكسجين، بينما ما يدخل الرئتين في تلك الحالة هو الغاز المسيل للدموع، الأمر الذي يكون له أثر سيئ في إجهاد المصاب وإصابته بالسعال الحاد وهو يحاول طرد الغاز من رئتيه وإدخال الأوكسجين بدلاً منه.
وينصح صقير كل من يتعرض للغاز المسيل للدموع بالتوجه إلى أماكن جيدة التهوية وغسل العيون بالمياه من 10 إلى 20 دقيقة. وفي حال الاختناق الشديد، وخصوصاً لدى مرضى الجهاز التنفسي، يجب نقل المرضى إلى مكان جيد التهوية، ونزع الملابس العلوية الخارجية، أو استخدام بخاخات خاصة للربو.